Search
Close this search box.

حول حقيقة الإيمان

حول حقيقة الإيمان

المعنى اللغوي والقرآني للإيمان هو التصديق، لكن وقع البحث في أنّ الإيمان من مقولة التصديق القلبي فقط ولا دخالة للإقرار اللساني فيه أو أنّ حقيقته التصديق القلبي مع الإقرار اللساني، أو يُضاف إليهما عمل الجوارح أيضاً[1].

والأقوال في حقيقة الإيمان عند علماء الإمامية على الشكل التالي:

1- التصديق القلبي:
وهو قول أكثر علماء الإمامية، والإيمان بهذا المعنى قوامه وحقيقته هو التصديق القلبي دون أن يكون للعمل أو الإقرار اللساني دخالة فيه.

2- التصديق القلبي مع الإقرار باللسان:
صرّح به الشيخ الصدوق في الهداية والمحقّق نصير الدِّين الشيخ الطوسي والمحقّق الكركي، ونسبه الشهيد الثاني إلى جماعة من المتأخّرين.

يقول المحقّق الشيخ الطوسي: الإيمان التصديق بالقلب واللسان. واختاره العلّامة الحلّي في شرحه لكلام المحقّق الشيخ الطوسي[2]. وهذا ما يراه جمهرة الفقهاء والمتكلّمين من السنة والشيعة: وهو أنّهم جعلوا الإيمان نفس التصديق مع الإقرار باللسان، وجعلوا العمل كمال الإيمان[3].

3- التصديق القلبي والإقرار باللسان والعمل بالجوارح:
وهو اعتبار العمل في الإيمان إضافةً إلى الأوّلين بحيث يكون المرتكب للكبيرة خارجاً عن الإيمان، ولا تشمله الأحكام الخاصة بالمؤمنين، فنسبه الشهيد الثاني إلى المحدّثين، بل في مرآة العقول انعقاد اصطلاح المحدّثين عليه، ونسبه المحدّث البحراني إلى جملة من متقدّمي أصحابنا كالصدوق والمفيد.

كيف فسّرت الروايات معنى الإيمان؟
وبالتأمّل في الروايات يتّضح أنّها ليست بصدد تفسير الإيمان الذي هو موضوع للأحكام الظاهرية وهو الذي يُعبّر عنه بـ “الإسلام” في غالب الروايات، بل هي ناظرة إلى إحدى الجهات التالية:

1- أنّ ترتُّب آثار الإيمان في الظاهر يتوقّف على الإقرار اللساني أو ما في حكمه، كما أنّ ترتُّب آثار الإيمان في الواقع يتوقّف على العمل بمقتضاه.

2- عُدّ العمل بالأركان من أجزاء الإيمان، باعتبار أنّ الإيمان بمنزلة الشجرة والأعمال ثمرتها، فالإيمان بلا عمل كالشجر بلا ثمر، وبهذا الاعتبار يصحّ أن يُقال: الإيمان يتقوّم بالعمل.

3- المعصية وإن كانت غير منافية للإيمان الظاهري، لكنّها مناقضة للإيمان الباطني الذي هو الإذعان القلبي بأحكام اللّه تعالى، ومن هنا روي عنه صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم أنّه قال: “لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ‏ السَّارِقُ‏ وَ هُوَ مُؤْمِن”[4].

4- قد ظهرت في النصف الثاني من القرن الأوّل الهجري عقيدة باطلة باسم “الإرجاء” وكانت تهدف إلى أنّ المعصية لا تضرّ بالإيمان، ويكفي لنجاة الإنسان أن يكون مؤمناً باللّه ورسوله فحسب، وإن لم يعمل بالفرائض أو ارتكب المعاصي، وصارت خير وسيلة للظلمة الطغاة الأمويين لتبرير أعمالهم الإجرامية، وخصوصاً ما كانوا يفعلونه بالرجال الأحرار من العلويين وغيرهم. وعلى هذا، فقسم من الروايات المؤكّدة على أنّ العمل من أجزاء الإيمان ناظرة إلى بطلان عقيدة المرجئة[5].

بغير حساب، جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

[1] يقول العلامة ابن ميثم البحراني: “الإيمان إمّا أن يكون الإيمان والكفر من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح أو من أعمالهما. والأوّل هو التصديق القلبي. وأمّا الثاني: فإمّا أن يكون عبارة عن التلفُّظ بالشهادتين، وهو منقول عن الكرامية، أو من جميع أفعال الجوارح من الطاعات، وهو قول قدماء المعتزلة والقاضي عبد الجبّار، أو عن جميع الطاعات من الأفعال والتروك، وهو قول أبي علي وأبي هاشم. وأمّا الثالث فهو قول أكثر السلف، فإنّهم قالوا الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. والمختار أنّ الإيمان عبارة عن التصديق القلبي بالله تعالى وبما جاء به رسوله من قول أو فعل، والقول اللساني سبب ظهوره، وسائر الطاعات ثمرات مؤكّدة له”. (البحراني، ابن ميثم، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق السيد أحمد الحسيني، بإهتمام السيد محمود المرعشي، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، مطبعة الصدر، الطبعة الثانية، 1406هـ، الإيمان والكفر، ص 170).
[2] ينظر: الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تعليق حسن حسن زاده آملي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط5، 1415هـ، المسألة الخامسة عشرة: في الأسماء والأحكام، ص 577.
[3] جعفر السبحاني، الإيمان والكفر في الكتاب والسنة، ص 15.
وللمزيد من الإطلاع: راجع: الشهيد الثاني، حقائق الإيمان، تعريف الإيمان الشرعي، ص 53-58.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 285.
[5] نصير الدِّين الشيخ الطوسي، شرح قواعد العقائد، ص 142-148.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل