تجليات الحرب الناعمة ومسألة الممانعة
بعد أن عرضنا مفهوم ومنطلقات الحرب الناعمة وآثارها الخطيرة على البلدان العربية والإسلامية، تتعدد التساؤلات حيال سبل وآليات الممانعة في ظل تأثيرات العولمة الثقافية. فهل يستحق ذلك انحيازاً إلى صف مقاومة الهيمنة الزاحفة؟ وهل أن مجتمعاتنا بحاجة إلى تكوين رؤية موضوعية لمواجهة تحديات العصر الراهن، لا تمارس قطيعة مع التاريخ والفعل التراثي ولا تهمل إيجابيات الحداثة وما بعد الحداثة في زمن كثيف التحولات؟ أم أن الممانعة لا تعدو أن تكون هرطقة وادعاءات واهية لا قواعد لها للاشتغال نظراً لتفاوت القدرات والمقومات التي تسمح بإعادة إنتاج فهم الصراع الدولي – الإقليمي انطلاقاً من آليات جديدة؟ أو لأن الصراع قد حسمت نتائجه تاريخياً لصالح الطرف الأقوى المهيمن؟.
يشكل القطاع الإعلامي المعولم تحدياً صارخاً لسياقات الممانعة. وقد سنح التطور التقني بنشوء معسكرات إعلامية مجهزة وعابرة لحدود الدولة القومية، من خلال رواج قنوات البث الفضائي بخاصة، الذي سيّد عصر الصورة، وسرّع في نقل الحدث وتصدير القيم والرموز والأفكار. إذ نجحت الأقمار الصناعية في وضع العالم بأسره تحت المجهر، واتخذت لما تعرضه استراتيجيات هجومية تستهدف الأمن الثقافي للمجتمعات المتلقية، أي الثقافة الوطنية والقومية والدينية ومحيطها.
يطال الاستهداف المتمثل بالتجليات الإعلامية للحرب الناعمة قنوات التنشئة الاجتماعية في البلدان المستضعفة. وقد سمح الاستطلاع الغربي التاريخي للبلاد العربية أيضاً بتكوين ظروف مساعدة للهيمنة الثقافية وتفشيها. والاستهداف المقصود يطال أجهزة الممانعة لمؤسستي الأسرة والمدرسة، كمؤسستين مفصليتين، تشكلان حقل الإنتاج المكثف للسلوك والأذواق والقيم والعادات والتقاليد، ما يضع المجتمعات المقصودة بالغزو أمام تحديات مصيرية تتطلب رسم أطر ناجعة للمانعة، وبالتالي، الحفاظ على ما سلم من خصوصيات لم تزل قائمة في ظل حالة العجز الذي تشهده البلدان العربية والإسلامية على صعد الاستعدادات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية والإعلامية.
تعرض مفهوم الممانعة بشقيه العلماني والإسلامي لانتقادات جمّة. وفي مدخل التعاطي مع مفهوم الممانعة ذاته، تجدر الإشارة إلى وجود مسألة سجالية تحيط بسياقاته. حيث اعتبر بعض الباحثين أن التغني بالمفهوم المقصود قد تم تبنيه لكي يختزل المبادئ الحقوقية والمفاهيم السياسية في صورة “نعوت”، الأمر الذي يحول دون ولادة أي ثقافة نقدية تكون قادرة على الدفع قدماً ببناء مقومات ملموسة تواجه الهجمة الأمريكية – الغربية على البلدان العربية والإسلامية. وبرأي هؤلاء، فإن ثقافة الممانعة قد دأبت على توظيف ما أمكن من مبادئ ومفاهيم في نعوت سلبية هدفها إما الامتداح والتضرع والابتهال، وإما التجلي على نحو قذف وهجاء. وعلى نحو كهذا، يتم اختزال مفردات “القانون الدولي”، و”الدستور”، و “الشرعية”، و “الديمقراطية” و “الوفاق” في مجرد نعوت لا ترى في الممانعة إلا الممانعة نفسها. ولأجل ذلك، برأيهم، يسهل على ثقافة الممانعة أن تتوجه رأساً لمسخ مبادئ لا صلة لها بالقانون الدولي، وردّها في نعوت، بقصد تبجيل أو مجاملة أو أبلسة وتخوين، لأن هذه الثقافة لا تعتمد على الحجة والدليل، بقدر ما تعتمد على المرويات، ولا تمتلك حتى رؤية متناسقة لتاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي، يمكنها أن تواجه بشكل حاسم وجدي الرواية الصهيونية أو الغربية لهذا الصراع.1
في المسار النظري ذاته، تنطوي الممانعة برأي بعض المهتمين على سلبية مفرطة. “فالسلبية في الجوهر انشغال مفرط بخطط الخصم أو العدو، فضحاً وإدانةً ورفضاً، يحول دون التخطيط للذات والانشغال بصلاح أمورها وأحوالها – ومن زاويتهم – يعرض عموم الممانعين العرب درجة متقدمة من الاستنفار النفسي والذهني والثقافي ضد أمريكا بخاصة، والغرب بعامة، فيسعدون لأية أزمة تصيبهم، وينشغلون بجمع معلومات وبراهين على أنهم معادون لنا وللإنسانية وأنانيون ومنحطون “2. وهنا، يتحول الممانع إلى شخص لا يكف عن الإحالة إلى الأمة، كأنما الممانعة لا تعدو أن تكون شعوراً مختلطاً يخشى التحول إلى وعي وإدراك وتمييز، وذلك ما حوّل الممانعة إلى ثقافة سلبية وتكوين نفسي سلبي، يستعرض كره الأمريكيين والغرب، بدلاً من العمل على تحويل وإصلاح الواقع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والديني والقانوني في بلادنا. وتقر وجهة النظر التي نعرض لها بأن الممانعة أداء ثقافي، بيد أنها العدو الأخطر للثقافة، لأنها مدمرة للإبداع الفني والمعرفي، ومستسلمة لعدائية تجعلها أسيرة قيم ضيقة، قبلية أو دينية، نظراً لتكوينها العاطفي – الانفعالي، الذي يجعلها ممتنعة عن البيان والصياغة المفهومية الواضحة. وعلى هذا الصعيد. تتحول الممانعة إلى عداء للغرب، لأنها تجعل التعلم من الغرب صعباً بل مستحيلاً، كما وأنها سلبية وعقيمة عملياً، وتعمل على تأبيد الحاضر وتجميد الزمن، وحيثما ارتفعت راية الممانعة، نجد تحتها التدهور والاهتراء والبؤس والتبديد الهائل للموارد العامة وللحياة الإنسانية، وتخريب اللغة والثقافة والمحدودية، بما يعني أن الممانعة هي مرض الروح العربية الذي يجعل منها عدواً لنفسه3.
إن سياقات الفهم التي سبق ذكرها تستوجب إقراراً ونقداً في آن معاً. فما من عاقل متبصر يوافق على قبوع فعل الممانعة في خانة رفض خاوية لا هم لها سوى النعوت والشماتة وسائر الاستعراضات الأخلاقية الأبعاد، أي تلك الأدوات التي لا تصلح كسلاح رمزي في المواجهة. والنقد الصريح الذي نفترض أنه مستوجب لأصحاب فكرة دحض حالة الممانعة، فيقع في مخالفة أهمية عدم فضح ما يخطط للبلدان العربية والإسلامية من استراتيجيات هدفها استتباع هذه البلدان والهيمنة على شعوبها انطلاقاً من أبعاد أيديولوجية استعمارية، كالإيحاء المبطن بأن الغرب لا يحمل سوى مشاعر المودّة والمؤازرة للشعوب المستبد لها. فما هو هام على مستوى الممانعة لا يقع في نقد تجلياتها غير الفاعلة، بقدر ما يقع في كشف منعرجاتها البائسة، وإحياء ثقافة وطنية حيالها، تشكل نتاجاً جمعياً، يتغير ويتناسب مع معطيات العصر ومتطلباته، ويعترف بالتنوع الثقافي، وبشرعية الاختلاف من أجل ترشيد وتحقيق تنمية ثقافية ذات بعد تغييري، ولا يستند إلى عامل التبرير فحسب، بل إلى عامل مشاركة الأجيال الشابة، وبالتالي، إلى عصرنة حقيقية تعيد بناء الموروث الثقافي، ولا تقود إلى الاستلاب الحضاري. فالعالم اليوم لا يحتضن ثقافة عالمية واحدة، وليس من المحتمل أن توجد في يوم من الأيام، وستوجد ثقافات متنوعة تعمل كل منها بصورة تلقائية، أو بتدخل إرادي للحفاظ على كيانها ومقوماتها الخاصة. من هذه الثقافات ما يميل إلى الانغلاق والانكماش، ومنها ما يسعى إلى الانتشار، ومنها ما ينعزل حيناً وينتشر حيناً آخر4.
في معرض الإشارة للنظرة المتسرعة لأهمية الممانعة الثقافية، تجدر الإشارة إلى ضرورة التمييز بين مفهومي الثقافة والتثاقف، كمفهومين سابقين لولادة العولمة، وبين العولمة ببعدها الثقافي الهادف. لأن العولمة كما يعتبرها المفكر المغربي الراحل “محمد عابد الجابري”، تشكل أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم وأمركته، لأنها تعمل على تعميم نمط حضاري يخص بلداً معيناً، هو الولايات المتحدة الأمريكية، بالذات، على العالم أجمع. من هنا، فإن الفرق بين الثقافة والانتشار الثقافي واستراتيجيات العولمة، أن الأخيرة تنحو باتجاه القضاء على الخصوصية الثقافية بشكل عام، وتتدخل في صنع الأذواق ومناحي التفكير من خلال إمبراطورية وسائل الاتصال القادرة على إحداث هذه الخروق الكبرى. لذا فإن الأخذ بإيجابيات العولمة يفترض عدم غض الطرف عن كونها نظاماً يعمل على إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى، ويدفع للتفتيت والتشتيت، ليربط الناس بحالة لا انتمائية بصورة ما.
انطلاقاً من وجهتي النظر التي عُرض لهما حول منهج الممانعة وغاياته، تتحول الممانعة كفعل، إلى ضرورة ثقافية تقع ما بين الرفض والانغلاق، و بين القبول التام بتدخلات العولمة. أما الضرورة التي تكسر القيد وتطلق الثقافة العربية والإسلامية لمقاومة الغزو والاختراق فإنها ممكنة الحدوث، وتتطلب اكتساب الأسس والأدوات التي تدخل المجتمعات المستهدفة في عصر العلم والثقافة والعقلانية والديمقراطية. وبصدد الإستراتيجيات الفاعلة، أو المرشحة للصمود بوجه العولمة الزاحفة، يطرح الباحث العربي “عبد الإله بلقزيز” جملة من التساؤلات حول أدوار قنوات التنشئة القاعدية، الأسرة والمدرسة، ويرى أن الإعياء قد دب في أدائهما، ونال من وظائفهما التربوية والتكوينية، ومن قدرتهما على الاستمرار في ممارسة أدوارهما التقليدية الفعالة في إنتاج أو إعادة إنتاج منظومات القيم الاجتماعية، إذ يتجلى الوهن برأيه في إخفاق النظام التعليمي، وتفكك بنى الأسرة وانهيار نظام القيم، واعتبر أن هذه القنوات قد وقعت في مرمى العولمة الثقافية التي وصفها بثقافة الصورة، أو ثقافة ما بعد المكتوب.
في نطاق المواجهة، دعا “بلقزيز إلى التعاطي مع مفهوم الممانعة بطريقة مثمرة. وعلّق أهمية بالغة على وظيفة الممانعة الثقافية، عن طريق استعمال الأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة، وإلى الاستفادة من نظريات علم الاجتماع الثقافي التي تؤكد على أن فعل العدوان الثقافي غالبا” ما يستنهض نقيضه5. ويتفق “بلقزيز” بطرحه مع “سيار الجميل”، الذي يشير إلى أن مواجهة العولمة تتطلب الاهتمام بقطاعي التربية والتعليم عبر صيانة الذاكرة الأدبية والذاكرة التاريخية6، والاستفادة من التقنية المعاصرة كونها موروثاً عالمياً. ففي مواجهة العولمة، يرى “سيار الجميل”، أن معاناة البلاد العربية قد بدأت لدى الاحتكاك بالحضارة الغربية، ولذلك فالدعوة إلى المحافظة على الخصوصية في عصر العولمة، لن تتحقق برأيه إلا بالاهتمام بمعالجة الحقول المعرفية وإحداث الإصلاحات والتغيرات المطلوبة من وجهة شمولية. ويعتبر أيضاً، أننا لا نستطيع وقف الهجمة الإعلامية الغربية، لكن باستطاعتنا الحد من تأثيراتها السلبية، عن طريق إيجاد قنوات فضائية، عربية وإسلامية، نشيع من خلالها أدبياتنا وأفكارنا في العالم الأوسع. وقد دعا إلى الانفتاح والتكتل الاقتصادي، وتأسيس كتلة عربية – إسلامية تساعد حركة الثقافة، كما وحذر من طغيان ثقافة الآخر، التي قد توسع فجوة الاستتباع الاقتصادي والسياسي لأمريكا والغرب7.
خلاصة
في ضوء الحاجة إلى ممانعة فاعلة تواجه أشكال الاستهداف الذي تتعرض له البلدان العربية والإسلامية من خلال قوى وقنوات الحرب الناعمة، وفي ضوء خطورة ما يجري تصميمه في أروقة الغرف السوداء، من فتن، وصراعات داخلية، دينية وإتنية. لا بد من الإقرار بحالة الانكشاف التي تعاني منها البلدان العربية والإسلامية على الأصعدة المختلفة. فبلداننا تستورد منتجات الغرب الصالحة والطالحة، وتتلقى تصاميم ومجسمات صور الحياة القادمة، عبر قنوات البث الفضائي المختلفة والغزو الإعلامي المتعدد الجنسية، حتى وأن شعوبنا قد أضحت تستلهم من الصفحات الإلكترونية أذواقها ورؤيتها للتغير الاجتماعي، نتيجة تراجع مواقع الثقافة الداخلية وعجزها عن إنتاج الحس النقدي السليم، ما يستدعي إحداث تحولات بنيوية في عقول النخب المثقفة، لكي تلعب دوراً رائداً في كشف حجم وأوجه الاستهداف. أي وعي طبيعة المخاطر الوافدة، وترجمته بأفعال منظورة، تنقل المشاهد الإدراكية والمعرفية إلى أذهان الشرائح الاجتماعية المتنوعة بطرق وأساليب سهلة الفهم لأن حقل الاستهداف الأساس للحرب الناعمة هو العقل الجمعي، والحس المشترك، وذلك ما يتطلب بالتالي، عملاً نضالياً من قبل الأجهزة الثقافية والإعلامية لتحقيق عصرنة وتحديث داخليين. لأن مواجهة الحرب الناعمة كنتاج عولمي – أمريكي، قد تكون عملية صعبة المنال في ضوء حالة المراوحة الحالية للعقل العربي والإسلامي.
وفي ساحة مواجهة الفوضى المنظمة، لا بد من ولادة ممانعة منظمة تبدأ بتحديث أطر التنشئة الاجتماعية، وتحفيز مؤسسة الأسرة على الاهتمام بالحقول الثقافية والعلمية والمعرفية، وإحياء إيجابيات التراث في أذهان الناشئة. والقصد، أن هنالك حاجة ماسة لبناء استراتيجيات في حقول مختلفة، تعيد إنتاج الأدوار الاجتماعية والتربوية والثقافية لمؤسسات التربية والتعليم. فالمدرسة، كقناة، في التنشئة القاعدية، وبالرغم من اعتماد مناهج مستحدثة في التعليم، لم تزل تلقينية الطابع، وغير محفزة على الإبداع، ولا تمارس الدور التثقيفي الخلاق، كما أنها منكفئة في مجال الحفاظ على التراث وإحياء الثقافة الشعبية.
ما ينطبق على مؤسستي الأسرة والمدرسة، ينطبق على مؤسسة الجامعة ووظيفتها. فالجامعات العربية، بغالبها، لم تستطع تحقيق نتائج إبداعية واعدة سواء في الحقول البحثية والمعرفية، أم في حيز بناء وترميم الذات الثقافية. والخاصة منها، مروجة في كثير من الأحيان للثقافة الغربية بمنحى لا إنتقائي. في حين أن الجامعات الوطنية لم تزل قابعة في أروقة الرتابة، وهي، إن تميز بعضها حيناً، لا تعكس إلاّ واقع حال النظم السياسية التي أنتجتها، ما يسهم في تعويق القدرات الأكاديمية في مواجهة القوة الناعمة. وعندما تتراجع مستويات الوعي، يسهل الاستهداف، وتغيب حالة النهضة عن لعب دورها، وتنكفئ الإصلاحات الضرورية لصالح المكاسب الذاتية.
تمارس الحرب الناعمة أيضاً قصفاً ناعماً للعقول، وتجد في فساد الحكم معبراً صالحاً لها. وفساد الحكم بالتالي، ينعكس فساداً اقتصادياً وإدارياً وتشريعياً، الأمر الذي يعيق بناء حالة من الثقة بين الشعوب ونظمها السياسية، وبالتالي، يجعلها فريسة سهلة للغزو الثقافي، الذي يتباهى بديمقراطيته في بلاد المنشأ، ويستخدم مفاعيل الغزو الرقيق بسلوك خادع. ويشكل حال النُّظُم السياسية العربية كابحاً يمنع تبني منطلقات تغيرية تؤمن بالمشاركة الشعبية، نتيجة مشاعر ضمنية لدى معظم الحكام العرب – وقد تكون صائبة – تفترض أن أية إصلاحات محتملة قد تطيح بشرعية وجودهم عاجلاً أم آجلاً.
أما على مستوى القطاع الإعلامي، ومقابل التفوق التقني الذي تستثمره العولمة في هجماتها المنظمة، ينخفض منسوب الآداب والأفكار والفنون، ويتراجع الحس النقدي لدى معظم الناس لصالح الحس الاستهلاكي. وفي فناء الدفاع الإعلامي، تضعف الفضائيات العربية والإسلامية في صوغ مضامين تنتج حالة يقظة حيال التحديات الكبرى، ذلك نظراً لطبيعة تبعيتها لنظم سياسية لا ترى ضرورة في قيام أي إعلام ثوري – طليعي، إذ نادراً ما يلاحظ إحياؤها للمشاعر القومية والتضامن العربي والإسلامي بوجه العدو الإسرائيلي، كما وأنها لا تساهم في الدعوة إلى تغيير الواقع السياسي العربي إلا لماماً. ففي الآونة الأخيرة، حاولت بعض الفضائيات العربية أن تكون أكثر التصاقاً بهموم الشارع العربي، فتم صدها عندما بدأت تشكل خطراً على مصالح بعض الحكام العرب، الذين تربطهم صلات ود تاريخية بالسياسة الأمريكية. ولعل تجربة قناة “الجزيرة” خير مثال “على حال الفضائيات العربية في الفترة التاريخية التي سقط فيها حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك. وفي زمن التحولات هذه، تعرضت أقنية أخرى، كقناتي الجديد والمنار، لموجات تشويش منظمة عطلت بثها في بلدان عدّة، ما يوضح مشهد عجز بلداننا عن مواجهة الحرب الناعمة من الناحية التقنية. بمعنى أن الفضائيات العربية خاضعة للتحكم عن بعد، وقابلة للضبط والكبح، عندما تشكل خطراً مباشراً يعيق مصالح الغازي ومخططاته المتبناة في حقل النزاع.
الحرب الناعمة تستهدف وحدتنا الثقافية أولاً، وتقف وراء معظم الانقسامات الداخلية والفتن والقلاقل المذهبية، ما يجعل الأمر يستحق الإعداد، فأين نحن اليوم من الإعداد المرتجى والحس الوطني السليم؟.
*الحرب الناعمة مقومات الهيمنة وإشكاليات الممانعة , سلسلة الندوات الفكرية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- أنظر جريدة السفير اللبنانية ، مقالة بعنوان : ” قانون النعوت ” .
2- ياسين الحاج صالح ، مجلة الحوار المتمدن – العدد 2454- 3/11/2009 .
3- المصدر نفسه .
4- أحمد صدقي الدجاني ، ( الثقافة العربية والإسلامية وتحديات العولمة ) مجلة الكلمة العدد 18 بيروت ،1998 ، ص. 143 –
5- المصدر نفسه ، ص 143 –
6- المصدر نفسه ، ص 147 .
7- “د. سيار الجميل، أستاذ مادة التاريخ الحديث في جامعة آل البيت، ( الأردن ) وصاحب كتاب ( العولمة الجديدة والمجال الحيوي للشرق الأوسط : مفاهيم عصر قادم ، 1997)-