خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه العاملين على إقامة الملتقى الوطني لـمتغيّرات السكان ودورها في مختلف تطورات المجتمع1 _02/11/2013
من أجل تطور البلاد : لثقافة سكانية تعالج اسباب خفض الإنجاب
بسم الله الرحمن الرحيم
السياسة العامة للبلاد : لزيادة عدد السكان
قضية السكان التي تُطرح بجدّ في المجتمع ــ وثمة بشأنها اختلافات في وجهات النظر ــ قضية على جانب كبير من الأهمية. لا ريب أنه من زاوية السياسة العامة للبلاد يجب أن تتقدم البلاد نحو زيادة عدد السكان؛ طبعاً على نحو معقول و معتدل. جميع الإشكالات والمؤاخذات التي تُطرح – و قد اطلعنا على بعض الإشكالات التي طرحوها – ممكنة الرفع والمعالجة ويمكن الإجابة عنها.
المهم هو أن البلد بإمكانياته و استيعابه الطبيعي و خصوصياته الجغرافية السياسية يحتاج إلى عدد أكبر من السكان. بالإضافة إلى ذلك – و كما سبق أن قلت – فإن الوجه الشاب للبلد قضية أساسية و مهمة و حاسمة. كما درس و ناقش أهلُ العلم و البحث و التحقيق و لاحظوا جوانب القضية المتعددة، و دققوا في الإحصائيات و الأرقام، فإننا إذا واصلنا السير على نفس هذه الشاكلة التي نسير عليها اليوم، فسنكون في المستقبل غير البعيد كثيراً؛ بلداً عجوزاً، و معالجة مرض الشيخوخة هذا غير متاحة في الواقع. و ليس الأمر أنها غير متاحة بالنسبة لنا، بل هي غير متاحة لأي طرف من الأطراف. بمعنى أن البلدان التي أصيبت حالياً بالشيخوخة و فقدت قدرتها على التناسل و التكاثر، لا يمكن القول – إلّا بصعوبة – إنها تمتلك حلاً و علاجاً لهذه المشكلة. و نحن أيضاً سنواجه هذه المشكلة طبعاً، و يجب أن لا نسمح للأمور بالوصول إلى هذا الحد. و بالطبع فإن الركائز الإسلامية و الفكر الإسلامي بخصوص السكان و زيادة عدد السكان و بالنظر لوضع الجغرافيا السياسية في المنطقة و بلد الجمهورية الإسلامية، أمر واضح و جلي.
الحاجة إلى ثقافة سكانية تشجع على ” التكاثر السكاني “
الملتقى الذي تعتزمون عقده أيها السادة اعتقد أنه من الأعمال الجيدة جداً. أي إننا لا نريد لهذه القضية أن تنتهي بمجرد الشعارات و الصلوات و ما إلى ذلك، إنما نريد للمسألة أن تعالج بشكل عميق و علمي. يجب حل العقد الذهنية الموجودة في هذا المضمار. يجب إيضاح وإجلاء حقيقة القضية، و اعتقد أننا نستطيع فعل هذا. أي إن مفكرينا و علماءنا ممن لهم صلة بقضايا السكان يستطيعون تقديم و عرض منطق صحيح و مقبول. و هذا الملتقى بطبيعة الحال هو الخطوة الأولى و الابتدائية، لكنه في رأيي أهم من سنّ القوانين2. لأن صناعة الثقافة في هذه القضية، و كالكثير من القضايا الاجتماعية الأخرى، لها الدور الأول. يجب صناعة ثقافة، وللأسف فإن هذه الثقافة في الوقت الحاضر غائبة و غير متوفرة. هذا مع أن الموضوع طُرح و قيل، و قد طرحناه نحن، و طرحه آخرون، و طرح في مجلس الشورى الإسلامي، و تحدث البعض عنه بدرجات متفاوتة هنا و هناك. بيد أن عملاً ثقافياً بالمعنى الصحيح للكلمة لم يحصل و لم يتم. في رأيي أن عملكم هذا عمل جيد و مناسب، و لكن لا تكتفوا بإقامة ندوة و كلمات ومحاضرات و من ثم طباعة عدد من المقالات و البحوث. هذه أعمال لازمة لكنها غير كافية. يجب أن تستفيدوا من الإمكانيات الموجودة في البلاد و تنشروا هذه الفكرة في البلاد، ثم يجب أن يكون الفكر الذي ينتشر في البلاد فكراً عميقاً و جذرياً و منطقياً و مقنعاً للناس. إذن، يجب العمل في إطار هذه القضية، و من المفترض أن السادة قد عملوا فيها.
إنني حين ألتقي عادة بالجماعات و الأفراد الذين يريدون إقامة ملتقى أو مؤتمر أوصيهم دوماً بأن لا يفترضوا أمد العمل قريباً، بمعنى أن تضعوا فرصة طويلة لتستطيعوا العمل، ليكون ما يبرز ويظهر في هذا الملتقى شيئاً جيداً و جذاباً. و من المفترض أن السادة قد عملوا بهذا الاتجاه، لأنكم و الحمد لله من أهل العلم و الفضل و البحث العلمي و مؤسستكم مؤسسة لها سابقتها الجيدة في هذه المجالات. و لكن لا تتوقفوا بالعمل عند هذه الحدود.
لإكتشاف العوامل الممانعة ” للإكثار ” ومعالجتها
ادرسوا و افحصوا جوانب القضية، و انظروا ما هي الأمور التي تجعل مجتمعنا ميّالاً إلى قلة عدد الأبناء. الميل نحو قلة عدد الأبناء عارض، و إلّا فالإنسان بطبيعته يحبّ الأبناء. لماذا يفضّل بعض الأفراد أن لا يكون لهم إلّا ابن واحد فقط؟ لماذا يرجّحون أن يكون لهم ابنان اثنان فقط؟ لماذا تتجنّب المرأة بشكل، والرجل بشكل آخر أن يكون لهم أبناء؟ يجب النظر في هذه الأمور و العوامل و تشخيصها من أجل معالجتها، أي معالجة هذه العوامل المرضية – و أنا اعتقد أنها عوامل مرضية – و اطلبوا من المتخصصين و المفكرين أن يفكروا و يضعوا العلاجات. مثلاً ارتفاع سنّ الزواج، مما لا شك فيه أن من الأمور التي تقيّد الإخصاب والإنجاب. و هذه بالتالي من الأمور التي يجب التفكير بشأنها في البلاد. لماذا ارتفع سنّ الزواج في بلادنا؟ ألّا يحتاج الشاب ذو السابعة عشرة أو الثامنة عشرة أو التاسعة عشرة من عمره إلى إطفاء نيران حاجته وغريزته الجنسية؟
يجب أن نفكر بهذا الشيء. من ناحية يقال إن هؤلاء الشباب لا بيوت لهم ولا وظائف ولا مشاغل، و ليست لديهم إيراداتهم و دخولهم. هنا يجب النظر ما الذي يمكن فعله للجمع بين هذه الظروف. يجب أن لا نتصور أن الشخص لا بدّ أن يكون لهم بيت يمتلكه أو عمل أو مهنة ذات وارد كبير ليتزوّج. لا.؛ ” إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله “3. إنه القرآن الكريم يتحدث معنا بهذه الطريقة. أي إنكم يجب أن تحلوا كل العقد الذهنية الموجودة على هذا الصعيد، بمعنى أن شأنكم و شأن الملتقى الذي تقيمونه هو أن يُنجز هذا العمل الفكري و العلمي، أي لا يكون الأمر مقتصراً على بيان الأفكار و المطاليب و حتى الشعارات. يجب العمل بشكل واقعي، العمل الفكري، و تشخيص و دراسة عوامل انخفاض عدد السكان و عوامل زيادة عدد السكان بشكل مطلوب و معتدل، و طرح هذه العوامل لإقناع النخبة. في هذا المضمار، عموم الناس الآن بعضهم متدينون و بعضهم متعبّدون و حين يقال لهم ويؤمرون سوف يمتثلون للأوامر ويتجّهون صوب مزيد من الإنجاب، و لكن يجب إقناع نخبة المجتمع. هم الذين يجب أن يقتنعوا، فإذا اقتنع النخبة تسهّل الأمر و تسهّلت عملية صناعة الثقافة. سوف يجدّ السادة ويجتهدوا إن شاء الله على هذا الصعيد، و نتمنى لهم التوفيق إن شاء الله.
إنني لا أزال اعتقد أن بلدنا ليس بلد خمسة و سبعين مليوناً بل هو بلد مائة و خمسين مليوناً. وقد أخذنا الحد الأدنى فقلنا مائة و خمسين مليوناً، إذ يمكن التحدث عن أكثر من ذلك. لا مراء أن هذا البلد بهذه المساحة الواسعة و بهذا التنوّع في المناخ و بهذه الإمكانيات الجوفية الكبيرة و بهذه المواهب العلمية الكامنة يمكنه أن يكون بلداً ذا عدد كبير من السكان، و سوف يدير بنفسه إن شاء الله هذا العدد من السكان. أي كما نفكّر بأنه إذا كان للعائلة الواحدة أربعة أو خمسة من الأبناء فكيف سيكون وضع حياتها، يجب أن نفكّر أيضاً بأن هؤلاء الأبناء الأربعة أو الخمسة إذا كبروا ووجدوا أعمالاً ومشاغل فما هي المساعدة التي سيستطيعون تقديمها لتطور البلاد ورقيّها. يجب التفكير بهذا الجانب أيضاً.
البلدان الغربية نادمة على سياسة خفض الإنجاب
ثمة نظرة تقلّد الحياة الغربية أو الحياة الأوربية انتهت إلى هذه النتائج. و قد وصلنا تراثهم، وغفلنا نحن بدورنا في برهة من الزمن و لم نقم بما يجب القيام به. و الحال أنه في الوقت الحاضر وفي بعض هذه البلدان الغربية يتضرّرون من انخفاض الإنجاب، و قد باتوا نادمين. وفي بعض البلدان الغربية لا يوجد انخفاض في الإنجاب على الإطلاق، أي إن عوائلهم كبيرة العدد. فمثلاً هناك عوائل أمريكية ذات عشرة أبناء أو إثني عشر ابناً، فكيف يجب أن يكون للعائلة الإيرانية التي تريد تقليدهم ابن واحد فقط أو ابنان؟! هذه حالات موجودة في الوقت الراهن، والتقارير و الأخبار تنبّؤنا بهذه الحقائق. نتمنى لكم التوفيق و التأييد إن شاء الله.
1 – أقيم هذا الملتقى من قبل معاونية البحث العلمي في مؤسسة الإمام الخميني (رض) التعليمية البحثية بتاريخ 31 تشرين الثاني من عام 2013 م.
2 – أعلن في تقرير حجة الإسلام الشيخ آقا تهراني أنه بعد المصادقة على السياسات و الاستراتيجيات الخاصة بالسكان في المجلس الأعلى للثورة الثقافية، تعمل اللجنة الثقافية في مجلس الشورى الإسلامي على مشروع في هذا الخصوص لطرحه في قاعة المجلس من أجل المصادقة عليه كقانون.
3 – سورة النور، شطر من الآية 32.