Search
Close this search box.

قبسات في أهل البيت عليهم السلام

قبسات في أهل البيت عليهم السلام

الإمام علي عليه السلام

عندما يقف الإنسان أمام عليّ‏ٍ، يخضع ويخشع، وكفاه أن يقول فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:

“علي مع الحق والحق مع علي يدور معه كيفما دار”1.

عن الإمام عليّ‏ٍ عليه السلام يتحدَّث القائد بكلمات ترى فيها الشوق والحب والهيام والحزن، في ذكرى الشهادة قال القائد دام ظله:

“… ويصادف اليوم الذكرى الدامية لضرب الرأس الشريف لأمير المؤمنين عليه السلام، هذه الليلة الحزينة… المظلمة في الكوفة، لن تتصوروا كيف كانت هذه المدينة في تلك الليلة. كل الناس كانوا أصحاب العزاء فقد رحل المواسي، والمؤنس، كان علي عليه السلام هو من يعزيهم في الماضي، ذاك الذي كتب يوماً إلى أحد ولاته:

“… أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر”2.

كان الإمام شريك الناس في كل آلامهم وهمومهم، مذكّراً في وصيته:

“اللَّه اللَّه في الأيتام”3.

كان عليه السلام السبّاق في رعاية الأيتام، فاليتيم أشد حاجة للعطف والحنان، محروم من تلك البسمة الأبوية العامرة بالمحبة، محروم من مداعبة أبيه له، فمن يملأ هذا الفراغ؟

علي عليه السلام، يسير ليلاً بين تلك المنازل التي كان يعرفها ويعرف أحوال أهلها، حاملاً إليهم الطحين والأرز والزيت، ومساعداً لهم، بإشعال التنّور أحياناً… ملاطفاً الأيتام، يجلسهم في حضنه، يلاعبهم كي لا يشعروا بالحزن والكآبة. عظمة علي عليه السلام معروفة ومشهورة في الحرب وساعات الوغى، لكن الأهم والأعظم مواساته وخدمته للأيتام والمحرومين، في دموعه المليئة عطفاً وحناناً… في تلك الليلة… في ليلة العشرين من شهر رمضان، انتظره الأطفال… الذين كان يجلسهم على ركبته ويمسح على رؤوسهم بكل لطف، يطعمهم بيده، انتظروا ذلك الرجل… لكنه لم يأتِ… في تلك الليلة عرفوا من هو… ولعلكم سمعتم بما جرى عندما طلب الطبيب المعالج للأمير عليه السلام إحضار الحليب لعله يدفع أثر السم كيف أن عشرات الأطفال الأيتام أتوا من كل أنحاء الكوفة يحمل كلّ منهم كوباً فيه حليب واندفعوا نحو منزل الإمام يريدون ردّ الجميل وشكره على محبته ورعايته وحنانه… ولعلكم سمعتم أيضاً عن ذلك العجوز الأعمى الذي كان في تلك الليلة يئن من عذاب الوحدة وألم الجوع فسأله بعضهم… فكيف كنت تصنع في الأيام السابقة؟ فذكر لهم بأن رجلاً كان يأتي إليه يواسيه ويطعمه بيده وأخبرهم بمواصفات ذاك الرجل… الذي ما كان سوى علي عليه السلام…

هذا الإنسان المتعدد الأبعاد والذي كان حقاً كما وصفه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:

“فإنه الصديق الأكبر والفاروق الأعظم يفرق بين الحق والباطل”4.

فكان الملجأ والحامي لكل من يشعر بالضعف والحاجة والوحشة هذا الإنسان الذي كان يقع مغشياً عليه في محراب العبادة من خشية اللَّه هو نفسه الحاكم الذي لم يتحمل وجود والٍ ظالم كمعاوية، وهو نفسه من وبّخ أحد الولاة وكان من أصحابه، لأنه أسرع في تلبية دعوة أحد الأشراف إلى الضيافة والولائم.

وهو الحافظ لبيت المال، بحيث أنه وفي الليلة الأولى لاستلامه الخلافة يطفئ‏ المصباح كي لا يصرف من بيت مال المسلمين، وكي ينبه بعض الصحابة المدّعين ويحذرهم من سوء أعمالهم.

هذا الإمام كان مظهراً للدفاع عن البشر وحقوق الإنسان واحترامه، وهذا هو الإسلام الذي يتجلى بالتوحيد بكل أبعاده الحيّة، وإكرام الإنسان وعزته، وروح الأخوّة بين جميع الناس.

ومن يخرج عن هذا النهج فلا يعدّ مسلماً حقاً، وإن لم يخرج ظاهراً، فإن قلبه لم يؤمن بعد باللَّه والقرآن إيماناً كاملاً.

ومن يكن أسيراً للآمال والأهواء والانجذاب نحو حياة الترف والوجاهة المليئة بالزبارج والزخارف ويطلب المسؤولية والسلطة والمال فقط ويرغب في المظاهر الفارغة وإظهار القوة والقدرة… مثل هكذا شخص لا يمكن أن يدّعي بأنه خليفة لعلي‏عليه السلام، يجب علينا جميعاً أن نحفظ هذا المعيار دائماً كوننا ننادي بعلي ونبحث عن نهجه…”.

السيدة الزهراء عليها السلام

يقول القائد دام ظله فيمن أذهب اللَّه عنها الرجس وطهرها تطهيراً:

“إن كل ما نقوله حول الزهراء عليها السلام قليل، وفي الحقيقة إننا لا نعلم ما يجب قوله في الزهراء عليها السلام وما يجب التفكير فيه، فالأبعاد الوجودية لهذه الحوراء الإنسية والروح الخالصة وخلاصة النبوة والولاية، واسعة ولا متناهية وغير قابلة للإدراك وهي بصورة بحيث يتحيّر الإنسان فيها.

… إن فاطمة الزهراء عليها السلام كانت في عصرها بصورة بحيث لم يمتدحها أبوها وبعلها وبنوها وخواص شيعتهم فحسب، بل أنها كانت تُمتدح حتى من قبل أولئك الذين لم يكن لهم علاقات سليمة معها.

انظروا إلى الكتب التي ألفت حول الزهراء عليها السلام أو حول كيفية تعامل النبي مع هذه العظيمة، فقد رويت من قبل الذين أشرنا إليهم كزوجات النبي والآخرين، فهذه الرواية المعروفة عن عائشة أنها قالت: “ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً وحديثاً برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في قيامه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول اللَّه قام إليها”5 أي أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقوم من مكانه ويتحرك نحوها بكل شوق، هذا معنى “قام إليها” … وفي بعض الروايات المروية عن عائشة أيضاً جاء هكذا وكان يقبّلها ويجلسها مجلسه. هذه في منزلة الزهراء عليها السلام مشهودة في سيرتها.

… فلا بد للإنسان العاقل الذي وهبه اللَّه العين أن يستفيد من هذا النجم في حياته…

أعزائي: إن نجم عالم الخلق، الزهراء، ليس بالذي نراه ونتصوّره، بل هو أعظم من هذا بكثير، إننا نرى نور شخصية الزهراء عليها السلام، لكنه أعظم من هذا بكثير. إذاً ماذا نستفيد نحن منها؟ بهذا القدر الذي نعرف فيه أنها الزهراء عليها السلام.

لقد قرأت هنا في إحدى المرات الرواية التي تقول: “إنها تظهر لأهل السماء” فنحن لا شي‏ء أمام هذا النور، فالكروبيون (الملائكة المقربون في الملأ الأعلى) تنبهر عيونهم من نور الزهراء عليها السلام، فيجب علينا الاهتداء بها إلى اللَّه وإلى طريق العبودية، وإلى الصراط المستقيم.

فالزهراء عليها السلام قد سلكت هذا الطريق فأصبحت الزهراء، وإن رأيتم أن اللَّه قد جعل طينتها طينة متعالية، لأنه كان يعلم أنها تخرج مرفوعة الرأس من الامتحان في عالم المادة و…

“امتحنك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة”6.

فالباري سبحانه وتعالى قد ألطف على تلك الطينة وجعلها متعالية… هذا جانب من حياة الزهراء عليها السلام التي نحتاج إليها لتطهير أنفسنا.

… اللهم لا تحرمنا حبّ الزهراء عليها السلام وولايتها في الدنيا والآخرة بحق محمد وآل محمد، واهدنا بنور الزهراء المطهرة. اللهم زد حبها في قلوبنا يوماً بعد يوم، وأمتنا على حب آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واحشرنا يوم القيامة على حب آل النبي…”.

الإمام الحسن عليه السلام

الإمام الحسن عليه السلام ظَلَمَهُ التاريخ والمؤرخون، ولم يُعطى حقَّه من قِبل كثير من مناصريه، رغم أن اللَّه تعالى طهّره تطهيراً، وتكفيه شهادة اللَّه بتطهيره عن الدَّنس.

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾7.

القائد دام ظله يقول حول الإمام الحسن عليه السلام:

“… وبالانتقال إلى عهد الإمام الحسن عليه السلام نرى أنه قد أصبح وحيداً بعد ستة أشهر من توليه للخلافة، وعليه رأى الإمام الحسن‏عليه السلام أن ذهابه مع قلّة قليلة لمحاربة معاوية وسقوطه شهيداً في المعركة ليس له تلك الأهمية والمؤثرية في هذا المجتمع المنحط أخلاقياً، ولا حتى فيما بين الخواص، إذ أنهم لن يستفيدوا من تلك الدماء الطاهرة لمتابعة المسيرة.

فمعاوية بإعلامه وأمواله ومكره كان قادراً على أن يُفقد هذه الدماء مؤثريتها. والناس بعد سنة على خلافة الإمام الحسن عليه السلام كانوا يقولون له لا ينبغي لك أن تقف في وجه معاوية وتقاومه. في ظل هذا الوضع رأى الإمام أن دمه سيذهب هدراً من دون فائدة. فقاوم كل هذه المتاعب والمصاعب ولم يدفع بنفسه إلى ساحة الشهادة. مع أنه في بعض الأحيان تكون الشهادة بالنسبة إلى الإنسان أسهل بكثير من البقاء حياً. والأشخاص الذين هم أولو الألباب والحكمة والدقة، يدركون ذلك تماماً. أحياناً البقاء على قيد الحياة والعيش في محيط متعب ومجهد يكون أصعب بمراتب من القتل والاستشهاد والوصول إلى لقاء اللَّه، وهذا الأصعب هو الذي اختاره الإمام الحسن عليه السلام…”.

الإمام الحسين عليه السلام

الحديث عن الإمام الحسين عليه السلام يأخذ حرارته من الحديث عن ثورته وشهادته، التي كان فيها دروس، يستلهمها المسلمون المخلصون، يقول القائد دام ظله عن ثورة الحسين المعطاءة المباركة:
“… إذن ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت تأدية لواجب وهو عبارة عن وجوب الثورة على كل مسلم حال رؤية تفشي الفساد في جذور المجتمع الإسلامي بحيث يخاف من تغيير كلي في أحكام الإسلام، وكانت الظروف مؤاتية، وعلم بأن لهذه الثورة نتيجة، وليس شرطاً البقاء حياً وعدم القتل وعدم التعرّض للتعذيب والأذى والمعاناة. فالحسين عليه السلام قد ثار وأدّى هذا الواجب عملياً ليكون درساً للجميع، وقد تتوفر الظروف المناسبة لأي أحد للقيام بهذا العمل على مر التاريخ.

طبعاً الظروف لم تكن مؤاتية في عصر سائر الأئمة عليهم السلام من بعد الإمام الحسين عليه السلام، وهذا الأمر له تفسير وهو وجود أعمال مهمّة أخرى وجب القيام بها فلم تتوفر هذه الظروف بعد ذلك في المجتمع الإسلامي إلى أواخر عصر الأئمة عليهم السلام وبداية عصر الغيبة، لكن قد تتوفر مثل هذه الظروف في الدول الإسلامية على مر التاريخ، وقد تكون الأرضية في بعض أقطار العالم الإسلامي الآن مهيئة لقيام المسلمين بذلك أيضاً، فإن قاموا بذلك فقد صانوا الإسلام وضمنوا بقاءه…

إن الإمام الحسين عليه السلام قد علّم التاريخ الإسلامي درساً عملياً عظيماً، وضمن بقاء الإسلام في عصره وسائر الأعصار. فأينما وجد مثل هذا الفساد، كان الإمام الحسين عليه السلام حيّاً حاضراً هناك يعلّمنا بأسلوبه وفعله ما يجب علينا عمله. لهذا يجب أن يبقى اسم الحسين‏عليه السلام حياً وتبقى ذكرى كربلاء حيّة…

ومع الأسف إن درس عاشوراء ليس معروفاً في سائر الدول الإسلامية كما ينبغي…

والحقيقة فإن ما هو أمام أعيننا من واقعة عاشوراء التي لا نظير ولا مثيل لها بين جميع الحوادث والفواجع البشرية، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن عليه السلام على ما ورد في الروايات:

“لا يوم كيومك يا أبا عبد اللَّه”8.

هذا اليوم هو يوم عاشوراء وهذه أيام بكاء ونعي. إن كربلاء كلها عزاء ومصائب، وحوادث عاشوراء كلها بكاء وألم…”.

الإمام علي بن الحسين عليه السلام

يقول القائد دام ظله:

“إن الحديث عن الإمام السجاد وكتابة سيرته صع، لأن أساس تعرف الناس على هذا الإمام تم في أجواء غير مساعدة اطلاقاً.

ففي ذهن أغلب كتّاب السيرة والمحللين أن هذا الإنسان العظيم قد انزوى للعبادة ولم يكن له أي تدخل في السياسة. حتى أن بعض المؤرخين وكتّاب السيرة ذكروا هذه المسألة بشكل صريح، أما الذين لم يقولوا هذا الأمر بصراحة فإن مفهومهم عن حياة الإمام السجاد عليه السلام ليس سوى هذا الأمر. وهذا المعنى موجود في الألقاب التي تنسب إليه والتعابير التي يطلقها الناس عليه، كما يطلق البعض لقب ” المريض” عليه، في حين أن مرضه لم يستغرق أكثر من عدّة أيام في واقعة عاشوراء. ومن الطبيعي أن كل إنسان يمرض في حياته عدة أيام، وإن كان مرض الإمام للمصلحة الإلهية حتى لا يكلف هذا العظيم بالدفاع والجهاد في سبيل اللَّه في تلك الأيام ليستطيع في المستقبل أن يحمل الحمل الثقيل للأمانة والإمامة على عاتقه، ويبقى حياً بعد والده لمدّة 35 أو 34 سنة ويقضي فترة أصعب عصور الإمامة عند الشيعة. أنتم عندما تنظرون إلى ماضي حياة الإمام السجاد عليه السلام سوف تجدون حوادث متنوعة وملفتة جداً، كما حدث لبقية الأئمة، وربما إذا جمعنا سير الأئمة عليهم السلام معاً فلن نجد مثل سيرة السجاد عليه السلام”.

ويتحدّث القائد عن فلسفة الإمامة عند الإمام زين العابدين فيقول ‏دام ظله:

“من جملة الأشياء التي أراها جلية وشديدة الأهمية في هذا القسم من بيانات الإمام السجاد عليه السلام تلك الكلمات التي يذكر فيها بتجارب أهل البيت عليهم السلام الماضية.

ففي هذا القسم يشير الإمام عليه السلام إلى تلك الأيام التي مرت على الشيعة من قبل الحكام الجائرين مثل معاوية ويزيد ومروان ووقائع مثل الحرة وعاشوراء وشهادة حجر بن عدي ورشيد الهجري وعشرات الحوادث الشديدة، على التحرك والثورة. والتفتوا الآن إلى هذه الجملة:

“فقد لعمري استدبرتم من الأمور الماضية في الأيام الخالية من الفتن المتراكمة والانهماك فيها ما تستدلون به على تجنب الغواة و…”9.

أي أنكم تستحضرون تلك التجارب وتعلمون ماذا سيفعل بكم أهل البغي والفساد. وهم حكام الجور، عندما يتسلطون عليكم؛ ولذلك يجب عليكم أن تتجنبوهم وتواجهوهم، وفي هذا الخطاب يطرح الإمام مسألة الإمامة بصورة صريحة. أي قضية الخلافة والولاية على المسلمين والحكومة على الناس وإدارة النظام الإسلامي ولم يكن بمقدور الإمام في ذلك الوقت أن يوجه هذا الخطاب لعامة الناس. ثم يقول: ” فقدموا أمر اللَّه وطاعته وطاعة من أوجب اللَّه طاعته”.

وهنا يعيش الإمام فلسفة الإمامة عند الشيعة والإنسان الذي يجب أن يطاع بعد اللَّه. ولو فكّر الناس في ذلك الوقت بهذه المسألة لعلموا بوضوح أنه لا يجب طاعة عبد الملك. لأنه من غير الجائز أن يوجب اللَّه طاعة عبد الملك. ذلك الحاكم الجائر بكل فساده وبغيه.

وبعد أن يقدم الإمام هذه المسألة يتعرض لرد شبهة مقدّرة فيقول ‏عليه السلام:

“ولا تقدموا الأمور الواردة عليكم من طاعة الطواغيت وفتنة زهرة الدنيا بين يدي أمر اللَّه وطاعته وطاعة أولي الأمر منكم”10.

ففي هذا الخطاب والخطاب السابق يركّز الإمام عليه السلام على مسألتين:

الأولى: تدوين الفكر الإسلامي وإحياؤه في أذهان الناس والحث على تعلمه.

والأخرى: مسألة الولاية السياسية أي الحكومة والقيادة للنظام الإسلامي.

وعندما يعرّف الإمام عليه السلام هاتين المسألتين فإنه يقوم في الواقع بتعريف النظام العلوي والنظام الإسلامي الإلهي”.

الإمام الباقر عليه السلام

يقول القائد في خصوص الإمام الباقر عليه السلام: “… فعندما كان يدخل الإمام الباقر عليه السلام إلى المسجد كان الناس يجلسون حوله ويحيطون به ليستفيدوا منه. ويروي الراوي قائلاً: ” رأيت الإمام الباقرعليه السلام في مسجد المدينة وحوله أهل خراسان وغيرهم” يعني يحيط به أناس من أقصى البلاد كخراسان ومناطق أخرى. وهذا يدل أن أمواج التبليغ كانت قد عمّت العالم بأجمعه، وأصبحت قلوب الناس ومن أقصى العالم تقترب من أهل البيت عليهم السلام.

وفي رواية أخرى ذكر “احتوته أهل خراسان” ، يعني جلسوا حوله وأحاطوه، وكان الإمام الباقر عليه السلام يعلمهم مسائل الحلال والحرام حيث كان كبار العلماء يأتون إليه ويتلقون علومهم عنده. ومن بينهم عكرمة، الذي يعتبر شخصية معروفة ومن تلامذة ابن عباس.

فعندما أتى إلى الإمام الباقر عليه السلام ليستمع إلى أحاديثه أصابته رجفة وسقط في حضن الإمام عليه السلام وقال: يا ابن رسول اللَّه أصابني أمامك، ما لم يصبني من قبل أمام أحد من الناس، فأجابه الإمام عليه السلام قائلاً:

“… يا عبيد أهل الشام إنك بين يدي بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه”11.

وأيضاً شخص آخر مثل أبي حنيفة، والذي كان يعتبر من عظماء فقهاء ذاك الزمان، كان يأتي ويتلقى علومه على يد الإمام الباقر عليه السلام، وغيره من بقية العلماء كانوا يتلقون علومهم على يده عليه السلام، حتى وصلت شهرته العلمية إلى أرجاء العالم وعرف بباقر العلوم…” .

الإمام الصادق عليه السلام

يقول القائد دام ظله:

“… وعندما بدأت مرحلة إمامة الإمام الصادق عليه السلام كانت الصدامات والحروب منتشرة في العالم الإسلامي كأفريقيا وخراسان وفارس وبلاد ما وراء النهر ونقاط أخرى من العالم الإسلامي مما سبّب مشكلات كثيرة لبني أمية وهكذا استطاع الإمام الصادق عليه السلام في هذه المرحلة أن يستفيد من هذه الفرصة وقام بالتركيز… على إمامة أهل البيت عليهم السلام.

وعلى سبيل المثال: يروي عمر بن المقدام قائلاً: “رأيت أبا عبد اللَّه يوم عرفة بالموقف وهو ينادي بأعلى صوته، فكان يقول جملة ثم يلتفت إلى الطرف الآخر ويكررها ومن ثم إلى الطرف الآخر… وهكذا إلى أربعة أطراف وكل مرة يكررها ثلاثاً والجملة هي:

“أيها الناس إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كان هو الإمام”.

التفتوا إلى نفس استعمال كلمة إمام، كان هذا لأجل الفات الناس إلى حقيقة الإمامة ولإشاعة هذه الفكرة حتى يُصار إلى التساؤل: هل أن هؤلاء الحكام المتسلطين على الحكم لائقون بالإمامة أم لا؟

فينادي ثلاث مرّات لمن بين يديه ولمن خلفه وعن يساره اثنا عشر صوتاً:

“أيها الناس رسول اللَّه كان هو الإمام ومن بعده علي بن أبي طالب وبعده الحسن وبعده الحسين ومن ثم علي بن الحسين ومحمد بن علي وبعدها هاه”.

ويكرر هذه الكلمات اثنا عشر مرة.

يقول الراوي سألت ما معنى هاه، قال معناها في لغة (لهجة) بني فلان (أنا) كناية للإشادة عن نفسه عليه السلام يعني بعد:

“محمد بن علي عليه السلام أنا الإمام…”.”.

الإمام موسى الكاظم عليه السلام

يقول القائد دام ظله:

“… فأحياناً كانت كلمات الأئمة عليهم السلام تطرح أموراً ليست بالبسيطة والعادية بل تتعلق بهدف محدد ومشروع خاص كان هو نفسه استراتيجية الإمامة. ومن جملة هذه الموارد، الحوار الذي دار بين الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، وهارون الرشيد، حول ما يتعلق بمسألة “فدك”.

ففي أحد الأيام قال هارون للإمام الكاظم عليه السلام: ” حدّ فدكاً حتى أردها إليك” وكان هدفه من وراء هذا العمل أن يسلب تأثير هذا الرمز ” فدك” الذي كان أهل البيت عليهم السلام يطرحونه دائماً كدليل وشاهد على مظلوميتهم التاريخية، فبإرجاعه ” لفدك” يسحب هذا السلاح من أيديهم. ولعله أيضاً يصبح مميزاً، بنظر الشيعة، عن أولئك السلاطين الذي استمروا بغصب ” فدك” والإمام في البداية امتنع عن تنفيذ هذا الطلب ولكن بعد إصرار هارون قال الإمام عليه السلام: “لا آخذها إلا بحدودها” . فقبل هارون بذلك، فبدأ الإمام بذكر تلك الحدود قائلاً: “أما الحد الأول فعدن” ، فتغير وجه هارون، وقال: إيه!! تابع الإمام عليه السلام: “والحد الثاني سمرقند، أي الحدود الشرقية لأراضي حكومة هارون فاربد وجهه، فتابع الإمام عليه السلام وقال: “الحد الثالث أفريقيا، ويعني تونس” أي الحدود الغربية للبلاد.د

يقول الراوي:

“فاسودّ وجه هارون وقال: هيه!! عندها أنهى الإمام عليه السلام كلامه وقال: “والحد الرابع سيف البحر مما يلي الجزر وأرمينيا” ، أي الحدود الشمالية.

عندها قال هارون غاضباً مستهزئاً: فلم يبق لنا شي‏ء. فتحول إلى المجلس. فقال الإمام عليه السلام: “قد أعلمتك أنني إن حددتها لن تردّها، وكما جاء في نهاية هذه الرواية: “فعند ذلك عزم على قتله”12.

في هذا الحوار يظهر أهم مطلب للإمام موسى الكاظم عليه السلام والذي كان كافياً حتى يقرر هارون الرشيد قتله، وكذلك الأمر، فإن مطالب الأئمة عليهم السلام الواضحة في حياة الإمام الباقر والإمام الصادق والإمام الرضا عليهم السلام بحيث أنها لو جُمعت سترسم استراتيجية الإمامة…”.

الإمام الرضا عليه السلام

يقول القائد دام ظله:

“.. كان تشكيل مجالس المناظرات مع أي شخص عنده أقل أمل في أن يتفوق على الإمام، واحدة من الإجراءات التي مارسها المأمون. ولما كان الإمام عليه السلام يتفوق ويغلب مناظريه من مختلف الأديان والمذاهب في كافة البحوث كان يذيع صيته بالعلم والحجة القاطعة في كل مكان، وفي مقابل ذلك كان المأمون يأتي بكل متكلم من أهل المجادلة إلى مجلس المناظرة مع الإمام لعل أحداً منهم يستطيع أن يغلب الإمام‏عليه السلام وكما تعلمون فإنه كلما كانت تكثر المناظرات وتطول كانت القدرة العلمية للإمام عليه السلام تزداد وضوحاً وجلاءاً.

وفي النهاية يئس المأمون من تأثير هذه الوسيلة (لإسقاط الإمام الرضا عليه السلام من مقامه). وحاول أن يتآمر لقتل الإمام كما تذكر الروايات من خلال حاشيته وخدم الخليفة.

وفي إحدى المرات وضع الامام في سجن سرخس (منطقة شمال شرق إيران) لكن هذا لم يكن نتيجته إلا إيمان الجلاوزة والسجانين أنفسهم بالمقام المعنوي للإمام.

وهنا لم يجد المأمون العاجز والغاضب أن يكلف أي أحد وقام بذلك فعلاً، ففي شهر صفر من سنة 203هـ؛ …قام المأمون بجريمته العظيمة التي لا تنسى وهي قتل الإمام عليه السلام…”.

في الإمام الجواد ومن بعده عليه السلام:

يقول القائد دام ظله:

“حسب رأيي أن المحن والمشكلات التي واجهت أهل البيت عليه السلام بلغت ذروتها في زمن الإمام الجواد عليه السلام وشملت عصور الأئمة الذين جاءوا من بعده”.

المهدي عليه السلام

يقول القائد دام ظله:

“إن قضية المهدوية من القضايا الأساسية في الإسلام ولا ينفرد بها الشيعة دون سواهم، وإن تذهب الفرق الإسلامية بأجمعها إلى أن المهدي عليه السلام من النسل الطيب الطاهر لرسول الله‏صلى الله عليه وآله وسلم وإنه سيملأ العالم قسطاً وعدلاً وسيظهر لإقامة دين الله وبسط الحق.

كما يعتقد غير المسلمين على نحو آخر بمستقبل مشرق للبشرية يتحقق خلال قضية مهدوية.

أما الخاصية التي تتفرد بها العقيدة الشيعية في هذا المجال فهي عدم وجود أي غموض فيها لأن الشيعة يحيطون بكل تفاصيل هذا الموضوع وعلى معرفة تامة بشخصية المهدي عليه السلام، فنحن نعرف وليّنا وسيّدنا وإمامنا، وسيد العالمين، ونعرف أباه وأمه وتاريخ ولادته وكل ما يتعلق بولادته المباركة، وهناك من نقلوا هذه القضايا بأخبار صادقة موثّقة. وهذه الأمور كلها واضحة لدينا ولا لبس فيها. ومعنى هذا أننا على بينة بمن نحب ومن نؤمن ونعتقد بأن إمامنا المعصوم، بقية عترة الرسول وأهل البيت عليهم السلام، قائماً طوال الأزمنة الأخيرة بين المجتمعات البشرية، وهو موجود اليوم بين ظهرانينا، إلا أن الحكمة الإلهية اقتضت أن نعيش هذا الانتظار الكبير، وأن يعيش الإمام ذاته مثل هذا الانتظار أيضاً، انتظار ذاك اليوم الذي يظهر فيه بصفته كنهضة الأنبياء تنتهي بنصر ساحق على جبهة الكفر والنفاق، وينقذ العالم من الظلم والجور والتمايز والتسلط والاستغلال، وسيأتي هذا اليوم ويتحقق هذا الوعد….

إن هذه العقيدة ستكون بالنسبة للشيعة فيما إذا فهموها على حقيقتها وتعاملوا معها كما ينبغي مصدر فيض ونور، كما أنها توجب أيضاً على كل مسلم وعلى كل مؤمن بها وعلى كل شيعي أن يسعى فكراً وعملاً للحفاظ على علاقته المعنوية والفكرية بإمام زمانه، وتربية وتهذيب ذاته بالشكل الذي يبعث الرضا في نفس هذا الإمام المعصوم..

أضف إلى ذلك أن لهذه العقيدة آثاراً وخصائص ذات أهمية بالغة بالنسبة لجميع الشعوب ومنها شعبنا، ومن أهم هذه الخصائص والآثار هو الأمل بالمستقبل، ليعلم كل شيعي أن بساط الظلم والجور والتسلط الموجود اليوم في العالم سيطوى ذات يوم وقد يكون قريباً جداً، أو قد يكون بعيداً، إلا أنه على كل الأحوال سيأتي قطعاً…..

خاتمة

أهل البيت عليهم السلام ليسوا أشخاصاً يعيشون عصرهم وينتهون، وكذلك هم ليسوا أشخاصاً كباقي الناس، يهتمون بهوامش الحياة، وليس لهم المشاريع الكبرى.

فهم ليسوا أفراداً في أمة، بل كلّ‏ُ واحد منهم كان أمة في رجل.

فعلينا أن نفهم جيداً، ونتعامل معهم التعامل اللائق، ونقدِّرهم التقدير الواقعي.

لقد ظلم الأئمة عليهم السلام من التاريخ، وكذلك ممن ينتسبون إليهم، وعاشوا الغربة المؤلمة.

يقول القائد دام ظله:

“إن غربة الأئمة لم تقتصر على الفترة الزمنية التي عاشوها في حياتهم، وإنما استمرت ولعصور متمادية من بعدهم، والسبب في ذلك يرجع إلى إهمال الجوانب المهمة، بل والأساسية من حياتهم.

من المؤكد أن هناك كتباً ومؤلفات كثيرة قد حظيت بمكانة رفيعة وقديرة، وذلك لما حملته بين طيّاتها من روايات تصف حال الأئمةعليهم السلام.

ولما نقلته للأجيال المتعاقبة من أخبار تصف سيرتهم، ولكن عنصر المواجهة والجهاد المرير والذي يمثل الخط الممتد للأئمة عليهم السلام طوال 250 سنة من حياتهم كان قليل الذكر في هذه الروايات التي تضمنت فقط عناوين أخرى كالجوانب العلمية أو المعنوية من سيرتهم.

يجب علينا أن ننظر إلى حياة الأئمة عليهم السلام كأسوة وقدوة نقتدي بها في حياتنا لا كمجرد ذكريات قيمة وعظيمة حدثت في التاريخ.

وهذا لا يتحقق إلا بالاهتمام والتركيز على المنهج والأسلوب السياسي من سيرة هؤلاء العظماء عليهم السلام.

فأهل البيت عليهم السلام علماء وعابدون وأتقياء ومجاهدون وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر؛ وبكلمة إنهم معصومون كاملون، استغرقوا في طاعة الله وحبِّه، وذابوا في الإسلام والقرآن، فكانوا كما قال تعالى:

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً﴾13.

وبذلك كانوا خير قدوة ومثل.

فلنكن كما هم، وإن لم نستطع ولن نستطيع، كما يقول الإمام علي‏ عليه السلام:

“إنكم لا تقدرون على ذلك”.

فما العمل يا أمير المؤمنين ويأتي تكملة قوله عليه السلام:

“أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّة وسداد”14.

* خطوط عامة من سيرة الأئمة عليهم السلام، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏138.
2- نهج البلاغة، ج‏3، ص‏72 (شرح الشيخ محمد عبده) دار المعرفة.
3- مستدرك سفينة البحار، ج‏10، ص‏583.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج‏2، ص‏116.
5- الغدير، ج‏3، ص‏18.
6- وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏368.
7- الأحزاب:33.
8- بحار الأنوار، ج‏45، ص‏218.
9- الكافي، ج‏8، ص‏15.
10- الكافي، ج‏8، ص‏15.
11- بحار الأنوار، ج‏46، ص‏258.
12- بحار الأنوار، ج‏29، ص‏201.
13- الأحزاب:33.
14- بحار الأنوار، ج‏33، ص‏474.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل