Search
Close this search box.

مرحلة ما بعد الولادة

مرحلة ما بعد الولادة

في حول الأسرة /

وهي المرحلة التالية لمرحلة الحمل مباشرة ، وتعتبر أول محيط اجتماعي يحيط بالطفل ، لأنها الأساس في البناء الجسدي والعقلي والاجتماعي للطفل ، ولها تأثيرها الحاسم في تكوين التوازن الانفعالي والنضوج العاطفي ، ولذلك ركز المنهج الاسلامي على إبداء عناية خاصة بالطفل في هذه المرحلة ، متمثلة بالقيام بالاعمال التالية :
أولا : مراسيم الولادة :

تبدأ مراسيم الولادة منذ اليوم الأول إلى اليوم السابع من الولادة للحفاظ على صحة الطفل الجسدية والنفسية معا ، فأول عمل يقوم به الوالدان هو إسماع الطفل اسم الله تعالى ، فعن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قال : ” قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى بأذان الصلاة ، وليقم في اليسرى فإنها عصمة من الشيطان الرجيم ” ( 1 ) .

ولأهمية الأذان والإقامة في أذن الطفل أوصى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ضمن وصايا عديدة : ” يا علي إذا ولد لك غلام أو جارية ، فأذن في أذنه اليمنى وأقم في اليسرى فإنه لا يضره الشيطان ابدا ” ( 2 ) .

والعصمة من الشيطان هي تحصين للطفل من الانحراف بتقوية الإرادة ، وهذه الوصايا وان لم يبحثها علماء النفس وعلماء التربية المعاصرين ، ولكنها من الحقائق التي أثبتتها التجارب المتكررة لمن طبقها في منهجه التربوي ، مع مراعاة الوصايا الأخرى في جميع مراحل الطفولة .

ويستحب تسمية الوليد بأحسن الأسماء ولا أحسن من اسم محمد وهو اسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ” لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا فإذا مضى لنا سبعة أيام فان شئنا غيرنا وان شئنا تركنا ” ( 3 ) .

وأكد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على هذه التسمية بقوله : ” من ولد له أربعة أولاد لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني ” ( 4 ) .

وكان الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) يحثون المسلمين على تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء التالية : ( عبد الرحمن – وباقي أسماء العبودية لله ولصفاته – محمد ، أحمد ، علي ، الحسن ، الحسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) ( 5 ) .

ولم يشجعوا على الأسماء التالية : ( الحكم ، حكيم ، خالد ، مالك ، حارث ) ( 6 ) .

والأسماء الحسنة تحصن الطفل من السخرية والاستهزاء من قبل الآخرين ، فلا تكون سببا للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة .

ومن مراسيم الولادة العقيقة وهي ذبح شاة في المناسبة ، وحلق رأس الطفل كما جاء في قول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ” عق عنه واحلق رأسه يوم السابع ، وتصدق بوزن شعره فضة ” ( 7 ) .

والعقيقة التي هي مصداق للصدقة تمنع من البلاء وتقي الطفل من المخاطر ، ولعل فيها آثار نفسية حسنة للطفل حينما يترعرع ويفهم ان والديه قد اعتنوا به في ولادته ، وهي ذكرى حسنة عند من وصلته تلك العقيقة أو بعضها .

ومن مراسيم الولادة الختان ، قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) : ” اختنوا أولادكم لسبعة أيام فإنه أطهر وأسرع لنبات اللحم . . . ” ( 8 ) .
ثانيا : التركيز على حليب الام

الحليب هو المصدر الأساسي والوحيد لتغذية الطفل في الأشهر الأولى من حياته ، وأفضل الحليب حليب الأم لأن عملية الرضاعة لها تأثيرها على الجانب العاطفي للطفل ، والام أفضل من تمنحه الحنان والدفئ العاطفي بدافع غريزة الأمومة التي أودعها الله تعالى في المرأة ، حيث ( تصب ركائز مشاعر الطفل وأحاسيسه من أولى أيام الرضاع ) ( 9 ) .

وتتوثق أواصر المحبة بين الطفل وأمه عن طريق الرضاعة ، فيكون الطفل أقل توترا وأهنأ بالا وأسعد حالا ( 10 ) .

وجاءت روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) ووصاياهم مؤكدة على التركيز على حليب الأم ، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : ” ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه ” ( 11 ) .

فحليب الأم أفضل غذاء للطفل من الناحية العلمية إضافة إلى أن عملية الرضاعة يشعر الطفل من خلالها بالأمان والطمأنينة والرعاية ، وفي الحالات الاستثنائية التي تعيق عملية الرضاعة بسبب قلة حليب الام أو مرضها أو فقدانها بطلاق أو موت ، أكد أهل البيت ( عليهم السلام ) على اختيار المرضعة المناسبة والملائمة ضمن مواصفات معينة ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ” انظروا من ترضع أولادكم فان الولد يشب عليه ” ( 12 ) .

فالحليب ونوعية المرضعة يؤثر على الطفل من ناحية نموه الجسدي والنفسي . وقد أثبتت التجارب صحة تعاليم أهل البيت في هذا المجال .

وهنالك مواصفات عند المرضعة حبذها أهل البيت ( عليهم السلام ) في الاختيار .

قال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ” استرضع لولدك بلبن الحسان ، وإياك والقباح فان اللبن قد يعدي ” ( 13 ) .

وقال : ” عليكم بالوضاء من الظؤرة فان اللبن يعدي ” ( 14 ) .

وجاء النهي عن استرضاع الطفل عند بعض المرضعات ، فنهى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) عن الاسترضاع عند المجوسية ، فعن عبد الله بن هلال قال : سألته عن مظائرة المجوسي ، فقال : ” لا ، ولكن أهل الكتاب ” ( 15 ) .

وجعل الاسترضاع من الكتابيات مشروطا بمنعهن من شرب الخمر :

فقال ( عليه السلام ) : ” إذا أرضعن لكم فامنعوهن من شرب الخمر ” ( 16 ) .

وعن علي بن جعفر عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) قال : سألته عن الرجل المسلم ، هل يصلح له أن يسترضع اليهودية والنصرانية وهن يشربن الخمر ؟ قال : ” امنعوهن من شرب الخمر ، ما أرضعن لكم ” ( 17 ) .

ونهى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) من الاسترضاع من المرأة الزانية والتي تكون لبنها بسبب الزنا فقال : ” لا تسترضعها ولا ابنتها ” ( 18 ) .

وقال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ” لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من لبن ولد الزنا ” ( 19 ) .

والحكمة في النهي هو تأثير اللبن على طباع الطفل ، فالمرأة الزانية تعيش حالة القلق والاضطراب النفسي والشعور بالاثم والخطيئة من أول يوم انعقاد الجنين ، وتبقى على هذه الحالة في جميع فترات الحمل وفي أثناء الولادة ، وهذا القلق والاضطراب يؤثر في التوازن الانفعالي للطفل .

وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوقاية من لبن البغية والمجنونة فقال : ” توقوا على أولادكم من لبن البغية والمجنونة فان اللبن يعدي ” ( 20 ) .

وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشب عليه ” ( 21 ) .

وقال الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) : ” إن عليا كان يقول : لا تسترضعوا الحمقاء ، فان اللبن يغلب الطباع ” ( 22 ) .

ويؤكد علماء الطب على أن تكون الام مستريحة وهي تقوم بعملية الرضاعة ثم تمس برفق وجنة الطفل ، ويجب ألا تحاول الام إرغامه على توجيه رأسه نحو ثديها لأن ذلك يربكه ويحيره ( 23 ) .

ووضع أهل البيت ( عليهم السلام ) برنامجا في أسلوب الرضاعة ومدتها ، وهو الرضاع من جهتين وإطالة مدتها إلى واحد وعشرين شهرا ، قال الإمام جعفر الصادق لأم إسحاق بنت سليمان : ” يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا ” ( 24 ) .

وقال ( عليه السلام ) : ” الرضاع واحد وعشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبي ” ( 25 ) .

فطول مدة الرضاعة له تأثير ايجابي على الوضع النفسي والعاطفي للطفل ، وهي أهم المراحل في البناء العاطفي للطفل حيث تحتضن الأم طفلها وتضمه إلى صدرها ، فيشعر بالحنان المتواصل والدفئ العاطفي ، وفي هذا الصدد تقول عالمة النفس لويز كابلان : ( إن الطفل الذي ينعم بحنان أمه المتدفق خلال العام الأول والثاني من عمره يشعر بالأمان ، وعادة لا يشعر بالقلق أو الخوف فيتصرف بتلقائية عندما يبلغ سن الثالثة أو الرابعة ، والطفل الذي يشعر بالطمأنينة يتمتع بالثقة بالنفس ويتعامل مع الآخرين بسهولة ويندمج مع الأطفال في مثل عمره ) ( 26 ) . ومناغاة الطفل في هذه المرحلة ضرورية للطفل تؤثر على نموه اللغوي ونموه العاطفي في المستقبل ، فكانت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تناغي الحسن ( عليه السلام ) وتقول :

أشبه أباك يا حسن * واخلع عن الحق الرسن

واعبد إلها ذا منن * ولا توال ذا الإحن

وكانت تناغي الحسين ( عليه السلام ) :

أنت شبيه بأبي * لست شبيها بعلي ( 27 )

وأكد أهل البيت ( عليهم السلام ) كما تقدم على إقامة علاقات المودة والحب بين الوالدين ، وتجنب المشاكل التي تؤثر على الصحة النفسية لكليهما وللأم على وجه الخصوص ، لانعكاس انفعالاتها المتشنجة واضطرابها النفسي على الطفل في مرحلة الرضاعة . وفي هذه المرحلة أوصى أهل البيت ( عليهم السلام ) بالاهتمام بغذاء الأم المصدر ، الأساسي لتكوين الحليب من حيث الكمية والنوعية ، وكان التركيز على التمر في إطعام الأم لتأثيره على الرضيع ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” ليكن أول ما تأكل النفساء الرطب . . ” قيل : يا رسول الله فإن لم يكن أوان الرطب ؟ قال : ” سبع تمرات من تمر المدينة ، فإن لم يكن فسبع تمرات من تمر أمصاركم ” ( 28 ) .

وأوصى الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) بأكل أحد أنواع التمر وهو البرني فقال : ” اطعموا البرني نساءكم في نفاسهن تحلم أولادكم ” ( 29 ) .

وفي رواية عنه ( عليه السلام ) : ” اطعموا نساءكم التمر البرني في نفاسهن تجملوا أولادكم ” ( 30 ) .

ووضع أهل البيت ( عليهم السلام ) لائحة بالمواد الغذائية المهمة في النمو والصحة ( 31 ) .

فخبز الشعير وقاية من الأمراض ، وسويق الحنطة ينبت اللحم ويشد العظم ويسهل الهضم ، وسويق العدس يسكن هيجان الدم ويقلل من حرارة الجسم ، واللحوم وخصوصا لحم الدراج يقلل من الغضب ، والهريسة تنشط الجسم وتمنحه الحيوية ، والزيتون يطرد الرياح ، والعنب يقلل الغضب ، والسفرجل يقوي القلب والخس يصفي الدم ، كما أكدوا على العسل والبيض واللبن وسائر أنواع الفواكه . وتنتقل فوائد هذه المواد الغذائية من الأم إلى الطفل عن طريق الحليب المتكون منها .

وخلاصة القول يجب الاهتمام بالاسترضاع من حليب الام ، فإذا تعذر فيجب اختيار المرضعة المؤمنة السالمة من الأمراض الجسدية والنفسية ، وإذا تعذر فتسترضع غير المؤمنة بشرط منعها من شرب الخمر وكل ما يضر بصحة الطفل ، والاهتمام بالصحة النفسية للأم والاهتمام بصحتها الجسدية ، واشباع حاجتها إلى الطعام الضروري في انتاج الحليب النقي والغني بالمواد الغذائية الضرورية لينعكس ذلك ايجابيا على صحة الطفل النفسية والجسدية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) الكافي 6 : 24 / 6 باب ما يفعل بالمولود .
( 2 ) تحف العقول : 17 .
( 3 ) الكافي 6 : 18 / 4 باب الأسماء والكنى .
( 4 ) الكافي 6 : 19 / 6 باب الأسماء والكنى .
( 5 ) الكافي 6 : 19 باب الأسماء والكنى .
( 6 ) الكافي 6 : 21 باب الأسماء والكنى .
( 7 ) الكافي 6 : 27 / 1 باب انه يعق يوم السابع للمولود .
( 8 ) الكافي 6 : 34 / 1 باب التطهير .
( 9 ) الطفل بين الوراثة والتربية ، لمحمد تقي الفلسفي 2 : 82 عن كتاب عقدة الحقارة 9 .
( 10 ) قاموس الطفل الطبي : 11 – 16 .
( 11 ) الكافي 6 : 40 / 1 باب الرضاع .
( 12 ) الكافي 6 : 44 / 1 من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 13 ) الكافي 6 : 44 / 12 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 14 ) الكافي 6 : 44 / 13 باب من يكره لبنه ومن لا يكره . الوضاءة : الحسن والنظافة .
( 15 ) الكافي 6 : 42 / 2 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 16 ) الكافي 6 : 42 / 3 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 17 ) وسائل الشيعة 21 : 465 / 7 باب 76 من كتاب النكاح .
( 18 ) الكافي 6 : 42 / 1 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 19 ) الكافي 6 : 42 / 5 باب من يكره لبنه ومن لا يكره .
( 20 ) مكارم الأخلاق : 223 .
( 21 ) مكارم الأخلاق : 237 .
( 22 ) مكارم الأخلاق : 237 .
( 23 ) قاموس الطفل الطبي : 33 .
( 24 ) الكافي 6 : 40 / 2 باب الرضاع .
( 25 ) الكافي 6 : 40 / 3 باب الرضاع .
( 26 ) قاموس الطفل الطبي : 257 .
( 27 ) بحار الأنوار 43 : 286 .
( 28 ) الكافي 6 : 22 / 4 باب ما يستحب ان تطعم الحبلى .
( 29 ) الكافي 6 : 22 / 5 ما يستحب ان تطعم الحبلى .
( 30 ) مكارم الأخلاق : 169 .
( 31 ) الكافي 6 : 305 وما بعدها .

للمشاركة:

روابط ذات صلة

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل