صلاةِ الجماعةِ من السُننِ المؤكَّدةِ ولم تَحظَ سُنةٌ من سُننِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله) بما حظيتْ به هذه السُنّةُ من التأكيدِ، فهي مضافاً إلى ورودِ الأمر بها في القرآنِ الكريمِ، فقد وردَ الأمرُ بها والحضُّ عليها والتشديدُ على أهميَّةِ الإلتزامِ بها في الكثيرِ من الرواياتِ بما يفوق حدَّ التواتر.
أول صلاة جماعة في الاسلام:
قال الامام الصادق (عليه السلام): أوَّل جماعة كانت أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) معه ، إذ مرَّ به أبو طالب وجعفر معه فقال: يا بنيَّ !.. صل جناح ابن عمك ، فلمّا أحسَّ رسول الله (ص) تقدّمهما وانصرف أبو طالب مسروراً إلى أن قال : فكانت أول جماعة جمعت ذلك اليوم.
صلاةُ الجماعةِ في القرآن الكريم:
أمَّا ما وردَ من الأمرِ بها في القرآنِ الكريمِ فقولُه تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾( سورة البقرة / 43).
فقد ذكرَ العديدُ من المفسِّرينَ والفقهاءِ انَّ المرادَ من قولِه تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ هو الأمرُ بأداءِ الصلاةِ في جماعةٍ.
ويُعبِّرُ عن عظيمِ فضلِ الصلاةِ في جماعةٍ أنَّها تظلُّ مشروعةً وراجحةً حتى في ظرفِ الحربِ والخوفِ من مباغتةِ العدوِّ كما هو مقتضى ما أفادَه القرآنُ الكريمُ في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً﴾( سورة النساء / 101-102).
فهذه الآياتُ تأمرُ بأخذِ الحَيطةِ والحذرِ حين اقامةِ الصلاةِ جماعةً في ظرف الخوفِ والحربِ، فتُصلِّي طائفةٌ من المسلمينَ مع الإمامِ في جماعةٍ ويحرسُهم الباقونَ، فإذا أتمَّ الإمامُ ركعةً قاموا فأتمُّوا الثانيةَ فرادى، فإذا انصرفوا من الصلاة أخذوا موقعَ اخوانِهم في الحراسةِ والتحقَ من كانوا في موقعِ الحراسةِ بالإمامِ في الركعةِ الثانيةِ، وبذلك يُدركُ الجميعُ فضلَ أداءِ الصلاةِ جماعةً.
فهذا الحِرصُ من القرآنِ على أداءِ الصلاةِ جماعةً حتى في مثلِ ظرفِ الحربِ والخوفِ وحرصِه على أنْ يحظى الجميعُ بأداءِ الصلاةِ جماعةً يُعبِّرُ عن عظيمِ فضلِ الصلاةِ في جماعةٍ.
صلاة الجماعة في السنَّةِ الشريفة:
فقد وردَ في فضلِ صلاةِ الجماعةِ عن الرسولِ (ص) وأهلِ بيتِه (ع) الكثير من الروايات، وسوف نستعرض البعض منها:
صلاةَ الجماعةِ تفضُلُ صلاة الفردِ بأربع وعشرينَ درجةً:
ما دلَّ على أنَّ صلاةَ الجماعةِ تفضُلُ صلاة الفردِ بأربع وعشرينَ درجةً، وقد نصَّتْ على هذا المعنى العديدُ من الرواياتِ:
منها: صحيحةُ عبدِ اللهِ بن سنان قال: “قال أبو عبد الله الصادق (ع): “الصلاةُ في جماعةٍ تفضلُ على صلاةِ الفذِّ بأربعٍ وعشرينَ درجةً” والفذُّ هو الفردُ.
ومنها: معتبرةُ زرارة قال: قلتُ لأبي عبد الله (ع): ما يروي الناسُ أنَّ الصلاةَ في جماعةٍ أفضلُ من صلاةِ الرجلِ وحدَه بخمسٍ وعشرينَ صلاة، فقال: صدقوا”، فقلتُ الرجلانِ يكونانِ جماعة؟ فقال: نعم، ويقومُ الرجلُ عن يمينِ الإمام”.