Search
Close this search box.

الشـيخ البهجـة قدس سره: آخذٌ بيدك إلى الله(2)

الشـيخ البهجـة قدس سره: آخذٌ بيدك إلى الله(2)

سماحة السيد حسن نصر اللّه (حفظه الله)

نستكمل في الجزء الثاني من المقابلة التلفزيونيّة(*) لسماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) والتي تحدّث فيها عن آية الله العظمى الشيخ محمد تقي البهجة قدس سره.

* نعلم أنّ لسماحتكم اطّلاعاً واسعاً على المدارس العرفانية. بماذا تميّز منهاج الشيخ البهجة قدس سره عن غيره؟

كان سماحة الشيخ البهجة قدس سره يقول دائماً: قال الله تعالى.، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال أمير المؤمنين عليه السلام. يعني كانت أقواله دائماً تستند إلى كتاب الله، وإلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.

وهذا يعني أنّ كل ما كان يقوله هو من المدرسة الأصيلة الصافية النقيّة. ثمّ إنّ مدرسة السير والسلوك وعرفان سماحة الشيخ البهجة قدس سره هي مدرسة سهْلة الفهم ولكلّ الناس وليست للنخب أو الذين تتوفّر لهم فقط ظروف الدراسة الحوزويّة والعلميّة.

* كيف تصفون علاقة الشيخ البهجة قدس سره كـ”عارف” مع المجتمع وهو الذي لم ينعزل عن الناس؟

من الخصائص الممتازة في سماحة الشيخ قدس سره، أنّه لم يحتفظ بخلاصة عمره لنفسه، وإنّما شاركها مع الناس. فهو تكلّم مع الجميع: كان الصغير يسأله، والكبير، والعالم وغيرهم، وكان يجيبهم جميعاً بكل لطف وابتسامة، ومحبّة. وهذا يكشف مدى الحبّ والاحترام والأبوّة والاهتمام الذي كان في قلب سماحة الشيخ البهجة قدس سره تجاه هؤلاء الناس. فلا يملّ من إجابتهم عمّا يسألون رغم كبَر سنه ووضعه الصحيّ.

* ما هو توصيفكم لأهميّة العرفان والتوجّه للأمور المعنويّة بالنسبة إلى المقاومة في العالم العربيّ، وفي حزب الله على وجه الخصوص؟

حقيقةً لولا الجانب المعنويّ والمعرفيّ ما كانت لتقوم المقاومة في لبنان وتنتشر في المنطقة. إذا عدنا إلى سنة انطلاق المقاومة في لبنان سنة 1982 ميلاديّة، نجد أنّ القوات الإسرائيلية المحتلة احتلّت جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية، ووصلت إلى العاصمة بيروت. والمجتمع الدوليّ والعالم كلّه كان يدعم الكيان الإسرائيليّ. والدول العربية دول خاضعة وضعيفة في الأعمّ الأغلب.

لم يكن هناك أيّ أمل لإلحاق الهزيمة بإسرائيل في لبنان. بالإضافة إلى ذلك [كانت هناك] قوّات أمريكية ودولية وجزء من اللبنانيّين يتعاونون مع المحتل. وكان عدد المقاومين قليلاً جدّاً؛ أي بالمئات.

فكيف كان يمكن لهذه الفئة القليلة المستضعفة أن تلحق هزيمة بقوى جبّارة بهذا المستوى؟! لكن في تلك الأيام، كان لدى هؤلاء الشباب الذين حملوا السلاح وبقوا في ساحة المقاومة الدافع الإيمانيّ. واعتقادهم بأنّهم عندما يقاتلون العدوّ إنما يقومون بتكليفهم الشرعيّ وواجبهم الدينيّ. فهم كانوا في الحقيقة أهل آخرة وأهل الله. وما كانوا يطلبون شيئاً من حطام هذه الدنيا. كان الناس يقولون لهم: “أنتم مجانين! أنتم تريدون أن تهزموا إسرائيل؟!”. وكانوا يردّدون: “إنّ العين لا تقاوم المخرز”… بالحسابات الماديّة. كان ينبغي أن لا تقوم مقاومة في لبنان. ولكن أنا أذكر في الأسابيع الأولى عندما ذهبت المجموعة الأولى إلى سماحة الامام الخمينيّ قدس سره وسألته: “نحن ما هو تكليفنا؟ ظروفنا صعبة وعددنا قليل، وإمكانياتنا ضعيفة جدّاً، وعدونا كبير. ولكن نحن جاهزون لأن نعمل بتكليفنا أيّاً يكن”.

قال سماحة الإمام الخميني قدس سره: “تكليفكم أن تقاوموا، اتّكلوا على الله وثقوا بالله سبحانه وتعالى والله ناصركم، والنّصر معقود في جبينكم”. وقال: “أنتم مسؤولون عن أداء التكليف، قوموا بتكليفكم والنتيجة على الله. ولكن أنتم ستنتصرون”. فأصل البداية كان بهذه الخلفيّة الإيمانيّة المعنويّة وهي التي ما زالت موجودة وحاكمة.

* ما هو توصيفكم لأهمية العرفان والتوجّه إلى الأمور المعنوية بالنسبة إلى أهل العلم ورجال الدين؟

إنّ الضمانة الحقيقية لمن يريد أن يصبح عالماً كبيراً، أو يصبح قدرة سياسيّة أو عسكريّة أو اقتصاديّة. سواء أكان فرداً أم جماعات أم حكومة، الضمانة هي هذا الجانب الإيمانيّ والمعرفيّ والروحيّ والمعنويّ؛ لأنّه إذا لم نمدّ طالب العلم بالجانب المعنويّ نكون كمن يأتي بشاب ويدرّبه على استخدام السلاح ويجعل منه شخصاً قويّاً. ولكن لا يوجد لديه الحافز الإلهيّ، ولا الرادع الدينيّ، ثمّ يُطلقه بين الناس. هذا الشاب سيفتك بدماء الناس، بأموال الناس، وبأعراض الناس.

الطلبة هم أخطر من هذا المقاتل؛ لأنهم يفتكون بدين الناس إنْ لم يكن لديهم دين وتقوى، وورع ومعرفة تحجبهم عن ارتكاب المعاصي والأخطاء من هذا النوع.

وأظنّ أنّ إحياء النفوس هو أعظم كرامة كانت لسماحة الشيخ قدس سره.

* كيف تفسرون علاقة سماحة الشيخ البهجة قدس سره مع الإمام الحجّة صلوات الله عليه؟

أعتقد أنّه في تاريخ الغيبة الكبرى يحصل لدى بعض الكبار والعظماء من علمائنا والذين هم قطعاً من أهل الوثاقة والقداسة هذا النوع من التشرّف بلقاء صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهذا متواتر ومعروف ومهمّ جدّاً من أجل حماية معتقدات الشيعة الإمامية؛ لأنه مع تمادي الزمن سوف يأتي من يقول أين هو هذا الإمام الغائب الذي تنتظرونه؟ وسوف يُفتح باب التشكيك. وقد ذكرت الروايات الشريفة عن أئمتنا عليهم السلام قولهم إنّه سوف يأتي زمان يقال فيه عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: “مات أو هلك في أي وادٍ سلك”.

حسناً، الجانب العلميّ مهمّ. أقصد وجود أدلّة علميّة يستدلّ بها المحقّقون من علمائنا ويصلون إلى الاطمئنان وإلى العلم بوجود الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنّه ينتظر الإذن الإلهيّ للخروج والظهور وإقامة العدل في الأرض. لكن ممكن أن يتسلّل الشكّ إلى النفس البشرية عندما يُقال: ما من أحد رأى، وما من أحد التقى. فأنا أعتقد أنّ رؤية صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف مهمة جداً لحماية وحراسة هذه المعتقدات.

لقد سمعنا شيئاً من هذا الكلام في السنوات الأخيرة. إذ إنّ سماحة الشيخ قدس سره كان يعتبر أن هناك أمراً في ذمته ويريد أن يفي به. وأعتقد أنه ضروريّ جداً في كلّ زمان وفي كلّ جيل أن يرى أحد الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. ولذلك أنا أقبل هذا الذي يُنقل حيث ذكر في الآونة الأخيرة. قبل رحيل سماحة الشيخ البهجة قدس سره عن لقائه بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. وكان لذلك تأثير قويّ جدّاً في تثبيت عقائد المؤمنين والشيعة الذين بدأ يتسلّل إليهم التردّد والشكّ نتيجة التشكيكات الموجودة في هذه المسألة. في أكثر من مكان في هذه المسألة.

* راجت شائعة أن الشيخ البهجة قدس سره قد بشّر الكهول بإدراك الظهور المبارك للحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، هل سمعتم بذلك منه؟ وماذا كان رأيه؟

سماحة الشيخ البهجة قدس سره كان دائماً يعطينا الأمل لكن دون توقيت ودون تحديد. وهذه هي سيرة أهل البيت عليهم السلام. كان يقول: “إن شاء الله الفرج قريب، يجب أن ننتظر، يجب أن نعمل. لكن نحن لم نسمع منه في يوم من الأيام تحديداً زمنيّاً، حتّى تحديداً إجمالياً أبداً، بل إنّني عندما حدّثته أنّ بعض الناس يقول إنه “سمع منكم أنّ الظهور سيكون في عام كذا” تألّم كثيراً، وقال: “أستغفر الله، معاذ الله، وأيّ شخص ينقل عنّي أنّي أوقّت وأقول سنة كذا أو عام كذا، فهذا كذب! ولا تصدّقوا ذلك”.

* ما رأي سماحتكم بالكتاب الذي صدر مؤخّراً “كتاب الناصح” الذي يتحدّث عن الشيخ البهجة قدس سره؟

أعتقد أنّ كتاب الناصح كان مؤثّراً جدّاً. فكلّ من وصل إليه هذا الكتاب وقرأه تأثّر به، أوّلاً لجامعية الكتاب. وأيضاً لملاحته ولجمالية الفكر المجموع فيه وأيضاً لوثاقته. وأنا أعتقد أنّ وضع برنامج للتعريف بشخصيّة سماحة الشيخ البهجة قدس سره، وتوجيهاته، يعتبر من أهم الوسائل في تقديم النموذج القدوة للناس.

لمراجعة الجزء الأول

(*) في حوار مع سماحته (حفظه الله) تم عرضه على تلفزيون المنار، في تاريخ 3/4/2016م.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل