Search
Close this search box.

مدرسة الامام الصادق للوحدة الاسلامية في عهد التفرقة

مدرسة الامام الصادق للوحدة الاسلامية في عهد التفرقة

عمّت ميادين الحياة مظاهر الفساد والانحراف في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) وان قيم الجاهلية قد عادت تظهر للوجود ، وأنّ الصيغ الغريبة عن الدين أخذت تدخل في فهم القرآن والسنة الشريفة، وتسبّبت في تغيير مضمون الرسالة وجوهرها ،أخذ يزداد تفاقماً في أواخر العهد الاُموي، الذي نمت فيه مدارسٌ فكريةٌ وتياراتٌ سياسيةٌ بعيدةٌ عن الإسلام.

وراى الإمام الصادق (عليه السلام) ما يصيب الدين الإسلامي من وهن وتشويه وانتهاك هوبعدهم عن الاسلام المحمدي الاصيل وقام بدعوت الناس الى التعاليم الاسلامية الاصيلة وللتقريب المذاهب انبرى لفتح مدرسته الوحدوية يدعوفيها الى العودة الى الاصول الاسلامية والسنة النبوية الشريفة.

إنّنا الان نعيش في مرحلةٍ يواجَهُ المسلمون بالحروب الثقافية والإعلامية، وعلينا أن نعمل لنقدّم تراث أهل البيت (عليه السلام) الحضاريّ، ليعرف العالم أصالة الإسلام من خلال هذا التّراث، انطلاقاً من كتاب الله، وسنّة نبيه، وكلمات عليّ في نهج البلاغة، وكلمات الأئمة من أهل البيت (عليه السلام).

لذلك، علينا أن ندرس كلَّ تراث الإمام الصادق (عليه السلام) الذي تحدَّث عن كلِّ ما يفيد الناس ويرفع مستواهم، فهكذا تكون الموالاة، لأنّ الموالاة لأئمَّة أهل البيت (عليه السلام) لا تكون بأن نتذكّرهم على أساس استحضار مآسيهم فحسب، بل أن نعمل على استحضار علومهم، وقد جاء عنه (عليه السلام): «أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا»، قيل: كيف نحيي أمركم؟ قال (عليه السلام): «يتعلّم علومنا ويعلّمها النّاس، فإنّ النّاس لوعلموا محاسن كلامنا لاتّبعونا»، أن تنقلوا تراثنا وعلومنا وأساليبنا الحضارية الإنسانية للنَّاس كلِّهم، وبذلك يمكن للتشيع أن ينطلق ليكون حركةً حضاريةً منفتحةً على الإنسان والعالم كلّه، حركةً تؤكّد الحرية والعزَّة والعلم والمعرفة والقوَّة.

وبمناسبة مولد الامام الصادق (عليه السلام) نتطرق الى مواقفه الوحدوية والتقريبية ومراعاته للنقاط المشتركة وللمصلحة الاسلامية العليا؛ ولجمع شمل الامة الاسلامية فقد كان الامام جعفر الصادق (عليه السلام) يحث أنصاره واتباعه على المشاركة في صلاة الجماعة والجمعة التي تقام من قبل الولاة حفظاً على الالفة والاخوة وتحقيقاً للوحدة في أحد مجالاتها وهي ممارسة العبادة جماعة.

وقال الامام الصادق (عليه السلام): “اوصيكم بتقوى الله عزّ وجلّ والورع في دينكم

والاجتهاد لله وصدق الحديث واداء الامانة…

صلوا عشائركم

واشهدوا جنائزهم

وعودوا مرضاهم

وأدّوا حقوقهم،

فانّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري فيفرّحني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل، هذا ادب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا ادب جعفر..”.

ونهى الامام الصادق (عليه السلام) عن التعصب لأنه أحد أهم أسباب وعوامل التشاجر والتناحر والاختلاف والفرقة بين المسلمين لأنه يمنع من اللقاء والاجتماع في النقاط المشتركة وفي الآفاق العليا.

قال (عليه السلام): “من تعصّب أو تُعُصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه”.

وقال عليه السلام: “من تعصّب عصّبه الله بعصابة من نار”.

ودعا الإمام الصادق (عليه السلام) إلى اصلاح العلاقات بين الناس والتقريب بينهم، ليكونوا أخوة متآزرين متعاونين فقال:”صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا”.

ووجّه الانظار إلى الموازين السليمة في التقويم والتقديم، والقائمة على أساس القرب من الله تعالى، وهي أهم ميزان للعلاقات.

وفي هذا الصدد قال (عليه السلام):” من أوثق عرى الإيمان أن تحبّ في الله وتبغض في الله وتعطي في الله، وتمنع في الله”.

فقد قدّم الامام الصادق (عليه السلام)، الحبّ في الله والبغض في الله على جميع الوان ومجالات الحب والبغض القائمة على أساس الانتماء والولاء للعشيرة أو الوطن أو اللغة أو المذهب، لأنها انتماءات وولاءات ثانوية، لا تصح ان تكون بذاتها محببة بل بدرجة تأثيرها الايجابي الواقع ضمن قاعدة الحب في الله والبغض في الله.

ومدرسة الامام الصادق (عليه السلام) الإسلامية العلمية العقلانية الموضوعيَّة الواسعة، اتّسعت لتشمل الجميع، فلم تضق بأحد.

فقد عمل الإمام (عليه السلام) في تلك المرحلة على الدعوة إلى الإسلام، وعلى تثقيف الناس وتصحيح المفاهيم التي طرأ عليها الانحراف من هنا وهناك، وعلى توجيه المجتمع الإسلامي إلى المنهج الأخلاقي الذي لم يترك (عليه السلام) أيّ موقع من مواقعه إلا وتحدَّث عنه ووجّه الناس إليه.

وهكذا كانت أحاديث الإمام الصَّادق (عليه السلام) العميقة التي ركَّزت القواعد الفكرية العقيدية لهذه الفلسفة الإسلامية، وكان (عليه السلام) يوجّه الناس إلى أن يأخذوا بمنطق العقل، وأن لا يسقطوا أمام موقع العاطفة، لأنَّ العاطفة لا ضوابط لها، فقد تنفتح على هوى النفس وشهواتها، وعلى ما يحيط بها من حالات طارئة هنا وهناك، أما العقل، فله قواعده ومعادلاته وعمقه، وقد جعل الله تعالى العقل حجَّةً بينه وبين عباده، ودعا الناس إلى أن يخضعوا له، لما يمثّله من طاقة قدسية في تكوين الإنسان، وقد جاء في الحديث، أن العقل هو الذي يتلقى الأوامر من الله ليوجّه الناس إلى الالتزام بها، ويتلقى النواهي منه ليوجِّههم إلى الابتعاد عنها، وليرتفع بالإنسان، إذا كان يملك قوة العقل، للحصول على الثواب في عمله.

والتذكير باثار وتعليمات الائمة (عليهم السلام) لاسيما الامام الصادق (عليه السلام) في هذا الزمن يؤتي اتجاها للمسلمين كيف كانوا امة واحدة مع اختلاف توجهاتهم الفكرية وتنوع مدارسهم الفقهية ولكن غايتهم واحدة وهدفهم واحد ومقصدهم واحد وبالتالي فاذا تعددت الطرق والسبل فان الغاية توصل الى الاهداف والهدف الواحد المشترك. وبالتالي نقول ان وحدتنا في هذا الزمان متوقفة على قراءة النموذج الجامع ومعرفة القدوة التي تستطيع ان تستوعب كل الاطياف ويقرأ في كل حالة كيف يمكن ان يكون المؤمن في علاقة مع الرب صافي النية وفي علاقته مع الناس حسن المعاملة وهذا هو المقصود والمطلوب في كل لقاءات الوحدة الاسلامية لان المسأله ليست هي مسألة تخلي عن الآراء والافكار بصالح اي طرف من الاطراف بل الغاية اننا جميعا نعمل نحو هدف مشترك وتجمعنا المشتركات: التوحيد كلمة لا اله الا الله والرسالة النبوية والقبلة الواحدة وان تعددت وسائلنا وسبلنا وان تنوعت الطرق الموصلة الى هذا الهدف، والنموذج الامثل هو الامام جعفر الصادق (عليه السلام).

والسلام عليك يا صادقا مصدّقا في القول والفعل ورحمة الله وبركاته.

وقد رثى الشاعر جابر الكاظمي الامام جعفر الصادق (عليه السلام) بقوله:

قتلوا أصدق مَنْ فوق الثرى ***** بذعافِ السُّمّ في الأحشاء سارا

صَدَق الحزنُ بفقدِ الصادق ***** فقدُهُ أورى شِغافَ القلبِ نارا

لهفَ نفسي كيف يُعفى قبرُه ***** وهو حصنٌ وبه الكونُ استجارا

قَذِيَت عينٌ إذا لم تبكِهِ ***** بَدَلَ الدمع دماً ليلَ نهارا

إننا نرتقبُ اليوم الذي ***** يطلب الموعودُ للصادق ثارا

ثمّ يدعو يا لثارات الحسين ***** لدماءٍ سُفكتْ منه جُبارا

ناحروه وبه لم يحفظوا ***** لرسولِ الله قَدراً ووقارا

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل