Search
Close this search box.

لماذا نعتبر الإمام الثامن إمام الرأفة / رواية عن جواد الأئمة(ع) حول لقب الرضا .

حوار مع الدكتور رجبي دواني

لقد أوصى الإمام موسى الكاظم عليه السلام قبل شهادته جميع أبنائه أن يتبعوا أمر أخيهم الإمام الرضا عليه السلام. لقد تجلت هذه التبعية و الإقتداء أكثر من أي شخص في سلوك و عمل السيدة المعصومة سلام الله عليها. إن معرفة خصائص و مزايا طريقة حياة الامام الرضا عليه السلام و طريقة تعامله و احتكاكه بأفراد أسرته و الأصدقاء و عامة الناس هي طريقة جيدة لنتمكن من جعله أسوة و قدوة لحياتنا و نتّبعه في فترات معينة من حياتنا. أي شيء أفضل من أن يكون ذلك التعريف مأخوذ من المصادر و المراجع المعتبرة في تاريخ الاسلام،كي لا تتعرض حقانية  تلك المواضيع و صحة التعاليم للشك و الترديد، و نستطيع ان نزيّن أنفسنا و عائلتنا بهذه الصفات فنكون من الأصحاب و المحبين و الشيعة الحقيقيين لهذا الامام الهمام و نطبق نمط الحياة الرضوية بأفضل طريقة ممكنة.

سنقوم بمناقشة كل هذه الهواجس في حوار مع  الأستاذ و الباحث في تاريخ الاسلام، الدكتور محمد حسين رجبي دواني لنتعرف و بشكل أفضل علي نمط حياة ذلك الإمام.

* نحن نعلم أنه ينبغي علينا البحث عن النموذج الكامل لنمط الحياة الدينية في منازل أهل البيت عليهم السلام. ما هي النقاط التي تذكرها لنا في هذا السياق، و بشكل عام الأخذ بعين الإعتبار نمط حياة الامام الرضا عليه السلا م؟

المثال الكامل لمدرسة التربية، نجده في بيت الامام علي عليه السلام و السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حيث انتقلت إلينا من خلال سلوك هؤلاء العظماء إلى أبنائهم و من جاء بعدهم. وفيما يخص الإمام الثامن عليه السلام، فإن تلك المدرسة قد تشكلت بتوجيه و قيادة ذلك الإمام ليعلّمنا أساليب التربية الصحيحة. في هذه الظروف لم يستطع أحد العيش أفضل و أجمل من الإمام الرضا(ع) لينال رضا الله و رسوله صلي الله عليه و آله؛ فإننا نعتقد أن نهج الحياة الرضوية يمكن أن يكون قدوة لحياتنا و تربية أجيالنا.

* أحدي الأسئلة الأساسية التي يمكن أن تساعدنا في معرفة نمط حياة ذلك الإمام(ع)، هو لقب «الرضا» الذي اختصّ بهذا الإمام(ع). هل هناك دليل و مصدر موثق في الروايات و الأحاديث التاريخية حول تلك الكنية التي تصف نوع حياة ذلك الإمام؟

نعم؛ يمكن أن نقول انّ احد أسباب هذا التلقيب هو جواب الإمام الجواد عليه السلام ، عندما سأله شخص: «يقول بعض الناس أن المأمون هو من أعطى لأبيك هذا اللقب و السبب في ذلك أنه رضي به و أعطاه ولاية العهد.» فقال الإمام الجواد عليه السلام في جوابه:

«إنهم يكذبون. إن اللّه تبارك و تعالى سماه …… لأنه كان رضى للّه عزّ و جلّ في سمائه و رضى لرسوله و الأئمة من بعده صلوات اللّه عليهم.» فسأل ذلك الشخص: « أ لم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السّلام) رضى للّه عزّ و جلّ و لرسوله و الأئمة بعده؟!» فقال الامام الجواد عليه السلام: «بلي. لكن أبي فقط أصبح الرضا والسبب في ذلك أن الصديق و العدو جميعاً قد قبلوا به و الجميع كانوا راضين عنه.» في الحقيقة أعطي هذا العنوان له بسبب نمط الحياة الخاصة بالإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام و سيكون وصفاً جيداً لطريقة حياته. على سبيل المثال يمكن ان  نستنتج من هذا العنوان أن الإمام عليه السلام كان يراعي الآخرين في جميع الظروف.

* حسنًا، لقد أشرنا إلى أمثلة سلوكية للإمام الرضا عليه السلام. من أغلى الأشخاص لدى ذلك الإمام الهمام اخته العزيزة السيدة المعصومة سلام الله عليها. كيف كانت تصرفات و تعامل هذين الأخ و الأخت، حسب وثائق تاريخ الاسلام؟ 

 السبب في المحبة الموجودة بين هذين العظيمين هي أن كليهما كانا مولودين من أمّ واحدة، وسائر الأخوة و أخوات الامام الرضا عليه السلام ولدوا من أم أخرى. في الحقيقة انّ نجمة خاتون زوجة الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنجبت ولدين فقط، هما: الإمام الرضا عليه السلام و السيدة المعصومة سلام الله عليها. لا توجد معلومات كثيرة حول حياة السيدة المعصومة سلام الله عليها، لكن هذه النقطة واضحة و هي أن الامام الرضا عليه السلام قد أطلق عليها لقب «المعصومة» وهذا يُظهر طهارة نفس و عظمة شخصية تلك السيدة و كذلك محبة الإمام الرضا عليه السلام لها.

*لذلك يمكن القول أن السيدة المعصومة سلام الله عليها كان لها مكانة خاصة لدى الإمام الرضا عليه السلام و علاقة هذان الأخ و الأخت كانت غالية للغاية.

نعم هكذا. طبعاً السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها لم تكن مثل الرسل و الأئمة من حيث المعصومية. لكن كانت تمتلك كمالات روحية و طهارة نفسية كبيرة لدرجة ان الذين يزورونها وُعدوا بدخول الجنة. يقول الإمام الرضا عليه السلام حول هذا الأمر: «من زار أختي فاطمة المعصومة في مدينة قم كان كمن زارني.» ؛ هذه الرواية تبيّن معصومية هذه السيدة و شخصيتها العظيمة و مكانتها الخاصة عند أخيها الإمام الرضا عليه السلام. طبعاً السيدة المعصومة سلام الله عليها أصغر من الامام الرضا عليه السلام بحوالي خمس وعشرين عامًا، لكن المحبة بين هذين العظيمين قد تمت الإشارة إليها في الكثير من الروايات.

وفيما يخص سائر الأخوة و أخوات الامام الرضا عليه السلام، هل كانت مثل تلك المحبة موجودة؟  

نعم. لقد أوصى الإمام موسى الكاظم عليه السلام قبل شهادته جميع أبنائه أن يتبعوا أمر أخيهم الإمام الرضا عليه السلام. لقد تجلت هذه التبعية و الإقتداء أكثر من أي شخص في سلوك و عمل السيدة المعصومة سلام الله عليها. عندما قام مأمون الرشيد بنفي الامام الرضا عليه السلام من المدينة المنورة إلى ارض طوس (مشهد اليوم) لم تستطع السيدة المعصومة سلام الله عليها أن تتحمل بُعد أخيها العزيز. جاء في بعض الروايات أن الإمام الرضا عليه السلام هو من أراد أن تأتي أخته إليه. و هكذا وقع الامر، حيث توجهت السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها من المدينة إلى طوس من أجل الإلتحاق بأخيها. وبالطبع كان يرافقها في تلك الرحلة عدد من رجال و نساء بني هاشم و عدد من شيعتها. و كانت طريق الرحلة تمر من قم. عندما اقتربت قافلة السيدة المعصومة سلام الله عليها من مدينة قم، هاجم قطاع الطرق أو أعداء الشيعة قافلتها ، فأدّي هذا الأمر الي إصابة السيدة المعصومة سلام الله عليها.  جاء في بعض الروايات أيضاً أن المعصومة قد مرضت بالقرب من مدينة قم. أقامت في قم لفترة في منزل أحد الشيعة و بعد عدة أيام توفيت في نفس المدينة.

* أحد أخوة الامام الرضا عليه السلام أيضاً هو السيد أحمد بن موسى عليه السلام المشهور بـ (شاه چراغ)، المدفون في مدينة شيراز.

هل جاء في تاريخ الاسلام مطلب يتعلق بعلاقة الأخوة بين الامام الرضا عليه السلام و أخيه؟ 

 أهم نوع من اللقاء بين هذين الأخوين يتعلق بقصة شهادة الامام موسى الكاظم عليه السلام. جاء في التاريخ أن الإمام الرضا عليه السلام كان يتعامل بمنتهى الحب و العطف مع جميع أخوته وأخواته و لهذا السبب كان جميع أفراد الأسرة يكنّون له محبة خاصة. و لم يكن السيد أحمد بن موسى عليه السلام و المعروف بشاهچراغ مستثنى من هذه القاعدة، و تحت تأثير المواقف العظيمة و المحبة التي كان قد رآها من أخيه فقد أعجب به و اعترف بعلمه و معرفته الإلهية.

كيف كانت قصة لقاءات هذين الاخوين في زمن شهادة الامام موسى الكاظم عليه السلام؟

بعد شهادة الامام موسى الكاظم عليه السلام، كان من الطبيعي للشيعة التعرف علي الإمام الذي يليه. لذلك عندما انتشر خبر شهادة الامام موسى الكاظم عليه السلام، اجتمع الناس أمام منزل أحمد بن موسى عليه السلام و رافقوه حتى المسجد. و بما أن السيد أحمد بن موسى عليه السلام كان واحداً من الشخصيات العلمية و الدينية و الفقهية الكبرى آنذاك، كان الناس يظنون أنه هو الإمام بعد أبيه، لذلك قاموا بمبايعته. بعد ذلك صعد أحمد بن موسى عليه السلام المنبر و ألقى خطبة بمنتهى الفصاحة و البلاغة و قال للناس: « أيّها الناس، كما أنّكم جميعاً في بيعتي فانّي في بيعة أخي علي بن موسى الرضا عليه السلام وأعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي وهو ولي الله ، والفرض عليَّ وعليكم من الله والرسول، طاعته بكلّ ما يأمرنا ” ؛ فكلّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد و حضروا عند الإمام الرضا عليه السلام، فأقرّوا بإمامته؛ هذا الأمر يظهر حقيقةً و هو صدق السيد أحمد بن موسى عليه السلام، وبالطبع فإن هذه الصفة قد ازدادت لديه و تضاعفت بسبب الشهامة التي كان يراها من الإمام الرضا عليه السلام. عندما رأى الإمام حقيقة أخيه فإنه وكعادته دعا له بالخير و قال: «كما أنك لم تخفي الحق و تضيعه، فإن الله تعالى لم يضيعك في الدنيا ولا في الآخرة.»

هل كان هذا النوع من التعامل موجوداً مع ابنه الامام الجواد عليه السلام؟

نعم؛ النقطة البارزة في سلوك الامام الرضا عليه السلام مع ولده الامام الجواد عليه السلام هي أنّ الرأفة و المحبة كانتا ظاهرتان في هذا الامام العظيم. في الحقيقة كما كان الامام الرضا يتعامل مع جميع أعضاء عائلته بالمحبة و العطف، فإنه كان يتعامل بالطريقة نفسها مع ابنه أيضاً. كذلك جاء في حكاية أنه قبل ولادة الامام الجواد عليه السلام، قال له شخص بعد أن شاهد محبته للأطفال و عطفه عليهم: «إنك حنون جداً على الأطفال. اطلب من الله أن يرزقك ولداً.» فقال الأمام الرضا عليه السلام مجيباً: «سيعطيني الله ولداً سيكون وارثاً لي.» نُقل أنه عندما ولد الإمام الجواد عليه السلام، أحبه الإمام الرضا عليه السلام كثيرا، لدرجة أنه كان يجلس كل ليلة بالقرب من مهده و كان يلعب معه. وعندما علم بعض أصحاب الامام بذلك الأمر، سأله هل جميع الناس تشفق على أبنائها بهذه الطريقة؟ فقال الإمام الرضا عليه السلام هذا الابن ليس كبقية الناس، بل إن ولادته و نموه مثل اجداده الأطهار.

في الوقت نفسه جاء في المصادر التاريخية أن الإمام الرضا عليه السلام ضمن محبته لابنه الجواد عليه السلام، كان يحترمه. في ذلك الوقت كانوا ينادون الشخص بلقب أو كنية، بدل الاسم، وكان يعتبر نوعاً من الاحترام، و كان الامام الرضا عليه السلام ينادي ولده بكنيته ( أبو جعفر).

إننا نعرف الامام الرضا عليه السلام بالامام الرؤوف. فمن أين نشأت هذه الصفة للإمام الرضا عليه السلام؟

هذا صحيح. إننا نعرف الامام الرضا عليه السلام بصفة الرحمة والرأفة. لم تقتصر هذه الصفة على تعامله مع عائلته و أقربائه فقط، بل كان جميع الناس يستفيدون منها، كل بحسب سعته الوجودية. و في هذا الخصوص أيضاً يوجد في تاريخ حياة الإمام الرضا عليه السلام روايات تدل على ذلك. على سبيل المثال يروي ابراهيم بن عباس، أنني كنت مع الإمام الرضا عليه السلام و كان الناس يلاقونه في طريق الذهاب و الاياب، فما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحدًا بكلمة قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحدًا عن حاجة يقدر عليها، ولا مدَّ رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحدًا من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه، التبسم.

بشكل عام أثبتت الشواهد التاريخية أنه إذا اتّخذنا نمط الحياة الرضوية قدوة لحياتنا، فإن الكثير من المشاكل و العادات السيئة في حياتنا الفردية و الاجتماعية ستُحل و تزول.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل