Search
Close this search box.

الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة الأعرابي

الإمام الحسن (عليه السلام) وأسئلة الأعرابي

إذا كانت الإمامة تقوم على ركنين رئيسين، أحدهما: النص، والآخر: العلم. فإننا نجد الأئمة (عليهم السلام) يهتمون بإظهار هذا النص، والتركيز عليه باستمرار. وقد رأينا الإمام الحسن (عليه السلام) يهتم بهذه الناحية، في كثير من أقواله ومواقفه، فلقد ذكر في خطبه: أنهم هم الذين افترض الله طاعتهم، وأنهم أحد الثقلين، واستدل بحديث الغدير، وبالأعلمية([1]) وغير ذلك. وكان هذا دأب الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم الأبرار بصورة عامة، حتى لقد رأينا الإمام علياً (عليه السلام) يستشهد الناس على حديث الغدير في رحبة الكوفة وغيرها([2]). والإمام الحسين (عليه السلام) يستشهد الناس على حديث الغدير في منى([3]).. إلى غير ذلك من مواقف لا مجال لتتبعها هنا. وكذلك الحال بالنسبة إلى العلم، فإنهم (عليهم السلام) ما فتئوا يؤكدون على أنهم هم ورثة علم رسول الله صلى عليه وآله، وعندهم الجفر، والجامعة، وغير ذلك([4]).. وقد رأينا: أن الإمام علياً (عليه السلام) يهتم في إثبات صفة علم الإمامة للإمام الحسن (عليه السلام) منذ طفولته.. حتى ليصبح اطلاعه على تلك العلوم، التي لم ينل الآخرون منها شيئاً دليلاً على إمامته عليه آلاف التحية والسلام..

ويلاحظ: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) يهتم في إظهار ذلك لخصوص أولئك الذين استأثروا بالأمر، وأقصوا أصحاب الحق الحقيقيين عن حقهم الذي جعله الله تعالى لهم، وما ذلك إلا ليؤكد لهم، ولكل أحد على أنهم ليسوا أهلاً لما تصدّوا له، فضلاً عن أن يكون لهم أدنى حق فيه.. وقد اتبع (عليه السلام) في صياغة الحدث أسلوباً من شأنه أن يتناقله الناس، ويتندروا به في مجالسهم.. إذ أن إجابة طفل لم يبلغ عمره العشر سنوات على أسئلة عويصة وغامضة، لأمر يثير عجبهم، ويستأثر باهتمامهم. فقد ذكر القاضي النعمان في شرح الأخبار، بإسناده عن عبادة بن الصامت، ورواه جماعة عن غيره: أن أعرابياً سأل أبا بكر، فقال: إني أصبت بيض نعام، فشويته، وأكلته وأنا مُحرم، فما يجب عليّ؟ فقال له: يا أعرابي، أشكلت عليّ في قضيتك. فدلهّ على عمر، ودلَّه عمر على عبد الرحمن بن عوف. فلما عجزوا قالوا: عليك بالأصلع. فقال أمير المؤمنين: سل أي الغلامين شئت. (وأشار إلى الحسن والحسين (عليهما السلام)). فقال الحسن: يا أعرابي، ألك إبل ؟ قال: نعم. قال: فاعمد إلي عدد ما أكلت من البيض نوقاً، فاضربهن بالفحول، فما فصل منها فأهده إلى بيت الله العتيق الذي حجبت إليه. فقال أمير المؤمنين: إن من النوق السلوب. ومنها ما يزلق([5]). فقال: إن يكن من النوق السلوب وما يزلق، فإن من البيض ما يمرق([6]). قال: فسمع صوت: أيها الناس، إن الذي فهًّم هذا الغلام هو الذي فهًّمها سليمان بن داود([7]).

وثمة قضية أخرى، وهي قضية ذلك الذي أقرّ على نفسه بالقتل، حينما رأى: أن بريئاً سيقتل، فحكم عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعدم وجوب القَود، فإنه إن كان قتل فعلاً، فقد أحيا نفساً، ومن أحيا نفساً، فلا قَوَد عليه. قال ابن شهرآشوب: “وفي الكافي والتهذيب: أبو جعفر: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سأل فتوى ذلك الحسن، فقال: يطلق كلاهما، والدية من بيت المال. قال: ولم؟ قال: لقوله: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً “([8]). وهناك أيضاً أسئلة الإمام (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام) عن السداد، والشرف، والمروّة، وغير ذلك من صفات.. فأجاب عنها، فلتراجع([9]).

وأيضاً.. فهناك أسئلة ذلك الرجل عن الناس، أشباه الناس، وعن النسناس، فأحاله الإمام على ولده الإمام الحسن (عليه السلام): فأجابه عنها([10]). وسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولده الإمام الحسن (عليه السلام): كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع. قال: كيف ذلك؟ قال: الإيمان كل ما سمعته أذناك الخ([11]).. وجاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فسأله عن الرجل، إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى، وعن الرجل كيف يشبه الأعمام والأخوال.. واعتبر السائل أن إجابته على ذلك تعني: أن الذين غصبوا حقه ليسوا بمؤمنين، وإن لم يُجب فهو وإياهم شَرَع سواء. وكان هو، والحسن (عليهما السلام)، وسلمان رحمه الله في المسجد الحرام، فأحاله على الإمام الحسن، فأجابه بما أقنعه. ثم أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه الخضر([12]). وأرسل معاوية إلى أمير المؤمنين يسأله: كم بين الحق والباطل؟ وعن قوس قزح، وما المؤنث؟ وعن عشرة أشياء بعضها أشد من بعض، فأحال ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) على الإمام الحسن (عليه السلام)، فأجابه عنها([13]). وأرسل قيصر يسأل معاوية عن بعض المسائل، فلم يعلم جوابها، فأحالها إلى الإمام الحسن (عليه السلام)([14]).

بل إننا نجد النبي (صلى الله عليه وآله) نفسه يرجع السؤال إلى الإمام الحسن (عليه السلام)، ليجيب عليه.. كما ورد في بعض النصوص([15]). ويطلب الإمام علي (عليه السلام) منه: أن يكتب لعبد الله بن جندب، فكتب إليه: “إن محمداً كان أمين الله في أرضه، فلما أن قبض محمداً كنا أهل بيته، فنحن أمناء الله في أرضه، عندنا علم البلايا والمنايا، وأنساب العرب، ومولد الإسلام. وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان، وبحقيقة النفاق”. ثم يذكر (عليه السلام) ما لأهل البيت من الفضل العظيم.. ويقول: ” نحن أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء (ونحن خلفاء الأرض خ ل) “. ثم يذكر منزلتهم، ولزوم ولاية أمير المؤمنين.. وهي رسالة هامة لا بأس براجعتها في مصادرها([16]).

الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام) ، السيد جعفر مرتضى العاملي

([1]) راجع قاموس الرجال ج 2 ص 239 / 240.
([2]) راجع: كتاب الصحيح من سيرة النبي ج 1، الطبعة الثانية.
([3]) راجع: الغدير ج 1 ص 198 عن ابن عقدة ومروج الذهب ج 2 ص 431 و 432 والمناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11 و 12 وينابيع المودة ص 482.
([4]) راجع: الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير..
([5]) راجع: الغدير ج 1 ودلائل الصدق ج 3 وغير ذلك كثير..
([6]) راجع مكاتيب الرسول ج 1 ص 59 حتى ص 89 فقد أسهب القول حول هذه الكتب واستشهادات الأئمة بها، وغير ذلك. ومن الطريف في الأمر: أننا وجدنا العباسيين يحاولون أن يدَّعوا: أن عندهم صحيفة الدولة، ولكنها تنتهي إلى محمد بن الحنفية، ثم إلى علي (عليه السلام). وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا: الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام).. بل لقد حاول الأمويون أن يدَّعوا مثل ذلك أيضاً راجع: محاضرات الراغب ج 2 ص 343.
([7]) الناقة السلوب: التي مات ولدها، أو ألقته لغير تمام، وأزلقت الفرس: أجهضت، أي ألقت ولدها قبل تمامه..
([8]) مرقت البيضة: فسدت.
([9]) المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 354 / 355 و 335 عنه وعن العدد، وحياة الحسن (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 86 / 87. وقد ذكر القضية لكن بدون إحالة السؤال على الإمام الحسن كل من: ذخائر العقبى ص 82 وإحقاق الحق ج 8 ص 207 وفرائد السمطين ج 1 ص 342 / 343 والغدير ج 6 ص 43 عن بعض من تقدم، وعن كفاية الشنقيطي ص 57 والرياض النضرة ج 2 ص 50 و 194 وفي هامش ترجمة أمير المؤمنين لابن عساكر ج 49 ص 83، أو 498 ترجمة محمد بن الزبير.
([10]) المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 11. والآية في سورة المائدة آية 34.
([11]) راجع: نور الأبصار ص 121 وتهذيب تاريخ دمشق ج 4 ص 220 / 221 وحلية الأولياء ج 2 ص 36 والبداية والنهاية ج 8 ص 39 وحياة الحسن (عليه السلام) للقرشي ج 1 ص 138 – 140 وكشف الغمة ج 2 ص 194 / 195، والفصول المهمة للمالكي 144 ومعاني الأخبار ص 243 و 245 وتحف العقول ص 158 / 159 وعن شرح النهج للمعتزلي ج 4 ص 250 وعن البحار ج 17 وعن إرشاد القلوب للديلمي ج 1 ص 116 وعن مطالب السؤل.
([12]) تفسير فرات ص 8 وعن البحار ج 7 ص 150 ط عبد الرحيم.
([13]) العقد الفريد ج 6 ص 268 وليراجع البحار ج 43 ص 357.
([14]) إثبات الوصية ص 157، 158، والأحمدي عن البحار ج 14 ط كمباني ص 396 والاحتجاج مرسلاً مثله، وعن المحاسن، وعلي بن إبراهيم.
([15]) البحار ج 43 ص 325 وعيون أخبار الرضا ج 1 ص 66 وتحف العقول ص 160 – 162. ونقل عن المعتزلي ج 10 ص 129 – 131، والظاهر أن ثمة اشتباهاً في الأرقام.
([16]) راجع: ربيع الأبرار ج 1 ص 722.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل