Search
Close this search box.

قبسات من حياة الامام الحسن الزكي (ع) في ذكرى ميلاده المبارك ( 2 )

تمر علينا اليوم (الخامس عشر من شهر رمضان المبارك) الذكرى المباركة لولادة الامام الحسن الزكي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفی هذه المناسبة المباركة نهنئ الامام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ووقائد الثورة الاسلامية ومراجع الدين والعالم الاسلامي، ونبتهل الى الله تعالى أن يجعلنا من السائرين على نهجه، ويرزقنا زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة، أنه ولي التوفيق.

تناولنا في الحلقة السابقة ولادة الامام السبط المباركة ومحبة النبي (ص)، ونشأته وموقعه الرسالي ودوره القيادي وعبادته وفضائله ومناقبه (سلام الله عليه)، وسوف نستعرض في هذه الحلقة وقوفه مع ابيه أمير المؤمنين (ع) وخلافته وجهاده والصلح مع معاوية سليل الجاهلية، واستشهاده (عليه السلام).

مع ابيه (عليهما السلام):

لقد کان الامام الحسن في شبابه الی جانب أبيه أمير المؤمنين (عليهما السلام) في کل مايقول ويفعل واشترك معه في جميع حروبه، (الجمل وصفين والنهروان).. وکان يعاني ما كان يعانيه ابوه من مصائب ومحن، ويتألم لآلامه وهو يری معاوية يبث دعاته ويغري القادة من جيش ابيه بالاموال والمناصب حيت فرَق اکثرهم، وبعد استشهاد الإمام علي (ع)، بقي الحسن ابي علی (ع) بين تلك الاعاصير بين اهل الکوفة المتخاذلين وفلول الخوارج المارقين وتحديات اهل الشام القاسطين.

خلافته:

وتولّى الإمام الحسن السبط (ع) منصب القيادة والخلافة بعد استشهاد أبيه علي المرتضى (ع) في الواحد والعشرين من رمضان سنة 40 هجرية وهو في السابعة والثلاثين من عمره الشريف، حيث ان نص أمير المؤمنين (ع) علی خلافة ابنه الحسن الزکي وسلَمه مواريث النبوة.

اجتمع عليه أهل الکوفة وجماعة المهاجرين والانصار وبايعوه بالخلافة، حيث طهَره الله من کل نقص ورجس، بالاضافة إلی توفرَ جميع متطلبات الخلافة فيه من العلم والتقوی والشجاعة والحزم والجدارة، وتسابق الناس الی بيعته في الکوفة والبصرة، کما بايعه اهل الحجاز واليمن وفارس وسائر المناطق التي کانت تدين بالولاء والبيعة لابيه أمير المؤمنين علي (ع)، وقام عليه السلام في فترة إمامته، بأفضل ما يمکن القيام به في ذلك الجوَ المشحون بالفتن والمؤمرات فأمر الولاة علی اعمالهم واوصاهم بالعدل والاحسان ومحاربة البغي والعدوان ومضی علی نهج ابيه عليه السلام الذي کان امتدادا لسيرة جده المصطفی محمد (ص).

جهاده ضد الطلقاء:

حين بلغ نبأ بيعة الامام الحسن (ع) الى الطلقاء “معاوية والبيت الاموي” والموتورون من سيف علي بن ابي طالب (ع)، بدأوا يعملون بکل مالديهم من مکر وخداع لافساد امر خلافة الامام الحسن (ع) والتشويش عليه.

ولقد اطمأن معاوية إلی ان الامور ممهدة له باعتبار علاقته المتينة مع اکثر قادة جيش الإمام الحسن، ولم يکن للإمام (ع) بد من اختيار الصلح بعد ان تخاذل عامة جيشه ولم يبقی معه إلا فئة قليلة من أهل بيته والمخلصين من اصحابه، فکان اختياره للصلح في منتهی الحکمة والحنکة السياسية الرشيدة تحقيقا لمصالح الاسلام العليا واهدافه المثلی.

الصلح والعهد مع معاوية:

العهد الذي اعطاه معاوية بن ابي سفيان للامام الحسن قد حقق إنجازا عظيما على صعيد تأكيد الحق، وترسيخ الشرعية فيما يرتبط بإمامة أهل البيت (عليهم السلام)، وحقن دماء شيعة ابيه أمير المؤمنين من بطش معاوية، وانتزاع اعتراف خطي منه بأنه باغ و متغلب، حين أكدت بنوده على:

1- أن الحق لا بُدَّ أن يعود للإمام الحسن (ع)، ثم من بعده للإمام الحسين عليه السلام.

2- أن ليس لمعاوية أن يعهد لأحد من بعده.

3- أن لا يقيم الإمام الحسن (ع) شهادة عند معاوية .

4- أن لا يسميه أمير المؤمنين.

5- أن يعمل بكتاب الله و سنة نبيه .

6- أن لا يذكر علياً إلا بخير .

7- أن يكون أصحاب علي و شيعته آمنين حيث كانوا من أرض الله .

8- أن يكون الناس جميعاً آمنين حيث كانوا من أرض الله .

و ثمة شروط أخرى ذكرها المؤرخون أيضاً .

الصلح والعهد يفضحان معاوية:

لقد فسح الإمام الحسن المجتبى عليه السلام المجال بصلحه المشروط، لمعاوية ليكشف كفره وعدائه للأسلام بتحكيم الجاهلية، وليعرّف عامة المسلمين البسطاء مَن هو معاوية ؟ ومن هنا كان الصلح نصراً ما دام قد حقّق فضيحة سياسة الخداع التي تترّس بها عدوّه.

وقد كشف معاوية واقعه المنحرف، وذلك في إعلانه الصريح بأنّه لم يقاتل من أجل الإسلام، وإنّما قاتل من أجل المُلك والسيطرة على رقاب المسلمين، وأنّه سوف لا يفي بأيّ شرط من شروط الصلح.

بهذا الإعلان وما تلاه من خطوات، أمر معاوية بسب الامام عليٍّ (ع) على المنابر في صلاة الجمعة، وتآمر بقتل بنيه الأبرار وخيرة أصحابه، وكانت محاولات الاغتيال المتكرّرة تشير الى مخاوف معاوية من وجود الإمام (ع) كقوة معبّرة عن عواطف الاُمّة التي تهيء للثورة ضد ظلم بني اُمية، ومن هنا صحّ ما يقال من أنّ صلح الإمام الحسن (ع) كان تمهيداً واقعياً لثورة أخيه الامام الحسين (ع).

استشهاد الامام (ع).

قرّر معاوية الأموي التخلص من الإمام الحسن السبط، بعد أغواء “جعدة” بنت “شيخ المنافقين، الأشعت بن قيس” التي دسّت السم لزوجها الإمام الحسن (ع)، واستشهد من جراء ذلك الإمام (ع( في الثامن والعشرين أو السابع من شهر صفر سنة 50 هجرية، وله يومئذ ثمان وأربعون سنة.

وکان الإمام الحسن (ع) قد أوصی ان يدفن الی جوار جده رسول الله (ص)، إلا أن بني أمية، وعلی راسهم مروان بن الحکم، ومنعوا الجمع بين رسول الله (ص) وريحانته سيد شباب اهل الجنة، فاضطر اهل البيت (عليهم السلام) لدفنه في البقيع.

موعظة الامام (ع):

ممّا وعظ الامام الحسن (ع) جنادة بن أبي أميّة، عندما دخل عليه قبيل وفاته، وقال له: عظني يا ابن رسول الله، قال: “نعم، استعدّ لسفرك، وحصّل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنّك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل همّ يومك، الذي لم يأتِ على يومك الذي أنت فيه، واعلم أنّك لا تكسب من المال شيئاً فوق قوتك إلّا كنت فيه خازناً لغيرك. واعلم أنَّ في حلالها حساب، وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة، خذ منها ما يكفيك، فإن كان ذلك حلالاً، كنت قد زهدت فيها، وإن كان حراماً، لم يكن فيه وزر، فأخذت كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فإنّ العتاب يسير. واعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج من ذلّ معصية الله إلى عزّ طاعة الله عزَّ وجلَّ.

ومن وصاياه(ع):

۱ـ قال (عليه السلام): (المِزَاح يأكلُ الهيبة، وقَدْ أكثرَ مِن الهَيبةِ الصامت).

۲ـ وقال (عليه السلام): (الفُرصَة سريعة الفوت بَطيئَةُ العَود).

۳ـ وقال (ع): (عَلِّم الناس عِلمَك، وتَعلّم عِلم غَيرِك، فتكون قد أتقنتَ عِلمَك وعَلِمت مَا لَمْ تَعلَم).

4- وقال(ع): (القَريبُ مَن قرّبَتْه المَوَدّة وإن بَعُد نَسبُه، والبعيد من بَاعدَته المودّة وإن قرب نسبه، لا شيء أقرب مِن يَدٍ إلى جسد، وإنّ اليد تفل فتُقطع وتُحسم).

5- وقال(عليه السلام): (رَأسُ العقل مُعَاشَرة الناس بالجميل).

فسلام عليك يا أبا محمد الامام الحسن، أيها الزكي المجتبى، وابن علي المرتضى وفاطمة الزهراء، مظلوما، حيَا وشهيدا.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل