في مثل يوم غد الاثنين الثامن من جمادى الثانية 1377ﻫ، الموافق لشهر كانون الاول عام 1957 ذكرى وفاة السيّد عبد الحسين شرف الدِّين الموسويّ، عالم منطقة جبل عامل (جنوب لبنان) الذي جسّد في حياته حقيقة الشّخصيّة العلمائيّة التي تقارع الاستعمار؛ ذو الفكر الثاقب والحجّة والبرهان بمناظراته الّتي خاضها مع كبار العلماء دفاعًا عن الإسلام، وأهميّة وحدة المسلمين في مواجهة التّحدّيات.
اسمه ونسبه
السيّد عبد الحسين ابن السيّد يوسف ابن السيّد جواد شرف الدين الموسوي العاملي.
ولادته
ولد في الأوّل من جمادى الثانية 1290ﻫ بمدينة الكاظمية المقدّسة.
دراسته
درس مرحلة المقدّمات عند والده في لبنان، وعندما بلغ عمره سبعة عشر عاماً سافر إلى العراق لإكمال دراسته في حوزة النجف الأشرف والحوزات العلمية المنتشرة في مدن العراق، وبعد إكماله مرحلة السطوح العالية أخذ يحضر دروس الخارج للمراجع والعلماء الأعلام في النجف الأشرف.
عاد إلى جنوب لبنان لأداء مهمّاته الرسالية بعد أن نال درجة الاجتهاد، وعمره آنذاك (32) عاماً، كما سافر إلى مصر للاطّلاع على دروس جامعة الأزهر ومدرّسيها، والاستفادة من آرائهم، ومن جملة أُولئك المدرّسين الشيخ محمّد الكتّاني، والشيخ سليم البشري.
من أساتذته
الشيخ محمّد طه نجف، السيّد إسماعيل الصدر، الشيخ فتح الله الإصفهاني المعروف بشيخ الشريعة، الشيخ محمّد كاظم الخراساني المعروف بالآخوند، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، أبوه السيّد يوسف، الشيخ حسين النوري الطبرسي، السيّد محمّد صادق الإصفهاني، الشيخ حسن الكربلائي، الشيخ علي الجواهري، السيّد حسن الصدر، الشيخ رضا الهمداني.
من أقوال العلماء فيه
قال أُستاذه الشيخ محمّد طه نجف(قدس سره) في إجازته له: «لولدنا البرّ الثقة العدل الورع الهمام المقدام الفقيه الأُصولي، المحقّق المدقّق البحّاثة، القوي في حجّته، الصدوق في لهجته، المعتدل في أُسلوبه وطريقته، المتفاني في النُصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين ولعامّتهم، الباذل نفسه في خدمة الشريعة المقدّسة، جدّه سيّد المرسلين، والمجاهد في سبيل إحياء أمر العترة الطاهرة آبائه الميامين، السيّد عبد الحسين شرف الدين الموسوي العاملي ـ أعزّ الله به الإسلام وأهله ـ فإنّه من أعلام الهدى، ومصابيح التقى».
من صفاته وأخلاقه
من الصفات التي تميّز بها هي الإخلاص في العمل لله سبحانه وحده، وكان يبالغ في إكرام الضيوف، وبالخصوص العلماء منهم.
وكان يتفقّد طبقات المجتمع كافّة، وكان يسعى لرفع مشكلات الفقراء والمحتاجين منهم، وكان في أيّام الحرب العالمية يقوم بجمع التبرّعات والحقوق الشرعية من المتاع والطعام ويوزّعها على المساكين؛ لسدّ احتياجاتهم المعاشية.
كان عطوفاً سمحاً يعفو عمّن أساء إليه، وكان يهتمّ بإحياء المناسبات التي تخصّ أهل العلم والأدب، ويشجّع الطلّاب على الدراسة وعلى السير في طريق تزكية النفس وتهذيبها بالفضائل، ويحثّ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان يُوصي الطلّاب بالتواضع، ويحثّهم على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وإدراكهم وحسب مزاجهم وأذواقهم.
من مشاريعه
1ـ بناء مسجد وحسينية في منطقة تجمّع الشيعة في جنوب لبنان؛ لإقامة الصلاة وإحياء المناسبات الإسلامية فيها.
2ـ تأسيس المدرسة الجعفرية؛ للمحافظة على أفكار الشباب وتحصينها ضدّ الأفكار الاستعمارية، التي كان الاحتلال الفرنسي يبثّها عن طريق المدارس الرسمية.
3ـ إنشاء مسجد الجعفرية.
4ـ بناء مدرسة الزهراء(عليها السلام).
5ـ تأسيس نادي الإمام الصادق(عليه السلام)؛ لإقامة الاجتماعات والمؤتمرات الإسلامية والعلمية والتربوية والثقافية.
6ـ القيام ببناء الروضة الجعفرية للأطفال بقسميها للبنين والبنات.
7ـ افتتاح جمعية نشر العلم.
8ـ تأسيس الجمعية الخيرية الجعفرية؛ لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
9ـ تأسيس جمعية البرّ والإحسان؛ لرعاية المساكين واليتامى.
من مؤلّفاته
المراجعات، النصّ والاجتهاد، المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة(عليهم السلام)، الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء(عليها السلام)، الفصول المهمّة في تأليف الأُمّة، مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام، ثبت الأثبات في سلسة الرواة، إلى المجمع العالمي بدمشق، فلسفة الميثاق والولاية، أجوبة مسائل جار الله، كلمة حول الرؤية، بُغية الراغبين، المسح على الأرجل أو غسلها في الوضوء، زينب الكبرى(عليها السلام)، عمّار بن ياسر حليف مخزوم، مسائل فقهية، أبو هريرة.
نشاطه السياسي
كانت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مرحلة المطالبة بالاستقلال من الدولة العثمانية ، ولم يكن لبنان بمعزل عن هذه الحركة، وقد وقف السيد شرف الدين إلى جانب أبناء وطنه بمطالبهم العادلة، ولكن بعد أن سقط الاحتلال العثماني، بدأت مرحلة جديدة في حياة لبنان وهي مرحلة الاستعمار الفرنسي، ولكن كانت ردة فعل العلماء حاسمة قوية اتجاه الاحتلال الفرنسي، وكان من بينهم السيد شرف الدين حيث أفتى بالجهاد ضد المستعمر الفرنسي.
ونتيجة لهذه الفتوى طارده الفرنسيون، فهاجر السيد شرف الدين من صور إلى جبل عامل في بداية أمره، ثم هاجر إلى دمشق. وقد قام المحتل الفرنسي بإحراق مكتبته، وقد أتلفت بعض مؤلفاته في هذه الحادثة. بقي في سوريا لمدة سنة، ثم عاد إلى صور، واستمر بمحاربة الاستعمار حتى تحقيق الاستقلال سنة 1366 هـ.
كان السيد شرف الدين يرى هجرة يهود العالم إلى فلسطين أمراً خطيراً على مستقبل فلسطين، وكان دائم التذكير بهذا الخطر. في سنة 1338 هـ عزم مرة أخرى على السفر إلى مصر، ولكن بشكل مخفي هذه المرة، والغرض من هذه السفرة هو الاجتهاد في سبيل تحقيق الوحدة السنّيىة الشيعية. وفي سنة 1340 هـ ذهب السيد شرف الدين إلى الحج، وخلال هذه السفرة أمّ المصلين الشيعة والسنة في المسجد الحرام، وذلك بطلب من ملك السعودية.
في سنة 1355 هـ هاجر السيد عبد الحسين إلى العراق من أجل زيارة المراقد المقدسة هناك، وفي سنة 1356 هـ سافر إلى إيران فزار قم ومشهد. أسس في سنة 1361 هـ مدرسة الزهراء للبنات وقد أغلقها المخالفون له بضغط من الدولة، ولكن السيد عبد الحسين نقل مكان درس الفتيات إلى بيته. وبعد سنتين من إغلاق المدرسة فتحت مرة أخرى. وبعد ذلك قام بتأسيس الكلية الجعفرية. وفي سنة 1365 هـ قام بتأسيس مؤسسة خيرية لرعاية المحتاجين، وفي آخر أيام حياته ألّف كتاب النص والاجتهاد.
خطبه المؤثرة
كان السيد شرف الدين خطيباً بارعاً، ملأت خطبه المدن والبلدان، في الموضوعات الدينية المختلفة فضلاً عن اهتمامه بوحدة المسلمين، فكان يركز في خطاباته على نبذ التعصّب المذهبي، كما له العديد من الخطب السياسية. وكان يقول: إن الشيعة والسنة فرّقتهم السياسة فيجب أن توحّدهم السياسة. ومن أقواله الأخرى: لا ينتشر الهدى إلا من حيث انتشر الضلال.
مناظرته مع ملك السعودية
حينما كان السيد شرف الدين في الحج توجه نحو ملك السعودية عبد العزيز آل سعود وقدّم له مصحفاً مغلّفاً بجلد كهدية له. قبل الملك الهدية أخذها وقبلها. فقال له السيد شرف الدين: كيف تقبل هذا الجلد وتعظمه؟ هذا شرك. فتعجب ملك السعودية وقال: كان غرضي من تقبيل الجلد هو الاحترام للقرآن، وليس لهذا الجلد. فقال له السيد عبد الحسين: أحسنت، نحن كذلك حين نقبّل قبور الأئمة، أو شباك النبي أو أبواب أضرحتهم ليس غرضنا من التقبيل هو نفس التراب أو الشباك المحيط بالقبر، بل مقصودنا تعظيم صاحب القبر. فكبّر الحاضرون وصدّقوه. عندها أجبر الملك السعودي على الموافقة للحجاج بالتبرّك بتراث النبي ولكن الملك الذي جاء بعده أصدر حكمه بالمنع.
وفاته
تُوفّي(قدس سره) في الثامن من جمادى الثانية 1377ﻫ، وشُيّع جثمانه بشكل رسمي في العاصمة بيروت، ثمّ نُقل إلى بغداد، وشُيّع في مدن الكاظمية وكربلاء والنجف الأشرف، ودُفن بالصحن الحيدري للإمام علي(عليه السلام).