Search
Close this search box.

لماذا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هو الأكثر مظلومية؟

لماذا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) هو الأكثر مظلومية؟

خلاصة حقبة حياة أمير المؤمنين عليه السلام فيها درس الصبر والمقاومة مصحوباً بالوعي والبصيرة؛ وما إن وصل الدور إلى الإمام الحسن عليه السلام حتى تكرّر الموضوع نفسه في حياته المباركة. وأول ما قام به عندما وصل إلى الحكم أن أكمل تجهيز جيش أمير المؤمنين عليه السلام. وقد لامه بعضهم: أنه ما الداعي لتعبئة العساكر؟

ولكن الإمام الحسن عليه السلام ليس هو من بدأ بإعداد العسكر. إنّ ذلك الجيش العظيم الذي كان ينتظر في نخيل الكوفة، ليذهب ويقارع جيش الشام، قد قام بإعداده هناك أمير المؤمنين عليه السلام، وإن ما تغيّر هو قائد المعسكر فقط. ولم يتغيّر الهدف ولا الطريق ولا العناصر.

شرع الإمام الحسن عليه السلام بتجهيز الجيش بقوّة، ضمن أوضاع صعبة جدًا وظروف شديدة المرارة والظلمة ووجود خونة، وليس الإمام الحسن عليه السلام من قام بإيجاد هذه الظروف إنَّما ورثها إرثًا.

هذه الظروف أدَّت إلى أن يجد خصمُ الإمام الحسن عليه السلام وعدوُّه الذي أراد الإمامُ مواجهتَه- أي معاوية – أشخاصًا انتهازيين مذبذبين، ذوي نفوس ضعيفة، أشخاصًا لم يتحملوا حكومة علي، أشخاصًا يلوكون الإسلام بألسنتهم فقط، ولا تعرف قلوبهم عنه شيئًا فكانوا عرضة لأن يجذبهم ]معاوية[ إليه ويجعلهم في صفه أو أقلّه يبعدهم عن الإمام الحسن عليه السلام.

ما العمل التالي الذي قام به معاوية؟
عمد من خلال هذا الجحفل الذي جعله في مواجهة الإمام الحسن عليه السلام الوحيد؛ الإمام الذي لم يبق حوله أي وجه من الوجوه المعروفة إلا القليل القليل، وان يوصل الإمام الى الشهادة، بعد أن أبعد عنه خيرة الجنود وصفوة القادة الذين كانوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ ومن خلال الأجواء المساعدة شرع ببثّ دعاويه أمام الملأ، وكما يقول الشاعر: خَلَا لَكِ الجو فبيضي واطربي”[1]، وهكذا بعد مضي عشر سنوات أو خمسة عشر سنة لم يبقَ لعلي بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وللمعارف الإسلامية إسمٌ يذكر، ولم يبقَ ذكرى من تلك الحوادث التي عانى الإمام عليه السلام منها الأمرّين مع معاوية.

الصلح والمظلومية وهزيمة الأصحاب
فلو كانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام وشهادة أخيه أبي الفضل العباس عليه السلام وكذلك شهادة الأبناء والأصحاب وشهادة محمد بن الحنفية وحجر بن عدي قد حصلت قبل شهادة الإمام الحسن عليه السلام؛ يكون جميع أصحابه الأوفياء قد رحلوا؛ حينها لن يتم العمل المطلوب للفضح والكشف عن تلك الجبهة التي كانت تحارب الإمام علي بن أبي طالب والإمام الحسن عليهما السلام والتعريف بها وتحديدها.

لقد قام الإمام الحسن عليه السلام هنا بتشخيص واجبه وتحديد تكليفه بدراية ويقين، فماذا كان تكليفه؟ كان البقاء؛ البقاء حيًّا لإماطة اللثام عن وجهٍ كان قد غدا محاربا للإسلام ولعليّ وأخرج الحسن عليه السلام من الساحة؛ وكان تكليفه عليه السلام إعداد أرضية لمواجهة طويلة الأمد، مع الطواغيت الذين سيأتون فيما بعد بشكل واضح.

لقد بقي الحسن عليه السلام حيًا ليبقى الحسين بن علي حيًّا ويبقى حجر بن عدي وكذلك رشيد الهجري. لقد حفظ الإمام الحسن عليه السلام أشخاصًا لحالات شهادة كبيرة، فبعد حادثة الصلح مع معاوية وخلال السنوات العشر التي كان فيها الإمام الحسن المجتبى عليه السلام حيًا، بدأ بمساعدة أخيه ومساعدة كل الأصحاب بتهيئة حالة في العالم الإسلامي؛ حالة تَعِدُ أنه إذا نهض الإمام الحسين يومًا وثار ستظهر تلك الحالة التي قد شاهدتموها في التاريخ وأنّ شهادة الإمام الحسين ستستطيع بعد كل تلك الأعمال التبليغية وبعد كل تلك الأعمال التي فضحت وبينت الحقائق التي حصلت خلال تلك السنوات حادثة خالدة، حادثة العالم الإسلامي التي لا تقبل الوضع في زوايا النسيان. لهذا، يظهر أن الإمام الحسن عليه السلام عمد إلى الصلح، وكان هذا في الظاهر ترك المنازعة. أي أنه عليه السلام أحجم عن المواجهة العسكرية مع عدوّ -حيث ينبغي أن يفضحه من قبل ومن ثمّ محاربته -كي يبدأ بالمواجهة السياسية والثقافية والإسلامية. وأصبحت النتيجة أنّه بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام أن أكمل الإمام الحسين عليه السلام طريق الإمام الحسن عليه السلام نفسه أيضًا عشر سنوات ووصل المجتمع الإسلامي إلى حالة استطاع فيها ابن الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم، وحفيد من أحفاده أن يستجيب لشهادة تبقى خالدة لآخر يوم في التاريخ؛ وتصبح منشأ المقاومة ومَعلَمها الكبير، كما أصبحت؛ وتحفظ الإسلام، كما حفظت؛ هذا ما فعله الإمام الحسن عليه السلام.

الإمام الحسن (عليه السلام) حفظ امجاد الإسلام
فيما يخصّ ما قام به الإمام الحسن عليه السلام نحن لا نتكلم أبدًا من منطق الدفاع[2]، أي أنَّه لماذا أجرى صلحًا؟ وما الأسباب التي دفعته إلى ذلك؟…

لو لم يجرِ صلحًا لتلقّى الإسلام ضربة بكل تأكيد؛ كانت الناس آنذاك لا تزال تجهل الكثير من الحقائق، إلى حد أن آلاف الأشخاص أو مئات الأشخاص من جنود الإمام الحسن عليه السلام كانوا حاضرين للتخلي عن القتال مع الشخص الذي قاتل مع الإمام علي عليه السلام.

لقد فعلت الدعايات المغرضة وإغداق الأموال والألاعيب السياسية فعلتها وأوجدت جوًّا سيئًا حيث أنَّه لو قام الإمام الحسن عليه السلام أثناءها لفقد روحه والثلّة المتبقية من أصحابه ولم يبق من الإسلام شيء. وبعد سنوات فإنّ اسم علي عليه السلام واسم الحسن عليه السلام واسم الحسين عليه السلام وأمجاد صدر الإسلام وكل تلك الحوادث المربيّة حتى لو بقيت في طيّات الكتب فلن تبقى طويلًا سالمة دون تحريف؛ هذا ما قام به الإمام الحسن عليه السلام.

خلاصة القول أنّ ما قام به الإمام الحسن عليه السلام مع ما قام به الإمام علي عليه السلام وما قام به الإمام الحسين عليه السلام وكذلك كلُّ الأئمة له مضمون واحد ومعنى واحد؛ وهو المقاومة ببصيرة واستقامة وفهم للتكليف.

أقول لكم أيها الأخوة والأخوات لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بأكثر الأعمال شجاعة لأداء هذا التكليف، لماذا؟ ذلك لأنّ من كان يطعن بالأنبياء والرسول صلى الله عليه وآله وسلّم والإمام علي عليه السلام وسائر الأئمة هم الأعداء؛ بينما تشعّب عمل وظيفة الإمام الحسن عليه السلام ودقّة موقفه جعل حتى أصحابه يطعنون به. وكان أيضًا أصحابه من قبيل “الحجر بن عديين”[3] غير مدركين وكانوا ينادونه “يا مذلّ المؤمنين” ولكنه صبر.

أهمية الخواص أصحاب البصيرة
لقد توصّلت من خلال دراسة حوادث زمن الإمام المجتبى عليه السلام إلى هذه النتيجة، وهي أنّ الناس في ذاك الزمن لم يمتلكوا قدرة التحليل السياسي. يعني أنّ أشخاصًا- كعمار ياسر ومالك الأشتر الذين كانوا يسدّون مثل هذا الفراغ في عهد أمير المؤمنين عليه السلام -لم يكونوا موجودين في زمن الإمام الحسن، فأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن ينفّذ كل الأمور، فذاك الإمام الجليل كان أحد طرفي النزاع ولم يكن باستطاعته التحدّث عن نفسه باستمرار.

كان شخص مثل عمار ياسر موجودًا، حيث كان دوره مميّزًا في زمن أمير المؤمنين عليه السلام. وحيثما وُجدت معضلة سياسية في عقول الناس كان عمار حاضرًا.

في زمن الإمام الحسن عليه السلام كان في عداد جيشه شخص مثل عبيد الله بن عباس كان النقيض له موجودًا في جيش أمير المؤمنين عليه السلام مثل عمار ياسر ومالك الأشتر.

كان عبيد الله بن عباس قد ترك جيشًا من ثلاثمائة ألف جندي والتجأ ليلًا إلى معسكر معاوية. فعندما يقوم قائد جيش بهكذا فعل، ماذا سيحلُّ بهذا الجيش!![4]

كان قيس بن سعد أحد الشخصيات البارزة في جيش الإمام الحسن عليه السلام، وقد لعب دورًا مهمًا في قضية عبيد الله بن عباس.

وقف قيس أمام عساكر جيش الإمام عليه السلام وشرح قضية هروب عبيد الله بن عباس، شرح المسألة بدقة وبراعة حتى قال الجنود “الحمد لله أنّه رحل”! وكأنّ رحيله جاء متأخرًا وكان ينبغي عليه الذهاب في وقت مبكر أكثر. هذا هو دور التحليل السياسي! كان الوضع جيدا خلال الفترة التي وجد فيها أمثال قيس بن سعد في جبهة الامام الحسن عليه السلام. وبعد غياب هذه الثلّة بقي الإمام عليه السلام وحيدًا، وهذه الوحدة أثّرت على تاريخ الإسلام، إنَّ حادثة صلح الإمام الحسن عليه السلام هي إحدى الحوادث المرة في تاريخ الإسلام. وباعتقادي أنّ الإمام الحسن عليه السلام هو الأكثر مظلوميّة.(14/4/1992).

الاستقامة والبصيرة – بتصرّف يسير، مقتطف من كلمات سماحة الإمام القائد السيد علي الخامنئي (دام ظله) حول البصيرة والاستقامة

[1] صدر بيت لطرفة بن العبد
[2] أي ان الصلح وما يتعلق به مقطوع لدينا ولا شك به. (المعرب)
[3] كناية عن الصحابة الذين كانوا معه كأمثال الصحابي حجر بن عدي.
[4] يستطرد الامام الخامنئي هنا قائلًا: لقد رأينا نموذجًا عنه في الحرب المفروضة أيضًا. حيث أنّه في صباح أحد الأيام سمعنا صوت إحدى الشخصيات الإيرانية المشهورة يتحدث من إذاعة العراق قائلًا أننا رحلنا! أنظروا ما الذي يحلُّ بمعسكر يكون قائده على هذه الشاكلة ؟!.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل