يخوض المجاهدون حرباً قاسية ضد عدو مجهز بأشد أسلحة الدمار فتكاً، ومدعوم من قبل كل دول العالم المستكبرة، وهو قد حقق بجيشه القليل عددا نسبة إلى العرب المجاورين انتصارات ساحقة عليهم وفي فترة وجيزة جداً.
فهل يتمكن مجاهدونا الأعزاء من الوقوف أمام هذه القوة وتدميرها؟
عندما تكون الحرب دائرة بين قوى الحق والباطل لا بد من استحضار كل متعلقات المتحاربين وما يمت إليهم بصلة، حتى إذا أردنا أن نضع ميزاناً للقوى لم نغفل شيئاً. فالذي يقلل من قدرة عدوه جاهل مذهول، والذي لا يرى حقيقة قوته غافل مغبون… واستحضار القوة الذاتية من أشد ضروريات المعركة، وخاصة تلك المعركة التي تمس الوجود من أساسه والهوية بحقيقتها. فما هي عناصر قوة المجاهدين وما هي الشروط التي ينبغي أن يأخذوا بها حتى يتحقق لهم النصر على عدوهم؟ ثم ما هي نقاط الضعف التي يجب التخلص منها لأجل تسريع حركة الجهاد والمقاومة؟
* النصر من عند الله
ينطلق المؤمن من هذا الأصل التوحيدي الذي يقول بأن كل ما في الوجود هو بيد الله. وإن جميع الأفعال في هذا العالم ترجع إلى الله، ولا يجري شيء إلا بإذنه. وهذا الأصل الاعتقادي ينطبق على كل شؤون الحياة وفعالياتها، ومن أهمها وأخطرها ما يواجهه الصالحون من قبل الظالمين من تنكيل وظلم وعدوان، فهل أن ما يجري على المؤمنين خارج عن علم الله- والعياذ بالله؟ وهل أن ما يفعله المستكبرون فوق إرادة الحق سبحانه؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. فكل شيء يحدث لا يخرج عن حكمة الله وإرادته.
وصحيح أن نسبة أفعال الظالمين إلى الله أمر فادح واشتباه كبير، وهو قول الأشاعرة. ولكن من جانب آخر لا يُغْلَب الله في حكمته، وكل ما يجري إنما هو لصالح العباد المؤمنين إن هم أحسنوا البلاء واستفادوا من الابتلاء. وعلى هذا فإن النصر والهزيمة والفقر والغنى وغيرها من أمور الدنيا الظاهرة كلها من تقدير الله لعباده لإصلاحهم وهدايتهم. فلعل قوماً لا يصلحهم إلا النصر، ورب قوم آخرين لا تنفعهم إلا الهزيمة. ولكن كل ذلك بما كسبت أيديهم، فلا تسقطن في شبهة من قالوا بالتعطيل. إذا أردنا أن نضع هذه الظواهر المادية المذكورة في سلم التقدير الإلهي العام، فإننا نقول بأن الله تعالى يهيىء لعباده كل ظروف الهداية المعنوية الحقيقية، بحيث أن أي إنسان (وكل أمة أيضاً) لا يحتج على الله أبداً، بل الحجة لله على الناس أجمعين، ولا يعترض أحد قائلاً: رب لماذا لم تهدن إلى سواء السبيل! وهذا هو الإطار العام والمسار الكلي الذي يحكم كل ظواهر الوجود، وما يجري فيه فإنما يكون تابعاً للقاعدة العامة التي ذكرناها. والإنسان بنفسه هو الذي يقلّب تلك الظروف فيصبح غنياً بعمله وفقيراً أيضاً. وبتعبير آخر قد يسوق المرء حياته إلى حيث لا ينفعه إلا الفقر أو على عكس ذلك. ومن هنا ننطلق لنفهم التاريخ ونغيّر الحاضر، وعلى أساس هذه الرؤية ندرك معاني الآيات الإلهية: ﴿إن ينصركم الله فلا غالب لكم﴾ ﴿وما النصر إلا من عند الله العزيز الحميد﴾ ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً﴾.
قد تكون الهزائم المرحلية عوامل تربوية ضرورية، كما جرى على المسلمين في معركة أحد. فبالرغم من الخسارات الفادحة التي حلت بهم عرفوا أهمية إطاعة أوامر القيادة، ورجعوا إلى أنفسهم فرأوا خطورة حب الدنيا وأثره السلبي عليهم. ولكن من الذي يتوق إلى الهزيمة ويرفض النصر! لا شك أن النصر مطلب أساسي في المعركة والمواجهة، وخاصة أنه يرتبط بإعلاء كلمة الله وتحطيم أركان الشرك. ولكن المهم أيضاً وبالدرجة الأولى أن لا يتحول النصر بحد ذاته إلى غاية وهدف لأنه نوع من طلب الاستعلاء ورؤية النفس. ومن يربط النصر بالدين والفوز بإعلاء كلمة الإسلام يعرف كيف ينظر إلى كل ما يجري عليه من النصر والهزيمة والتقدم والتراجع، ويوظف كل هذه العوامل لتحقيق التقدم المعنوي وبسط الأهداف الإلهية.
* فالمبدأ الأول أن يطلب النصر للدين والحق
ماذا نقصد من هذا الكلام؟
نقصد منه أن نصر الدين وتحقيق الأهداف الإلهية قد يتطلب منا في بعض الأحيان أن نقدم التضحيات الكثيرة الغالية، وأن نتقدم إلى مذبح الشهادة واحداً تلو الآخر. أليس هذا ما نتعلمه من كربلاء؟! فلو كان حفظ النفس أو تحقيق الانتصار الظاهري هو المطلوب لقلنا بأن سيد الشهداء كان من أشد المنهزمين!! فلماذا نقول بأنه عليه السلام انتصر، ولماذا نقول أن عاشوراء هي يوم انتصار الدم على السيف؟! أليس لأن الإمام الحسين عليه السلام قد حفظ الإسلام بثورته، وصان الدين بشهادته، وفاز بالرضوان الأكبر بعبوديته.
* عوامل النصر
والآن، على ضوء ما تقدم، يمكن فهم حركة عوامل النصر الظاهرية والغيبية ويمكن معرفة أسباب عدم تحققه أيضاً في بعض الظروف. ولنلخص هذه الشروط في النقاط التالية:
1- النصر من عند الله:
في الحركة الإيمانية التي يقودها المؤمنون وتكون الأهداف والتوجهات إلهية، يضاف عامل مهم جداً يحذف الشروط المادية التي تحكم صراع القوى. وبتعبير آخر عندما يكون الصراع دائراً بين قوى الكفر أو الشرك تتحكم العوامل المادية بالنتيجة. فالمؤمن يعتقد بأن النصر من عند الله بمقتضى التوحيد الخالص. وهذه قاعدة كلما استحكمت في قلوب المجاهدين جعلت النصر قريباً واقعياً. وعندئذ فإن ﴿لله جنود السموات والأرض﴾ وبيده مقاليد كل شيء، وهو أحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين ومبيد الظالمين. لا تقف أمامه أية قوة مهما عظمت. ومن هذا العامل يمكن تعلم درس بليغ، وهو أن من أهداف الابتلاءات الإلهية وتسليط الكفار على المؤمنين أن يصلوا إلى هذا الاعتقاد ويؤمنوا به في قلوبهم.
2– القتال تحت راية الحق:
فلا يكفي أن يكون المؤمن مجاهداً محارباً لأعداء الله والإسلام، بل هناك شرط أساسي، وهو وجود القيادة الإلهية الرشيدة التي تعطي للمعركة شرعيتها الحقيقية وتوجه كل الطاقات نحو الخير والصلاح، وترسم السياسات الملازمة للشرع الأنور. ففقدان هذه القيادة يعد ضربة قاصمة لشروط النصر. وقد روي أن حبراً عبد الله تعالى حتى صار مثل الخلال فأوحى الله إلى نبي ذلك الزمان أن: “قل له وعزتي وجلالي وجبروتي لو أنك عبدتني حتى تذوب كما تذوب الآلية في القدر ما قبلت منك حتى تأتني من الباب الذي أمرتك”.
3- التفاف الأمة حول القيادة:
ومسألة أخرى تلعب دوراً مهماً في تحقق النصر وهو أن تكون الأمة ملتفة حول القيادة الإلهية تؤدي تكليفها بالبيعة للإمام والقتال تحت رايته. ويختلف هذا الشرط عن سابقه فالأمة (في الشرط السابق) قد تكون حاضرة بجميع فئاتها في المعركة، ولكن هذا الحضور قد يكون تحت راية ضلالة. أما في الشرط الثاني فإن الحضور هو المطروح. وهنا مسائل ضرورية لا بد من ذكرها: وجود فئة قليلة: قد يطرح هذا التساؤل وهو أن الكلام المذكور سابقاً يعني أن الفئة القليلة لا يمكن أن تنتصر على أعدائها وهذا مخالف للآية الشريفة: ﴿كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله﴾.
قد يكون انتصار الفئة القليلة لمصلحة المجتمع الإنساني وانتشال الناس من مستنقع الجهل والخرافة، وبعث الطاقات الكامنة. والجواب أن هذا الشرط ليس عاملاً حتمياً لتحقق النصر والغلبة، فهو تابع للمقدمة المذكورة في البحث. فالنصر وبسط السلطة ليس له إلا بعد اجتماعي واحد، وإن كان يؤثر على الأفراد. ولكن الانتصار الذي يعني إقامة الحكم يرتبط بالمجتمع. وهنا إذا لم يكن المجتمع مستعداً لتقبل الحكم الصالح، فإن انتصار الفئة القليلة ربما لا يكون له أي معنى، وقد تنقلب الأهداف التي انطلق من أجلها هؤلاء ويسيء الناس فهم الحقائق والمنطلقات ويعيثون فساداً أكثر من السابق (وبالطبع كل هذا بسبب سوء الاستعدادات في المجتمع بشكل عام). بل تصبح الحكومة وبالاً على الفئة القليلة المنتصرة، لأن كل ما تريد أن تطبقه لن يتحقق إلا بالقوة والجبر، وهذا ما ينافي الأهداف التربوية لإقامة الحكومة. وفي المقابل قد يكون انتصار الفئة القليلة لمصلحة المجتمع الإنساني وانتشال الناس من مستنقع الجهل والخرافة، وبعث الطاقات الكامنة.
فالحاكم إذن هو تطبيق الأهداف الإلهية، ولا ضير يلحق بالفئة القليلة إن هي بقيت على إيمانها، وقد تكون شهادتها ومقتل جميع أفرادها للمصلحة المذكورة. وهذا ما نستفيده بوضوح من كربلاء وثورة الإمام الحسين عليه السلام، وهذا ما نستفيده أيضاً من رفض الإمام الصادق عليه السلام للخلافة أو رفض الإمام الرضا عليه السلام لولاية العهد. ففي وضع الإمام الحسين عليه السلام، وصلت الأمة إلى الحالة التي لم يعد ينفع معها إلا حدوث واقعة مفجعة تهز الأعماق وتوقظ النفوس وتلقي الحجة على جميع المسلمين، وفي حالة الإمام الصادق عليه السلام كانت القضية ستتحول إلى عكس ما يطلبه الإمام، لأن الأرضية الاجتماعية لم تفرز من الكوادر والقادة العدد الذي يحتاجه الإمام لإقامة الحكومة الإلهية العادلة. وبالتالي، فإن الإمام كان سيقف مكتوف اليدين، أو يقوم بكل شيء بنفسه، وهذا ما ينافي الحكمة الإلهية من وجود الإمام. وبالالتفات إلى ما ذكر حول شروط النصر، نعلم أن ما يجري علينا وما يحدث في أرجاء العالم يتأثر بصورة مباشرة بحركتنا نحو الإسلام والأهداف الإلهية. ونعلم أيضاً أن صلاح الذات يعد من أهم عوامل النصر: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾.
لقد أعطى شعبنا المجاهد الملتزم المساعدات القيّمة بكل سماحة في الجبهات وخلف الجبهات طوال أيام الثورة والحرب المفروضة، إن من أركان الانتصار حضور الشعب في جميع الحقول وخصوصاً ساحة الحرب، والحق أن يقال: إن لهذا الشعب قدراً عظيماً عند الله تعالى. ومن أجل المحافظة على الإسلام والدولة الإسلامية آمل أن يزاد من حجم المساعدة، وهذا ما يحصل والحمد لله.
الإمام الخميني قدس سره.
المعركة