Search
Close this search box.

الآثار الأخرويـّة

الآثار الأخروية

وقبل الحديث عن آثار الذنوب الأخرويّة، لا بأس بالحديث عن الآخرة ويوم القيامة. وما أدراك ما يوم القيامة { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [المطففين: 6]. ويحشرون في ساحتها. وهو يوم عظيم مهول. بشّر الله فيه المؤمنين الصالحين بالأمن والأمان، وتوعّد الظالمين المجرمين سوء الحساب، يوم { يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا } [المزمل: 17]، { يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 1، 2].

لقد شدّد الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم على مسألة المعاد في عشرات السور القرآنيّة. حتّى قيل إنّ ثلث القرآن يرتبط بأحوال الآخرة وما بعدها.

نذكر بعضاً ممّا قاله في كتابه الكريم: { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115]، { قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ } [الواقعة: 49، 50].

وخلاصة الكلام أنّه بعد طيّ منازل الآخرة وعقباتها وصراطها. فإنّ المصير إمّا إلى الجنّة أو إلى النار. وبيد الإنسان تحديد المصير. { مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم: 44].

لقد أشار الله في القرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) إلى آثار كثيرة للكفر والعصيان والطغيان والذنوب في الآخرة، تحذيراً لنا من مغبّة الوقوع فيها. لعلّنا نرشد أو نعقل. فلا نكون من أصحاب السعير. سنقتصر على ذكر أهمّها:

1 ـ الافتضاح:

إنّ الله يستر برحمته على المذنب في الدنيا، لعلّه يتوب ويرجع إلى ربّه. ولكنّ الفضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وأمام الخلق أجمعين. سيّما أمام معارفه وأقربائه. ورد في مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام قال: “إلهي قد سترت عليّ ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الآخرة. إلهي قد أحسنت إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد…”(1).

يقول العلّامة المجلسي: “وفي قوله سبحانه: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } [غافر: 51] شاهد. وهم الذين يشهدون بالحقّ للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة. وفي ذلك سرور للمحقّ وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم…”(2).

ولذا ينبغي على العاقل أن يخاف هذا اليوم. وأن يخاف الفضيحة أمام الله عزّ وجلّ وأمام الأنبياء والأئمّة والأولياء عليهم السلام، وأمام الناس أجمعين. روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: “وأمّا علامة الموقف فستّة:

أيقن بالله حقّاً فآمن به.

وأيقن بأنّ الموت حقّ فحذره.

وأيقن بأنّ البعث حقّ فخاف الفضيحة.

وأيقن بأنّ الجنّة حقّ فاشتاق إليها.

وأيقن بأنّ النار حقّ فظهر سعيه للنجاة منها.

وأيقن بأنّ الحساب حقّ فحاسب نفسه”(3).

2 ـ المذلّة:

[قال تعالى]: { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ } [النحل: 27] بدءاً بأخذ أرواحهم: { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [محمد: 27] إلى الوقوف في المحشر أذلّاء، سكارى غارقين في الحياء، يتصبّب العرق من وجوههم. { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [عبس: 40]و { تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ } [عبس: 41]، { خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ } [المعارج: 44] إلى دخول النار: { ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } [الدخان: 49]. { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ } [فصلت: 16].

3 ـ الحسرة والندامة:

يتحسّر الظالم على الفترة والمهلة الّتي أعطيت له في الدنيا ولم يغتنمها. بل أعرض وتولّى وكذّب بآيات ربّه ورسله واليوم الآخر، وها هو اليوم أيقن به عين اليقين ولات حين مناص، فيقول: { يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } [الزمر: 56]. { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [الفرقان: 27 – 29].

4 ـ نسيان الله له:

{ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى } [طه: 126]، فلم تتذكّر أوامر الله ونواهيه، بل ونسيت وغفلت عن لقائه: { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [الجاثية: 34]

5 ـ عدم التشرّف بلقاء الله:

حيث إنّ الآيات والروايات تشير إلى تشرف المؤمن يوم القيامة بلقاء الله. ومحاسبة الله الرحيم بنفسه لعبده المؤمن، وأمّا غير المؤمنين من الكفّار والعاصين، فإنّ الله لا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ويوكل بهم ملائكة { غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم: 6].

ومن الآثار الأخرويّة أيضاً: غضب الله، اللعنة، سوء الحساب، طول الوقوف في المحشر، العذاب الأليم، تجسيم الأعمال، الحشر بصور قبيحة بشعة. دخول النار. الخلود في النار. مضافاً إلى صور ومشاهد وحالات العذاب في جهنّم الّتي يعجز عن وصفها الفكر البشريّ.

المحكمة الإلهيّة وشهود الآخرة:

هناك محاكم عديدة تحاكم الإنسان في الدنيا، بدءاً بمحكمة النفس أو الضمير. ثمّ محكمة القانون ومحكمة المجتمع، ومحكمة التاريخ، إلّا أنّ الإنسان الطاغية والداهية الماكر باستطاعته التملّص والتخلّص منها جميعاً، بأساليبه الخدّاعة والمال والرشوة وشراء الشهود وتزوير الوقائع وإخفاء الأدلّة وغير ذلك.

لكن يقدّم في الآخرة ليحاكم أمام الله سبحانه، في محكمة العدل الإلهيّ، حيث يكون القاضي والحاكم هو الله، والشهود كثر، والأدلّة حاضرة تجسّم الأعمال. والحاجة إلى الشهود والأدلّة والجواب عند إنكار الطغاة والعصاة، وأمّا المؤمن فلا يحتاج إلى ذلك؛ لأنّه يعترف أمام ربّه ويقرّ له، فيقول له ربّه: يا عبدي فعلت كذا. فيقول المؤمن: نعم يا ربّ. ويتكرّر منه الاعتراف حتّى يقول له الله قد غفرتها لك، وينقلب إلى أهله مسروراً.

وأمّا غير المؤمن فإنّ له سوء الحساب: { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا } [الكهف: 49].

خلاصة الدرس:

إنّ عالم البرزخ هو الحدّ الفاصل بين الدنيا والآخرة. وهو عالم فيه آثار لذنوبنا، منها:

 – ضغطة القبر وسوء العذاب فيه.

 – قرين السوء (العمل السيّئ).

 – الندم والحسرة.

 وإنّ عالم الآخرة هو يوم الحساب والميزان، وهول الموقف، وهو عالم أيضاً فيه آثار لذنوبنا، منها:

 – افتضاح ذنوب المذنبين بعد سترها في الدنيا.

 – المذلّة والحسرة.

 – ينساه الله بعدما نسي العبد ربّه في الدنيا.

 المصدر : في رحاب الأخلاق   ص 95 ـ 106 نون للتأليف والترجمة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

 (1) مقطع من المناجاة الشعبانيّة.

(2) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج7، ص162.

(3) تحف العقول، الحرّانيّ، ص18

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل