إذا كان القرآن الكريم “تبيان لكل شيء” لماذا غيّب الكثير من الأحكام وتفصيلاتها التي بيّنها النبي وأهل البيت (ع) والفقهاء العدول؟
أولاً: القرآن لم يغيب شيئاً من الأحكام، وذكرها على نحو الإجمال لا يعد تغييباً لها.
ثانياً: كون القرآن تبياناً لكل شيء لا يعني بالضرورة أن يكون ذلك بذكر التفاصيل، فبيان الشيء إما أن يكون عبر بيان أصوله وقواعده وكلياته، وإما أن يكون ببيان تفصيلاته، وعليه حصر معنى البيان في ذكر التفاصيل لا يمكن التسليم به.
ثالثاً: بيان رسول الله للقرآن ليس شيئاً خارجاً عن حدود القرآن حتى يعتبر بياناً من خارج القرآن، فالقرآن الذي وصف نفسه بأنه بيان لكل شيء هو ذاته أمر رسوله ببيان كتابه في قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)، وعليه فالتفاصيل الواردة في السنة هي دليل على كون القرآن بيان لكل شيء.
رابعاً: اشتمل القرآن على كل ما يحتاجه المؤمن من أصول الدين وعقائده، أما الفروع والأحكام التشريعية فقد بين القرآن الطرق في تحصيلها، فإذا تحصل الإنسان عليها بتلك الطرق يكون قد تحصل عليها من القرآن، ومن أهم تلك الطرق هو تقليد الرسول والاقتداء به، فقد قال تعالى: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)
ومن هنا فإن علاقة القرآن بالسنة تتصور في عدة وجوه:
1- السنة تؤكد وتقرر ما جاء في القرآن الكريم؛ مثاله: العبادات التي أمرنا الله تعالى بالقيام بها (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) جاء تقريرها وتوكيدها في السنة.
2- السنة تفسر وتفصل وتبين ما جاء مُجملاً في القرآن: لقد جاءت آيات القرآن في كثير من القضايا مجملة، ففصلتها السنة الشريفة سوى كان بالقول أو بالتطبيق العملي. مثل بيان أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة، ونصابها ومقدار الزكاة الواجب إخراجها.
3- السنة تخصص ما جاء عاماً في القرآن الكريم، مثاله: قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) جاء الحكم في الآية بأن الأولاد جميعاً يرثون من آبائهم وأمهاتهم، ولكن السنة النبوية خصصت هذا العموم: (لا يتوارث أهل ملتين ولا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً) وكذلك إذا كان الوارث قاتل مورِّثه فيحرم من ميراثه.
4- السنة تقيد ما جاء مطلقاً في القرآن، مثاله: قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) حيث جاءت اليد مطلقة، واليد في اللغة تطلق على الطرف العلوي من الأصابع إلى الكتف، فجاءت السنة الشريفة بتقييد هذا الإطلاق فحددت موضع القطع.
وهكذا لا يمكن فصل القرآن عن السنة، كما لا يمكن تحقيق معناً للإسلام إلا من خلال الجمع بين القرآن والسنة، فالقرآن بين كل شيء إما على نحو الأجمال وإما على نحو التفصيل، فما جاء مجملاً أمر رسوله ببيانه.