Search
Close this search box.

مع كثرة الفساد والمشككين.. كيف نضمن ’حُسن العاقبة’؟

مع كثرة الفساد والمشككين.. كيف نضمن ’حُسن العاقبة’؟

كيف يضمن الإنسان آخرته، فالدنيا التي نعيش فيها كثيرة الفتن، وخصوصا زمننا الحاضر اصبحنا نخرج من فتنه وندخل بالأعقد منها؟

من الضروري أن يفكّر الإنسان بشكل دائم ومستمر في مصيره وعاقبته، فما دام الشيطان موجوداً وقد أقسم على إغواء البشر، وجرّهم إلى نار جهنم، ومن جهة أخرى النفوس البشرية تميل إلى الراحة واللهو واتباع الشهوات وتأمر صاحبها بالسوء، مضافاً إلى عواملَ كثيرة ومن أهمها انتشار الشبهات والفساد وكثرة المشككين، تجعل الإنسان يعيش حالة الخوف من مصيره وخاتمته، وهو خوفٌ ممدوح، إذ لا بدّ على المؤمن أن يعيش حالة الخوف من سوء العاقبة، ولا ضمان ولا مؤمّن حقيقيّ من عدم الانحراف وسوء العاقبة، فالإنسان يعيش حالات من التقلبات.

وحسن الخاتمة وسوؤها لا يعلمه إلا الله، يقول المازندراني بعد شرحه لبعض الأحاديث: وفيه تنبيه على الخوف من سوء الخاتمة، وهو الذي قرّح قلوب العارفين. وقال في موضع آخر: سوء الخاتمة الذي يضطرب منه قلوب العارفين. (شرح الكافي للمازندراني: 4 / 292، و: 9 / 304).

وحسن العاقبة وسوؤها موضوع كبير لا يسعه هذا المقام.

ولكن هناك جملة من الأعمال لو التزم بها الإنسان، واستمرّ عليها بشكل دائم بلا انقطاع، لعله يكون معيناً -إن شاء الله- على حسن العاقبة.

الأمر الأول: معرفة العقائد الدينية الصحيحة، وعقد القلب عليها، وتقوية اليقين والإيمان بالله والنبي والأئمة والمعاد.

فإنّ معرفة العقائد الصحيحة تبصّر الإنسان وتقيه من الانزلاق إلى الانحراف والضلال.

وكلما ازداد إيمان الإنسان وقويَ يقينه بالعقائد الدينية، قلّ خطر سوء عاقبته، وكلما ضعف إيمان الإنسان، ازداد خطر سوء العاقبة.

ويجب على العاقل أن يبنيَ دينه وعقيدته على طبق مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، كما وردَ في الحديث المتواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله): إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.

الأمر الثاني: الابتعاد عن الشبهات والإلقاءات الشيطانية، وعدم مجالسة أهل الريب والبدع، وترك الإصغاء لهم، وعدم متابعة المواقع والفضائيات التي تبثّ الشبهات والشكوك في العقائد الدينية.

وينبغي للإنسان أن يسأل أهل الاختصاص ويتابع معهم فيما علق بذهنه من شبهات، فإنّ الشبهات تضعف الإيمان، وإذا تراكمت لعلها تجرّ الإنسان إلى الانحراف أو الخروج من الدين عاجلاً أو آجلاً.

رويَ عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنه قال: أسلم القلوب ما طهر من الشبهات. (تحف العقول لابن شعبة، ص235).

ورويَ عن الإمام السجاد (ع): فان الشكوك والظنون لواقح الفتن. (بحار الأنوار: 91 / 147).

ورويَ في الصحيح عن النبي (ص) لزوم إظهار البراءة من أهل الريب والبدع والوقيعة فيهم ومباهتتهم. (الكافي: 2 / 375).

ورويَ عن الإمام السجاد (ع): والذنوب التي تهتك العصم: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. (معاني الأخبار للصدوق، ص271).

الأمر الثالث: التفقه في الدين، وملازمة التقوى: وهو العمل بالواجبات وترك المحرمات، يقول الله تعالى: “تِلكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدونَ عُلُوًّا فِي الأَرضِ وَلا فَسادًا وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ.” [القصص: ٨٣]

ولا بد أن يكون تفقهه على طبق فقه وعقيدة أهل البيت (عليهم السلام) حصراً، ويبتعد عما هو ليس منهم، ولا يكون الإنسان على مذهبهم حتى يأخذ عنهم، ورد في وصية أمير المؤمنين (ع) لكميل بن زياد أنه قال له: يا كميل لا تأخذ إلا عنا تكن منا. (تحف العقول لابن شعبة، ص171).

وروى الكليني بسنده عن زيد الشحام، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : (فلينظر الإنسان إلى طعامه)

قال: قلت: ما طعامه؟

قال (ع): علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه. (الكافي للكليني: 1 / 50).

وروى الكليني بسنده عن بشير الدهان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا خير فيمن لا يتفقه من أصحابنا يا بشير! إن الرجل منهم إذا لم يستغن بفقهه احتاج إليهم (يعني إلى المخالفين) فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم وهو لا يعلم. (الكافي: 1 / 33).

الأمر الرابع: ترك الحسد والتكبر: فإن إبليس وصل إلى ما وصل إليه بحسده لآدم، وتكبره عن السجود له، وكذلك الشلمغاني والعبرتائي، الذيْن صدر اللعن بحقهما من الناحية المقدسة، قال السيد الخوئي عن العبرتائي: ولعلّ السرّ والله العالم في عدوله عن الحقّ وانحرافه عن المذهب هو البغي والحسد، حيث إنّه كما عرفت كان من أعيان هذه الطائفة ووجوهها، وعلى جانب عظيم في أعين الناس، وقد لقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه، وأنكروا ما ورد في مذمّته حتى حملوا القاسم بن العلاء على أن يراجع في أمره مرة بعد أخرى، ولذلك كان يتوقّع اللعين صدور التوقيع باسمه وتفويض السفارة إليه وجعله نائباً خاصاً، فلمّا رأى خلاف ذلك دعاه بغيه وحسده إلى الخروج عن الدين والانحراف عن الحق، أعاذنا الله من سوء الخاتمة، ووقانا من تسويلات النفس الغاشمة. (موسوعة السيد الخوئي، شرح العروة: 12 / 335).

الأمر الخامس: الرضا بقضاء الله والتسليم له، والتفويض له، والتوكل عليه، قال تعالى: (الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ) [الملك: ٢] فالإبتلاء والإمتحان والإختبار لا ينجح فيه إلا المؤمن بالله، الذي رضيَ بقضاءه، وسلمّ لأمره، وفوّضَ إليه أموره، وصبر على بلاءه.

الأمر السادس: الدعاء: فإنه مفتاح الفلاح.

قال المازندراني: ولذلك كان أهل الحق والسعادة يطلبون حسن العاقبة واستقامة الخاتمة بالتضرع والابتهال. (شرح الكافي للمازندراني: 4 / 292).

رويَ عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى، ولا إمام هدى ولا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: كيف دعاء الغريق؟

قال: يقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.

فقلت: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك.

قال (ع): إن الله عز وجل مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. (كمال الدين للصدوق، ص352).

ورويَ عن محمد بن سليمان الديلمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إن شيعتك تقول إن الإيمان مستقر ومستودع، فعلمني شيئاً إذا أنا قلته استكملتُ الإيمان. قال: قل في دبر كل صلاة فريضة: رضيت بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً وبالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلةً وبعليّ ولياً وإماماً وبالحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم، اللهم إني رضيت بهم أئمة فارضني لهم انك على كل شئ قدير. (تهذيب الأحكام للطوسي: 2 / 109).

والأدعية كثيرة وبالأخص أدعية شهر رمضان.

الأمر السابع: إخراج حب الدنيا من القلب فإنها رأس كل خطيئة، وأساس كلّ انحراف، فكلما قويَ حبّ الدنيا، ضعف حبّ الله، فيعمل جاهداً لممارسة ما يعمّر دنياه، فيهدم آخرته، لعمارة الدنيا! وكلما قويَ حبّ الله، ضعف حبّ الدنيا والتعلق بها.

والدنيا براقة جذابة مغرية، فمالها وذهبها وفضتها من جهة، ورئاستها وسلطتها وشهرتها ومناصبها من جهة أخرى، وشهواتها من جهة ثالثة.

بحيث لو سيطرت على قلب الإنسان، وجذبته نحوها، وجعلت القلب معلقاً بها، فإنها تبعده عن الله وتجره نحو الانحراف، ولا سمح الله إلى سوء العاقبة، أجارنا الله وإياكم منها.

الأمر الثامن: إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام: وذلك من خلال زيارتهم بشكل مستمر، والحضور في مجالس العزاء، وممارسة الشعائر الحسينية والفاطمية، وتعلم علوم أهل البيت عليهم السلام ونشرها ومدارستها.

الأمر التاسع: التمسك بالمرجعية الدينية في عصر الغيبة، فإنّ أهل البيت عليهم السلام أمرونا بالتمسك بالمراجع في عصر الغيبة الكبرى.

(رَبَّنا لا تُزِغ قُلوبَنا بَعدَ إِذ هَدَيتَنا وَهَب لَنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهّابُ).

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل