لمحة عن حياة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)

لمحة عن حياة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)

ولد الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليهما السلام) يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة (128 هـ) في مدينة الأبواء بين مكّة والمدينة. أبوه الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، وأمّه يُقال لها حميدة. وقد روي عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) أنّه قال في حقّها: “حميدة في الدنيا، محمودة في الآخرة”[1]. وكان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) شديد الحبّ لابنه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) حتّى قيل له يوماً: ما بلغ بك من حبّك ابنك موسى؟ قال (عليه السلام): “وددت أن ليس لي ولد غيره حتّى لا يشركه في حبّي له أحد”[2].

وكان من ألقابه (عليه السلام) العبد الصالح، الصابر، الأمين، باب الحوائج، ذو النفس الزكية، زين المجتهدين، الوفيّ، المأمون، الطيّب، والكاظم، والأخير من أشهر ألقابه، وذلك لكثرة كظمه الغيظ وعدم دعائه على أعدائه مع ما لقي منهم من الأذى، وكان يُحسن إلى من يُسيء إليه[3].

وأمّا كنيته فهي: أبو إبراهيم، أبو عليّ، أبو إسماعيل وأبو الحسن الأوّل، وهو أشهرها.

وقد تسلّم الإمامة بعد شهادة أبيه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) في سنة 148 هـ، إلى سنة 183 هـ، واستمرّت إمامته 35 سنة.

وولد له من الأبناء عليه السلام سبعة وثلاثون ولداً ذكراً وأنثى منهم: الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، وإبراهيم، والعباس، والقاسم، وإسماعيل، وجعفر، وهارون، والحسين، وفاطمة الكبرى، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وحكيمة، ونقتصر على ذكر أسماء هؤلاء[4].

وكان الإمام (عليه السلام) قد أوصى قبل شهادته بالإمامة إلى ابنه الإمام عليّ الرضا (عليه السلام)[5]. واستشهد الإمام الكاظم (عليه السلام)، مسموماً ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة (183 هـ). وهو ابن أربع وخمسين سنة، ودفن ببغداد في مقابر قريش.

ثانياً: عبادته وتقرّبه لله
كان الإمام (عليه السلام) أعبد أهل زمانه. وروي أنّه كان يقوم الليل للتهجّد والعبادة حتّى الفجر فيُصلّي صلاة الفجر ويبدأ بالتعقيب إلى طلوع الشمس، ثمّ يظلّ ساجداً إلى قبيل الزوال. وكان كثيراً ما يقول: “اللهمّ إنّي أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب”[6]، ويُكرّر هذا الدعاء.

وكان من دعائه أيضاً: “عظُم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك”[7].

وكان (عليه السلام) يبكي من خوف الله كثيراً حتّى تجري دموعه على لحيته[8]. وقد ورد في زيارته ما يشير إلى شدّة عبادته وتقرّبه لله عزّ وجلّ، “اللهمّ صلّ على محمد وأهل بيته وصلّ على موسى بن جعفر وصيّ الأبرار، وإمام الأخيار، وعيبة الأنوار، ووارث السكينة والوقار والحكم والآثار، الذي كان يحيي الليل بالسهر إلى السحر، بمواصلة الاستغفار، حليف السجدة الطويلة، والدموع الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتّصلة الجميلة”[9].

ودخل في إحدى المرّات مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في أوّل الليل، وسُمع يقول في سجوده: “عظم الذنب عندي فليحسن العفو عندك، يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة”، فجعل يردّدها حتّى أصبح[10].

ثالثاً: مكارم أخلاقه
اشتهر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بعظيم شأنه، وكثرة اجتهاده وعبادته لله سبحانه وتعالى. وكان مواظباً على العبادات، مشهوراً بالكرامات، يبيت الليل ساجداً وقائماً، ويقطع النهار متصدّقاً وصائماً. ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدي عليه دُعي كاظماً، وكان الإمام (عليه السلام) يجازي المسيء بإحسانه إليه، ويقابل الجاني بعفوه عنه. ولكثرة عبادته كان يسمّى بالعبد الصالح، ويعرف بالعراق بباب الحوائج إلى الله لنجح مطالب المتوسّلين إلى الله تعالى به، وكان أفقه الناس في زمانه، وأسخاهم وأكرمهم[11].

وكان أكثر صلة لرحمه من غيره، وأكثر صلة لفقراء المدينة حتّى أنّه كان يحمل إليهم كلّ ليلة الذهب والفضة والخبز والتمر، وهم لا يعرفونه. ومن كرمه إعتاقه ألف مملوك[12].

كان الإمام (عليه السلام) معروفاً بالسخاء والكرم، وكان يبلغه عن الرجل أنّه يؤذيه فيبعث إليه بصرّة فيها ألف دينار. وكان يصرّ الصرر ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثمّ يقسمها بالمدينة. وكان الرجل الذي تأتيه صرّة من الإمام عليه السلام يستغني بها عن الناس[13].

* من كتاب: دروس تمهيدية في سيرة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) – جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة


[1] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، 476، باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام.
[2] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 75، ص 209.
[3] ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ، ج 6، ص 164.
[4] الشيخ المفيد، محمد بن النعمان، الإرشاد، ج 2، ص 244، الشيخ الطبرسي، الفضل بن الحسن، تاج الموليد، ص 47.
[5] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج 1، ص 311، باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه السلام.
[6] الكافي- الشيخ الكليني-ج3-ص323
[7] الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمة، ج 3، ص 20.
[8] الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1422 هـ، ط 5 ، ج 2، ص 291 .
[9] العلامة المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 99، ص 17.
[10] الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد، ج 13، ص 29.
[11] محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق: ماجد بن أحمد العطية، لا.ت، لا.ط، ص 447.
[12] الشيخ عباس القمي، منتهى الآمال، ج 2، ص 291.
[13] الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد، ج 13، ص 29.

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل