Search
Close this search box.

إيّاكم وظلمَ العباد

إيّاكم وظلمَ العباد

قالَ أميرُ المؤمنينَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ (عليه السلام): «أَلَا وإِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ، وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ، فَالشِّرْكُ بِاللَّه، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِه﴾[1]، وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَه عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ، وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً. الْقِصَاصُ هُنَاكَ شَدِيدٌ، لَيْسَ هُوَ جَرْحاً بِاْلمُدَى، ولَا ضَرْباً بِالسِّيَاطِ، ولَكِنَّه مَا يُسْتَصْغَرُ ذَلِكَ مَعَه»[2].

الظلمُ قبيحٌ بالفطرةِ الإنسانيّة، والعقلُ يدرِكُ قبحَه، وقدْ تكرَّرَ في آياتِ القرآنِ الكريمِ بيانُ قبحِ الظلم، والتحذيرُ منه، وذلكَ لأنَّه:

1. سببٌ للفشل، وعدمِ النجاح، وعدمِ تحقيقِ الإنسانِ لغاياتِه، قالَ تعالى في عاقبةِ الظلم: ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾[3].

2. سببٌ للضلالِ والابتعادِ عَنِ الحقِّ، وهذا موجبٌ للعذابِ في الآخرة، قالَ تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[4].

3. سببٌ للحرمانِ من أسبابِ المغفرةِ في الآخرة، قالَ تباركَ وتعالى: ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾[5].

ومِنَ الظلمِ ما يكونُ في حقوقِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومنها ما يكونُ في حقوقِ الناس.

أمّا في حقوقِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فإنّ الشركَ بِهِ لا يُغفَرُ بنصِّ الآيةِ الكريمة، وأمّا المعاصي فهي بيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيماً﴾[6].

وأمّا في حقوقِ الناس، فتَفترضُ طبيعةُ حياةِ الناسِ التعاملَ والتبادلَ في الحياةِ الاجتماعيّة، وهذا أمرٌ جعَلَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ ليصلَ كلُّ إنسانٍ إلى ما يريدُ، ولكنْ بالعدلِ والسَويَّةِ، لا بالظلمِ والعدوان، فعَنِ الإمامِ عليٍّ (عليه السلام): «ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَه مِنْ حُقُوقِه حُقُوقاً، افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، ويُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، ولَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ»[7].

ومِنْ أعظمِ الظلمِ الذي يقعُ فيه الناسُ هو أنْ يأكلَ بعضُهم حقَّ بعض، وقدْ وردَ التحذيرُ الشديدُ في الرواياتِ عَنِ التعدّي على حقوقِ الناس، ففي الروايةِ عَنِ النبيِّ (صلى الله عليه وآله): «إنَّهُ لَيَأتِيَ العَبدُ يَومَ القِيامَةِ وقد سَرَّتهُ حَسَناتُهُ، فَيَجِيءُ الرجُلُ فيقولُ: يا ربِّ، ظَلَمَني هَذا، فَيُؤخَذُ مِن حَسَناتِهِ، فَيُجعَلُ في حَسَناتِ الذي سَألَهُ، فما يَزالُ كذلكَ حتّى ما يَبقى لَهُ حَسَنةٌ، فإذا جاءَ مَنْ يَسألُهُ، نَظَرَ إلى سَيِّئاتِهِ فَجُعِلَت مَع سيّئاتِ الرَّجُلِ، فلا يَزالُ يُستَوفَى مِنهُ حتّى يَدخُلَ النارَ»[8].

ولِظلمِ الناسِ تبِعاتٌ في هذه الدنيا، ففي دعاءِ كُميلٍ نقرأ: «اللهمَّ، اغفِرْ لِيَ الذنوبَ التي تُغيِّرُ النِعَم»[9]، ووردَ عَنِ الإمامِ زينِ العابدينَ (عليه السلام) تفسيرُ الذنوبِ التي تُغيِّرُ النِعَمِ بظلمِ الناس، فعنه (عليه السلام): «الذُّنُوبُ اَلَّتِي تُغَيِّرُ اَلنِّعَمَ، اَلْبَغْيُ»، فبابُ حِفْظِ نعمةِ اللهِ الشكرُ عليها، بأداءِ حقِّها، وعدمِ الظلمِ فيها، فعَنْ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَلَبَهَا ظُلْمٌ»[10].

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين

[1] سورة النساء، الآيتان 48 و116.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص255، الخطبة 176.
[3] سورة الأنعام، الآية 21. سورة الأنعام، الآية 135. سورة يوسف، الآية 23. سورة القصص، الآية 37.
[4] سورة المائدة، الآية 51. سورة الأنعام، الآية 144. سورة القصص، الآية 50. سورة الأحقاف، الآية 10.
[5] سورة غافر، الآية 18.
[6] سورة الفتح، الآية 14.
[7] نهج البلاغة، ص333 الخطبة 216.
[8] الشيخ الري شهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1771.
[9] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، ج‏2، ص844.
[10] الليثيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص379.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل