Search
Close this search box.

موكب آل البيت في مجلس ابن زياد

موكب آل البيت في مجلس ابن زياد

ووصل موكب آل البيت إلى قصر الإمارة، حيث كان عبيد الله بن زياد لعنه الله ينتظر، وأذن للناس اذنا عاما، فوضع رأس الحسين (عليه السلام) بين يديه وأخذ ينظر إليه ويبتسم وينكت بقضيب بين ثنييه، فقال له زيد بن أرقم، وكان شيخا كبيرا، ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله عليهما ما لا أحصيه كثرة تقبلهما، ثم انتحب باكيا. فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله؟ والله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك، فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله[1].

وروى الطبري أنه عندما خرج من مجلس ابن زياد أخذ يهاجم أهل الكوفة ويندد بهم، ويقول: أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة فهو يقتل خياركم ويستعبد أشراركم، فرضيتم بالذل فبعدا لمن رضي بالذل[2].

والجدير بالذكر أن ابن زياد أراد بهذا الفعل أن يزيد من رعب الناس حتى لا يفكر أحد منهم بالقيام ضده، ولذلك بث كل سمومه أمام الملأ بعدما سمح لهم بالدخول عليه، وأن يدلس عليهم ويبين أنه فعل ذلك بدافع ديني ليرضوا عما فعله بآل البيت، ولذلك تراه عندما توجه إلى زينب (عليها السلام) وقد كانت لبست أرزل ثيابها وتنكرت حين أدخلت عليه، فسأل عنها، فلما عرفها قال لها: الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم.
ولا يخفى أنه أراد بهذا الكلام أن يعطي فعله الشنيع بعضا من الشرعية في أعين الناس، ولذلك كان جوابها صاعقا له، حين أجابته بجواب مليء بالدلالات المعبرة: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وطهرنا من الرجس تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا.

فهي أرادت أن تبين له أنه من نسل غير طاهر، فهو ابن زياد ابن أبيه، الذي ولد من سفاح، وأنه فاسق وفاجر، نتيجة خبث أصله، فاستشاط غضبا، وأراد أن يقتلها، وهو فعل لم يسبقه إليه أحد حتى في الجاهلية، إذ من أقبح الفعال قتل النساء في عادات العرب، فقال له عمرو بن حريث: إنها امرأة، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها، فحاول أن يسكن من روعه وقال لها: الحمد لله الذي شفى نفسي من طاغتيك والعصاة من أهل بيتك. فرقت زينب وبكت وقالت: لعمري لقد قتلت كهلي وأبدت أهلي وقطعت فرعي فإن يشفيك هذا فقد استشفيت.

ثم توجه إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام)، وأراد إذلاله هو الآخر، ولما أجابه الإمام بما يقطع حجته، ويزيف منطقه، ويفضحه أمام الناس، غضب ابن زياد، وقال: لك جرأة على جوابي، وفيك بقية للرد علي، اذهبوا به واضربوا عنقه، فتعلقت به زينب (عليها السلام) واعتنقته، وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا، والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه، فنظر ابن زياد إليها ساعة، وقال: عجبا للرحم وددت أني قتلتها معه، دعوه فإني أراه لما به مشغول ثم قام من مجلسه[3].

وهكذا استطاعت الحوراء (عليها السلام) أن تحمي الإمام زين العابدين (عليه السلام) من القتل، وأن تفضح الكوفيين والأمويين من ورائهم، وأن تبرز حقانية حركة الإمام الحسين (عليه السلام)، وتؤسس للحركات التي تلت هذه المأساة، من حركة التوابين وثورة المختار وغيرها مما أدى إلى زوال حكم بني أمية.

ولما افتضح أمر ابن زياد بين الناس، ولم يستطع مقارنة حجة أهل البيت (عليهم السلام)، وطاش سهمه من أن ينال منهم، عمد إلى نصب رأس الإمام الحسين (عليه السلام)، وأمر أن يطاف به في أزقة الكوفة، لإخافة الناس وإرعابهم قبل إرسال القافلة إلى يزيد بن معاوية في دمشق.

ويدل على هذه الحقيقة ما رواه الطبري من أنه بعدما جمع الناس في القصر قام فيهم خطيبا وقال لهم: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته، فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، وكان من شيعة علي (عليه السلام) خسر عينه في حرب الجمل وصفين، وقال له: يا ابن مرجانة إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك، والذي ولاك وأبوه، أتقتلون أبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين. فأمر ابن زياد فضربت عنقه[4].

سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

[1] راجع: الإرشاد، الشيخ المفيد، ج ٢، الصفحة ١١٥
[2] تاريخ الطبري، ص230
[3] إعلام الورى، ص247
[4] تاريخ الطبري، ج5، ص231

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل