Search
Close this search box.

من دخل خصني أمن عذابي

من دخل خصني أمن عذابي

إن ما جرى في نيسابور لا يكاد يخلو منه كتاب يتعرض لأحوال الرضا (عليه السلام)، ومسيره إلى مرو، فإنه عندما دخل نيسابور تعرض له الحافظان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن أسلم الطوسي، ومعهما من طلبة العلم ما لا يحصى، وتضرعوا إليه أن يريهم وجهه؛ فأقرّ عيون الخلائق بطلعته، والناس على طبقاتهم قيام كلهم. وكانوا بين صارخ، وباك، وممزق ثوبه، ومتمرغ في التراب، ومقبل لحافر بغلته، ومطول عنقه الى مظلة المهد، إلى أن انتصف النهار، وجرت الدموع كالأنهار، وصاحت الأئمة: «معاشر الناس، أنصتوا، وعوا، ولا تؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في عترته..»

فأملى صلوات الله عليه، عليهم، بعد أن ذكر السلسلة الذهبية الشهيرة للسند، قوله: «لا إله إلا الله حصني؛ فمن دخل حصني أمن من عذابي..»

فلما مرت الراحلة أخرج رأسه مرة ثانية إليهم، وقال: «بشروطها، وأنا من شروطها».

فعد أهل المحابر والدوى، فأنافوا على العشرين ألفا. كذلك وصف المؤرخون هذه الحادثة الشهيرة([1]).. ولسوف نتحدث عن هذه القضية بالتفصيل في فصل: «خطة الإمام» إن شاء الله تعالى..

وعن أسناد هذه الرواية، الذي أورده الإمام (عليه السلام)، يقول الإمام أحمد بن حنبل: «لو قرأت هذا الاسناد على مجنون لبرئ من جنته».

على ما في الصواعق المحرقة، ونزهة المجالس([2])، وغير ذلك..

ونقل أن بعض أمراء السامانية بلغه هذا الحديث بسنده؛ فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه.

وها نحن أمام نصوص اخرى:
وكذلك نرى هيبة الإمام (عليه السلام)، وقوة شخصيته، في موقفه مع الفضل ابن سهل ـ أعظم رجل في البلاط العباسي ـ وذلك عند ما طلب منه الفضل كتاب الضمان، والأمان؛ حيث أوقفه ساعة، ثم رفع رأسه إليه، وسأله عن حاجته؛ فقال: «يا سيدي.. إلى أن قال الراوي: ثم أمره بقراءة الكتاب ـ وكان كتابا في أكبر جلد ـ فلم يزل قائما حتى قرأه!! الخ..»([3]).

ثم رأينا المأمون عندما قتل الفضل بن سهل ذا الرئاستين، وشغب عليه القواد والجند، ومن كان من رجال ذي الرئاستين. وقد جاءوا بالنيران ليحرقوا الباب عليه، ليصلوا إليه ـ قد رأينا ـ كيف هرع إلى الإمام، يطلب منه أن يتدخل لانقاذه؛ فخرج (عليه السلام) إليهم، وأمرهم بالتفرق؛ فتفرقوا.. يقول ياسر الخادم: «فأقبل الناس والله، يقع بعضهم على بعض، وما أشار لأحد إلا ركض، ومر، ولم يقف..»([4]). ونجا المأمون بذلك بجلده، واحتفظ بحياته..

وفي كتاب العهد الذي كتبه المأمون بخط يده ـ كما صرح به كل من تعرض له ـ فقرات تدل على سجايا الإمام، وعلى مركزه، وشخصيته، يقول المأمون عنه: «.. لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس.
وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا، وناشيا، وحدثا، ومكتهلا الخ..» وكتاب العهد مذكور في أواخر هذا الكتاب..

وفي نهاية المطاف:
فإن الإمام (عليه السلام) هو أحد العشرة، الذين هم على حد تعبير الجاحظ: «كل واحد منهم: عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاك، والذين هم بين خليفة، أو مرشح لها..»([5]).

وهو على ما في النجوم الزاهرة: «سيد بني هاشم في زمانه، وأجلهم. وكان المأمون يعظمه، ويجله، ويخضع له، ويتفانى فيه..»([6]).

وقال عنه (عليه السلام) عارف تامر: «يعتبر من الأئمة الذين لعبوا دورا كبيرا على مسرح الأحداث الإسلامية في عصره..»([7]).

وأخيرا.. فقد وصفه أبو الصلت، ورجاء بن أبي الضحاك، وإبراهيم ابن العباس، وغيرهم، وغيرهم.. بما لو أردنا نقله لطال بنا المقام..

وحسبنا ما ذكرنا؛ فإننا إذا أردنا أن نلم بما قيل في حق الإمام (عليه السلام) لاحتجنا إلى تأليف خاص، ووقت طويل..

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) – بتصرّف، العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي (قدس سره)

([1]) نقله في مجلة مدينة العلم، السنة الاولى ص 415 عن صاحب تاريخ نيسابور، وعن المناوي في شرح الجامع الصغير، وهي أيضا في الصواعق المحرقة ص 122، وحلية الأولياء ج 3 ص 192، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 135، وأمالي الصدوق ص 208، وينابيع المودة ص 364، وص 385، وقد ذكر قوله 7: وانا من شروطها، في الموضع الثاني فقط. والبحار ج 49 ص 123، 126، 127، والفصول المهمة لابن الصباغ ص 240، ونور الأبصار ص 141، ونقلها في مسند الامام الرضا ج 1 ص 43 و 44 عن التوحيد ومعاني الاخبار ص 352 / 353 وكشف الغمة ج 3 ص 98. وهي موجودة في مراجع كثيرة اخرى. لكن يلاحظ أن بعض هؤلاء قد حذف قوله 7: « بشروطها، وأنا من شروطها »، ولا يخفى السبب في ذلك.
([2]) وفيه في ج 1 ص 22، قال: « إنه (أي الامام أحمد) قرأها على مصروع فأفاق».
([3]) أعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 139، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 162، 163 والبحار ج 49 ص 168، ومسند الامام الرضا ج 1 ص 88.
([4]) المناقب ج 4 ص 347، وروضة الواعظين ج 1 ص 273، وكشف الغمة ج 3 ص 70، والكافي ج 1 ص 490، 491، وأعلام الورى ص 324، وأعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 110، 140، طبعة ثالثة، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 164، وارشاد المفيد ص 314، والبحار ج 49 ص 169، ومعادن الحكمة ص 183، وشرح ميمية أبي فراس ص 198، 199.
([5]) آثار الجاحظ ص 235.
([6]) النجوم الزاهرة ج 2 ص 74.
([7]) الامامة في الاسلام ص 125.

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل