في ذكرى استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام) الإمام التاسع لدى شيعة أهل البيت (عليهم السلام) الذي كثرت كراماته من الخير والبر والإحسان بين عموم الناس، واشتهر بالتقي الذي اتقى الله وأناب إليه واعتصم به.
فلم یستجب لأي داع من دواعي الهوى وباب المراد عند عامة المسلمین الذين آمنوا بأنه باب من أبواب الرحمة الإلهیّة التي یلجأ إلیها الملهوفون وذوو الحاجة لدفع ما ألّم بهم من مكاره الدهر وفجائع الأیام.
وسنذكر لكم في هذه المادة نبذة عن حياة الإمام محمد الجواد (عليه السلام) المباركة.
نسبه السامي
هو ابن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الکاظم بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي السجاد بن الإمام الحسین بن الإمام علي (علیهم السلام) وهذه هي السلسلة الذهبیة التي لو قرأت على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عز وجل -كما یقول المأمون أحد الخلفاء العباسیين-، ومن هذه الشجرة الطیبة الكریمة على الله والعزیزة على كلّ مسلم تفرّع الإمام محمد الجواد (علیه السلام).
وكنّى الرضا (علیه السلام) ولده محمد الجواد بأبي جعفر وهي ككنیة جدّه الإمام محمد الباقر (علیه السلام).
وكان للإمام الجواد ألقاب منها: الجواد والتقي والقانع والمرتضى والرضي، والمختار والمتوكل والزكي وباب المراد.
ولادة الإمام أبي جعفر الجواد (علیه السلام) كانت في 19 من شهر رمضان سنة 195 هجري.
ذكائه وعبقریته
وملك الإمام محمد الجواد (علیه السلام) في سنه المبكر من الذكاء والعبقریة ما یثیر الدهشة ویملك النفس إكباراً وإعجاباً وقد ذكر المؤرّخون بوادر كثیرة من ذكائه كان من بینها ما یلی:
ما حدّث به المؤرخون أن المأمون قد اجتاز في موكبه الرسمي في بعض شوارع بغداد على صبیان یلعبون وكان الإمام الجواد واقفاً معهم فلما بصروا بموكب المأمون فرّوا خوفاً منه سوى الإمام (عليه السلام) فإنه بقی واقفاً فبهر منه المأمون وكان لا یعرفه فقال له:
(هلا فررت مع الصبیان…؟)
فأجابه عليه السلام:
(یا أمیر المؤمنین لم یكن الطریق ضیق فأوسعه لك ولیس لي جرم فأخشاك والظنّ بك حسن أنّك لا تضرّ من لا ذنب له..)
وعجب منه المأمون وسأله عن نسبه فأخبره به فترحّم على أبیه.
ومن آیاته نبوغه المذهل أنّه في سنه المبكر قد سأله العلماء والفقهاء عن ثلاثین ألف مسألة فأجاب عنها.. ولا مجال لتعلیل هذه الظاهرة إلاّ بالقول إنّ الله تعالى قد منح أئمة أهل البیت (علیهم السلام) طاقات مشرقة من العلم لم یمنحها إلاّ لأولی العزم من أنبیائه ورسله.
انطباعات عن شخصیّته
وملكت مواهب الإمام محمد الجواد (علیه السلام) عواطف العلماء فسجّلوا إعجابهم وإكبارهم له في مؤلّفاتهم وفیما یلي بعض ما قالوه:
1 – الذهبي
(كان محمد یلقّب بالجواد، وبالقانع، والمرتضى، وكان من سروات آل بیت النبی (صلى الله علیه وآله).. وكان أحد الموصوفین بالسخاء فلذلك لقّب بالجواد..).
2 – ابن تیمیّة
(محمد بن علي الجواد كان من أعیان بني هاشم وهو معروف بالسخاء ولهذا سمّي بالجواد).
3 – الصفدي
(كان محمد یلقّب بالجواد، وبالقانع، وبالمرتضى، وكان من سروات آل بیت النبوة.. وكان من الموصوفین بالسخاء، ولذلك لقّب بالجواد..).
4 – ابن الجوزي
(محمد الجواد كان على منهاج أبیه في العلم والتقى والجود).
5 – محمود بن وهیب
(محمد الجواد هو الوارث لأبیه علماً وفضلاً وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً..).
6 – الزركلي
(محمد بن الرضی بن موسى الكاظم، الطالبي، الهاشمي، القرشي، أبو جعفر، الملقّب بالجواد، تاسع الأئمة الاثنی عشر عند الإمامیة كان رفیع القدر كأسلافه ذكیاً، طلیق اللسان، قوي البدیهة..).
7 – كمال الدین
(أما مناقب أبي جعفر الجواد فما اتّسعت حلبات مجالها ولا امتدّت أوقات آجالها بل قضت علیه الأقدار الإلهیّة بقلّة بقائه في الدنیا بحكمها وأسجالها فقلّ في الدنیا مقامه وعجّل القدوم علیه كزیارة حمامة فلم تطل بها مدّته ولا امتدّت فیها أیامه).
8 – علي بن عیسى الأربلي
الإمام الجواد(ع) في كلّ أحواله جواد، وفیه یصدق قول اللغوي جواد من الجودة.. فاق الناس بطهارة العنصر، وزكاء المیلاد، وافترع قلّة العلاء فما قاربه أحد ولا كاد مجده، عالي المراتب، ومكانته الرفیعة تسمو على الكواكب، ومنصبه یشرف على المناصب، إذا أنس الوفد ناراً قالوا: لیتها ناره، لا نار غالب له إلى المعالي سمو، وإلى الشرف رواح وغدو، وفي السیادة إغراق وعلوّ وعلى هام السماك ارتفاع وعلوّ، وعن كلّ رذیلة بعد، وإلى كلّ فضیلة دنو، تتأرج المكارم من أعطافه ویقطر المجد من أطرافه، وترى أخبار السماح عنه، وعن أبنائه وأسلافه، فطوبى لمن سعى في ولائه، والویل لمن رغب في خلافه، إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي كان له صفایاها، وإذا امتطیت غوارب السؤدد كان له أعلاها وأسماها، یباري الغیث جوداً وعطیة، ویجاري اللیث نجدة وحمیة، ویبذ السیر سیرة رضیة.
هذه بعض الكلمات التي أدلى بها كبار المؤلّفین، وهي تمثّل إعجابهم بمواهب الإمام (عليه السلام) وعبقریاته وما اتّصف به من النزعات الشریفة التي تحكي صفات آبائه الذین رفعوا مشعل الهدایة في الأرض.
واستشهد الإمام محمد بن علي بن موسى الرضا في التاسع والعشرين من ذي القعدة عام 220 ﻫ، بالسم على يد زوجته أم الفضل بتحريض من الخليفة العباسي المعتصم، وعمره الشريف 25 سنة ومدة إمامته 17 سنة.