ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي نصّ الحوار الذي أجراه مع الباحث السياسي الدكتور بلال اللقيس تحت عنوان: «التوسّع مرتكز ثابت في هوية الكيان الصهيوني / “إسرائيل” كالنار تحتاج دومًا أن تلتهم ما حولها لتستمر». يتناول الحوار الخلفيات العقائدية لمشروع التوسّع الإسرائيلي، ويكشف أنّ هذا الكيان لا يشكّل مصدر أمن، لا لنفسه ولا لحلفائه، بل هو عامل دائم للتوتر والعدوان في المنطقة. يؤكد الدكتور اللقيس أنّ التوسّع جزء من فلسفة وجود “إسرائيل”، وأنّ مواجهة هذا المشروع تتطلب صمودًا شعبيًا وثباتًا رسميًا، وإلّا فإنّ الاستسلام أمامه لا يجلب إلا المزيد من الإذلال والتبعية.
بالنظر إلى الوثائق الموجودة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، التي تشير إلى استمرار حروب هذا الكيان منذ تأسيسه من أجل توسيع حدوده، ما مدى جدّية هذا التهديد اليوم بالنسبة إلى دول المنطقة، خصوصًا وسط تحرّكات الكيان الصهيوني الراهنة؟
توسعة الحدود هي عقيدة للكيان الصهيوني يتلاقى عليها الجميع، مع فارق أن القوميين والدينيين يعطون القيمة الأساسية للتوسع الجغرافي بينما الأطراف الأخرى لا تمانع التوسع الجغرافي، ولكنها تفترض إمكانية الهيمنة عبر محورية “إسرائيل” في المنطقة. أقصد القول إن التوسع هو مرتكز ثابت في هوية الكيان وهو فلسفة وجوده. الكيان كالنار تحتاج دومًا أن تلتهم ما حولها لتستمر.
التهديد ليس جديًا فقط، بل إنه واقع، حيثما وجد الكيان نقطة ضعف في الجسد سرعان ما يتوسع ويضرب خلاياها ويسيطر عليها. لذلك كل جهة من جسد المنطقة وكل عضو فيها مهدد بالانتهاء إذا لم يمتلك مقومات الصمود والمناعة والردع الذاتي. أظن ان الجسد الإسلامي لا يزال قائمًا على مستوى الشعوب، ولكنّ مفاصل تشغيل الأعضاء، أي الحكومات، هي المعطلة وهي التي تؤثر سلبًا في حالة المريض عامة.
يُطرح مفهوم «التوسّع الإقليمي» منذ بداية تشكيل الكيان الإسرائيلي في تصريحات قادته بأشكال مختلفة، وشهدنا ميدانيًا احتلال أجزاء من أراضي الدول المجاورة لفلسطين المحتلّة. هل يمكن لهذا التوجّه أن يُحدث خللًا في مسار استفادة الدول المُطبّعة من علاقتها مع تل أبيب؟
رغم أن المطبعين كانوا يبررون تطبيعهم أنهم إذا ساروا هذا المسار فسوف يحمون فلسطين والأمة، ولكن ثبت العكس، فالتطبيع شجع “إسرائيل” على استكمال إذلال العرب وكثيرين غيرهم. العرب بدؤوا بالأرض مقابل السلام ثم السلام مقابل السلام ثم الاستسلام مقابل السلام ثم السلام مقابل الأرض… هكذا وصلت بنا الحال، والأسباب معلومة والحجة قائمة… ناهيك بأن الدول التي أقدمت على التطبيع لم تستفد شيئًا من الكيان الصهيوني. خذ نموذجًا الأردن ومصر وأخيرًا الإمارات والبحرين والمغرب وغيرها، ما هي النتيجة التي تحققت، ما هي المكاسب؟ ازدادت تبعية ورهقاً، وأصبحت تلوذ بأميركا لحمايتها من “إسرائيل”! هنا العجب! الحقيقة أن أميركا تتلاعب بها وتخدعها كما حدث في مرحلة سايكس بيكو عندما خدع الغرب الشريف حسين والعرب ومرر دولة صهيونية في قلب عالمنا الإسلامي. أنظمة الغرب همها واحد هو كيفية تحقيق طموحات الكيان ومصالحه على حساب العرب والمسلمين.
مع الأخذ في الحسبان السياسات العدوانية للكيان الصهيوني في المنطقة، ولا سيّما بعد السابع من أكتوبر، إذ شنّ عدوانًا على غزّة ووسّع دائرة اعتداءاته لتشمل لبنان واليمن وسوريا وحتى إيران، هل يمكن عدّ العلاقة مع كيان يرى بقاءه مرهونًا بإشعال الحروب مصدرًا للأمن بالنسبة إلى الفاعلين الذين اختاروا طريق التطبيع مع تل أبيب؟
في وجود الكيان الصهيوني لا يمكن أن يحدث استقرار، لأنه لن يقبل بدولة مستقلة وسيدة فعلًا، لأن وجود مثل هذه الدولة سيكون بمنزلة قطب يجتذب الإقليم إليه دون “إسرائيل”، إلا إذا كانت الدولة تابعة للغرب، أي إذا كانت غيرسيدة. لذلك ستبقى مشكلة “إسرائيل” قائمة مع أي دولة لديها هذا التوجه. النموذج الإيراني هو أهم الشواهد، لأن الكيان لا يقبل بإيران ذات معرفة نووية ولا بدولة ذات قوة واقتدار فعليين ومحورية مستقلة في سياساتها وتقديرها ولا تخضع لرؤية أحد في الخارج ولا لإكراهات أحد في الخارج. مشكلة “إسرائيل” أنها لا تتحمل نموذجًا خاصًا وفريدًا كإيران، لذلك تعمل دومًا بالتنسيق مع الغرب على إجهاض تجربة إيران الإسلامية بالأساليب الممكنة كافة، التي كانت جولة الـ 12 يومًا نموذجًا منها.
“إسرائيل” كيان يأتي بالتوتر، وعلينا أن نتذكر دومًا كيف أن الذي يساير الكيان ويتنازل أمامه سيخسر ويتراجع أكثر. لقد بدأ العرب بالتنازل الأول أمام الكيان في مطلع التسعينيات عندما قدموا رؤية عنوانها: الأرض مقابل السلام… لكن سرعان ما صار السلام مقابل الاستسلام، ثم السلام مقابل الأرض الذي وصلنا إليه اليوم. ذاك كله يؤكد ضرورة الوقوف بثبات أمام الكيان وراعيه الأمريكي والثبات أمامه.
لم تعد تبعية الكيان الصهيوني للولايات المتحدة خافية على أحد؛ خاصة بعد الحرب التي استمرّت 12 يومًا بينه وبين جمهوريّة إيران الإسلاميّة، والتي تبيّن فيها بوضوح أنّ تل أبيب لجأت إلى واشنطن للخروج من الحرب. في مثل هذه الظروف، هل يمكن لكيان يعتمد على قوى أخرى أن يكون قادرًا على توفير أمن الأنظمة السياسية الأخرى، وخصوصًا في العالم العربي؟
السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن الكيان الصهيوني يشكل جهة حماية موثوقة للمطبعين معه؟ لم يكن الكيان يومًا مصدر أمان. بعدما دخل لبنان لحماية المسيحيين، سرعان ما تركهم لمصيرهم، وبعد أن طبع علاقاته مع مصر والأردن، سرعان ما اتجه ليجعل حل صراعه بتهجير أهل غزة إلى سيناء والأردن، مهددًا بذلك أمن البلدين وضاربًا الاتفاقيات معهما عرض الحائط، والأمثلة لا تحصى.
لكن المهم اليوم أن الكيان ثبت عجزه عن حماية نفسه أولًا، ليستطيع حماية غيره ثانيًا. تجلى ذلك بوضوح شديد في المواجهة الأخيرة بينه وبين جمهورية إيران الإسلامية، إذ اتضح حجم الأزمة والعجز عند الكيان أمام قوة حقيقية وشعب متماسك وعنيد ويحترم ذاته ومكانته وفخور بهويته الإيمانية كالشعب الإيراني. سرعان ما ظهر أن الكيان لا يستطيع أن يصمد لأسابيع في مواجهة حقيقية. ليس هذا فحسب ط، بل إنه عجز أن يحسم معركته مع اليمن ولبنان وغزة رغم ما فعله كله من إجرام حتى اليوم.
لذلك الزمن سيكشف أن الكيان لا يمكن أن يكون ملاذًا آمنًا لساكنيه من المستوطنين الذين بدؤوا منذ مدة بالهجرة العكسية بأعداد وصلت إلى مليونين بحسب بعض الدراسات، فضلًا عن هجرة هائلة للنخب والمتخصصين، كذلك آخر الاستطلاعات أفادت أن ما يقرب من 66/100 من الناس في الكيان لم يعودوا يرون مستقبلًا لدولتهم بحسب “معاريف”. لذلك إن الكيان الذي لا يستطيع أن يشكل أمانًا لقاطنيه ومستوطنيه واطمئنانًا لهم، فلن يشكل حماية أو طوق نجاة لغيره.