إنّ الحرب الناعمة اليوم هي من أكثر أنواع الحروب تأثيرًا وفعّاليةً وأقلّها تكلفةً وفي نفس الوقت أخطرها وأعقدها ضدّ قيم وأمن أيّ دولة، لأنّه يمكن الوصول إلى الأهداف المنظورة بأقلّ التكاليف ومن دون اللجوء إلى تجييش الجيوش وإبادة المقاومات المسلّحة. فهذه الحرب حربٌ صامتة، ولذلك فهي أخطر من حيث أنّ المعرّضين لها يتفاجأون بها ويقعون في الغفلة؛ فهي مرتبطة بعقائد، قيم، عواطف ومشاعر أيّ شعبٍ على المدى الطويل. وهناك الكثير من النماذج عبر التاريخ حول استخدام الحرب الناعمة. ولتشخيص ظاهرة الحرب الناعمة عن غيرها، من الأفضل تشخيص خصائصها المتمايزة. بناءً عليه، سوف نعرض فيما يلي لأوجه الاختلاف بين الحرب الصلبة والحرب الناعمة من وجهة نظر سماحة القائد.
· ذهنيّة وغير محسوسة
بخلاف الحرب الصلبة، تتمتّع الحرب الناعمة بماهيّة انتزاعيّة وذهنيّة. بناءً عليه، فإنّ تشخيصها في الوقت المناسب صعبٌ. في المقابل، فإنّ الحرب الصلبة، ملموسة وتترافق مع ردّة فعل واستثارة. كما أنّه من المشكل كشف اللاعبين واصطفاف وانتشار العدوّ في الحرب الناعمة وقليلًا ما توجب ردّات الفعل والاستفزاز.
ففي الهجوم العسكريّ، أنتم تعرفون من هو خصمكم، وترون عدوّكم؛ ولكنّ في الهجوم المعنويّ، الغزو الثقافيّ، أنتم لا ترون عدوّكم أمام أعينكم[1].
· تدريجيّة وهادئة
الحرب الناعمة تدريجيّة، هادئة وغير ظاهرة. فهي ليست دفعيّة، متسرّعة وكثيرة التحرّك في مرحلةٍ محدّدة. بل تبدأ بهدوء وتتقدّم تدريجيًّا بحيث أنّ أحدًا لا ينتبه إليها ولا يستطيع تشخيصها. وهي غير ظاهرة، لذلك غير ملموسة.
الحرب الناعمة عمليّة تدريجيّة، ويتمّ إجراؤها بشكلٍ هادىء وزاحف. بعبارة أخرى، تأخذ التحوّلات الثقافيّة وتغيير الهويّة والخصائص الوطنيّة وقتًا، وأحيانًا تنشأ مع تغيّراتٍ في الأجيال. فالغزو الثقافيّ كالعمل الثقافيّ، إجراءٌ هادىء ومن دون جلبة[2].
يتمّ تغيير الهويّة الواقعيّة للنظام بشكلٍ تدريجيّ وهادىء[3].
· شموليتها
في الغالب، تتعرّض الحرب الصلبة مجموعة محدودة من أفراد المجتمع، وعادةً للعسكريّين. في حين أنّ الحرب الناعمة تؤثّر على كافّة شرائح المجتمع من الناس والنخب، والحرب الصلبة تستهدف الأراضي والدول. وكما إنّ للغزو الثقافيّ ميادين متنوّعة، فإنّ مواجهتها متنوّعة أيضًا[4].
· غلبة البُعد الثقافيّ للحرب الناعمة على سائر الأبعاد
لا يخفى أنّ الحرب الناعمة تؤثّر في كافةّ أبعاد أيّ نظام (سيستم)، وخصوصًا في الأبعاد السياسيّة، الثقافيّة والاجتماعيّة، ولكنّ البعد الثقافيّ أكثر بروزًا من الأبعاد الأخرى، فمن خلال تحوّل الهويّة الثقافيّة سوف يصبح النظام السياسيّ غير فعّال، ممّا يسهّل مقدّمات وأرضيّات انهياره. ويقوم عمل الحرب الناعمة على أساس حركةٍ ثقافيّة ونفسيّة[5].
الحرب الناعمة، يعني الحرب بواسطة الأدوات الثقافيّة[6].
لا يستطيع أحد اليوم إنكار أنّ أكثر أهداف أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة عجلةً هو السيطرة على المواقع الثقافيّة في البلاد[7].
الحرب الناعمة ميدان معركةٍ فكريّة، ثقافيّة وسياسيّة[8].
· متجذّرة وعميقة
تترك الحرب الصلبة آثارًا قصيرة المدى على المجتمع المستهدف، ما عدا بعض الموارد المعدودة، في حين أنّ آثار الحرب الناعمة، وخصوصًا في بعدها الثقافيّ، عميقة جدًّا. بحيث أنّها توجب إنقلابٍ وتغييرٍ في هويّة، روح وسيرة نظامٍ سياسيّة.
هذا الغزو الثقافيّ – والذي أشرتُ إليه منذ عدّة سنوات – وهذه الإغارة الثقافيّة التي يُشاهدها الإنسان في مواطن مختلفة، تبغي بهذه النيّة والقصد إفراغ الثورة وفصلها عن مضمونها الإسلاميّ والدينيّ. وهذه النقاط الحسّاسة التي ينبغي للناس أن يعوها وينتبهوا لها.
· التعقید
الحرب الناعمة معقّدة، متعدّدة المستويات والأوجه. فهذه الحرب تستهدف المستويات المعرفيّة، العاطفيّة، الاجتماعيّة، المعنويّة، النفسيّة وحتّى الجسديّة للمخاطبين. من هنا، فإنّ تشخيص الحرب الناعمة أمرٌ صعب. فالحرب الناعمة نتاج التحليل الذهنيّ للنخب، وقياسها مشكل، في حين أنّ الحرب الصلبة عينيّة، واقعيّة ومحسوسة ويمكن قياسها عبر تقديم بعض المعايير والمؤشّرات.
إنّ الاصطفاف الإعلاميّ والثقافيّ في مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة، معقّد ومتنوّع ومتعدّد وفعّال ومتطوّر وتخصّصيّ بشكلٍ كبير. وهي معركةٌ أكثر تعقيدًا وصعوبة من مقاتلة العدوّ[9].
يمارس العدوّ اليوم ضدّنا حربًا ذكيّة جدًّا وصراع ثقافيّ شديد في الداخل[10].
· هادفة ومنظمة
يتمّ تنظيم الحرب الناعمة من خلال سيناريو مدوّن مسبقًا، وخطّة قبليّة بالتزامن مع خصومة وعداوة. انطلاقًا من ذلك، يجب فصل مصاديق الحرب الناعمة التي يقوم بها العدوّ عن الآفّات الداخليّة (نقاط الضعف) الناشئة عن عدم فعّاليّة أو ضعف النظام. والهدف في الغزو الثقافيّ هو اقتلاع الثقافة الوطنيّة والقضاء عليها[11].
فمَن ينظر إلى الميدان يلتفت إلى ما يفعله العدوّ، ويفهم أنّ هناك إغارة ویا لها من إغارة[12]. والحرب الناعمة هجومٌ شامل ومنظّم[13]. وهي أيضًا إقدامٌ مبرمج[14].
· فتنويّة
تخلَط كلمة الحقّ مع كلمة الباطل[15]. وتبدَّل نقاط القوّة إلى نقاط ضعفٍ[16]. ويتجّلى العدوّ في الحرب الناعمة بمظهر الصديق[17]، حتّى تظهر الحقيقة على صورة الباطل والباطل في لباس الحقيقة[18]. فيتمّ عندها توجيه الضربات من النقاط التي لا يملك الناس القدرة على تحليلها[19].
المصدر: معرفة الحرب الناعمة من وجهة قائد الثورة الإسلاميّة
[1] لقاء القائد مع عوائل شهداء محافظة كردستان في 22 اردیبهشت 1388.
[2] لقاء القائد مع وزير وموظّفي وزارة التربية والتعليم في 21 مرداد 1371.
[3] خطاب القائد في 24 آذر 1387.
[4] لقاء القائد حول سير وتاريخ الهجوم العقائديّ على الثورة الإسلاميّة في 22 اردیبهشت 1382.
[5] نداء القائد إلى حجّاج بيت الله الحرام في 23 اسفند 1378.
[6] لقاء القائد مع جمع غير من قوّات التعبئة في 04 آذر 1388.
[7] رسالة القائد إلى مؤتمر طلّاب الجامعات الإسلاميّ في مشهد في شهریور 1380).
[8] لقاء القائد مع جمعٍ من المعلّمين والمسؤولين الثقافيّين في 12 اردیبهشت 1369.
[9] لقاء القائد مع طلّاب وأساتذة جامعات محافظة قزوين في 26 آذر 1382.
[10] لقاء القائد مع مسؤولي النظام في 23 مهر 1380).
[11] خطاب القائد في 19 تیر 1374.
[12] لقاء القائد مع العاملين في المجال الثقافيّ ليوم العمّال والمعلّم في 15 اردیبهشت 1372.
[13] لقاء القائد مع مسؤولي النظام في 23 مرداد 1370.
[14] لقاء القائد مع أعضاء مجلس الخبراء في 8 اسفند 1374.
[15] لقاء القائد مع جمعٍ من العلماء وطلّاب الحوزة في 22 آذر 1388.
[16] لقاء القائد مع طلّاب الجامعات والنخب العلميّة في 3 شهریور 1388.
[17] اللقاء العامّ مع أهالي چالوس ونوشهر في 15 دی 1388.
[18] المصدر نفسه.
[19] لقاء القائد مع قادة التعبئة في 30 آبان 1372.