في شوال المكرم /
شروط الإمام الرضا(عليه السلام) لقبول ولاية العهد
لمّا رفض الإمام الرضا(عليه السلام) طلب المأمون العبّاسي ـ الحاكم الإسلامي آنذاك ـ أن يتقلّد خلافة المسلمين، طلب منه المأمون أن يتولّى ولاية العهد، فرفض(عليه السلام) ذلك، ولكنّ المأمون أصرّ عليه بالقبول، فقبلها(عليه السلام) بشروط، جاء منها في كتابه للمأمون: «إنّي داخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى، ولا أفتي ولا أقضي، ولا أولّي ولا أعزل، ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم، وتعفيني من ذلك كلّه»(۱)، فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه.
دعوة المأمون للصلاة
دعا المأمون الإمام الرضا(عليه السلام) إلى إقامة صلاة عيد الفطر بالناس والخطبة بهم.
أجابه الإمام الرضا(عليه السلام): «قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر ـ وهي عدم تدخّله في أيّ أمرٍ من الأُمور ـ فأعفني عن الصلاة بالناس».
أصرّ المأمون على الإمام(عليه السلام) بالصلاة، فقال(عليه السلام): «إن أعفيتني فهو أحبّ إلي، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام)»(۲).
فقال المأمون: اُخرج كيف شئت. وأمر القوّاد والناس أن يبكّروا إلى باب الإمام الرضا(عليه السلام).
اجتماع الناس والقادة
في الصباح الباكر اجتمع الناس على باب دار الإمام(عليه السلام) ينتظرون خروجه للصلاة، وجاء قادة الجيش ومعهم مجموعة من الجند، ووقفوا على الباب، وجلست النساء والأطفال على السطوح والطرقات ليتفرّجوا على موكب الإمام الرضا(عليه السلام) وهو خارج إلى الصلاة.
خروج الإمام الرضا(عليه السلام) للصلاة
لمّا طلعت الشمس اغتسل الإمام(عليه السلام) غسل يوم العيد، ولبس ثيابه، وتعمّم بعمامةٍ بيضاء من قطن، ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفيه، وتطيّب، وأمر مواليه أن يصنعوا مثل صنعه، وأخذ بيده عكّازة، وخرج بتلك الحالة وهو حافٍ، فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر، وكبّر مواليه معه، ومشى حتّى وقف على الباب، فلّما رآه القوّاد والجند في تلك الصورة، نزلوا من على خيولهم إلى الأرض، وكبّر(عليه السلام) على الباب، وكبّر الناس معه، وعلت أصواتهم بالتكبير، وتذكّروا في صورة الإمام(عليه السلام) صورة جدّه رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ويصف البحتري خروج الإمام(عليه السلام) إلى الصلاة بهذه الكيفية بقوله:
ذكروا بطلعتك النبي فهلّلوا ***** لمّا طلعت من الصفوف وكبّروا
حتّى انتهيت إلى المصلّى لابسا ***** نور الهدى يبدو عليك فيظهر
ومشيت مشية خاضع متواضع ***** لله لا يزهى ولا يتكبّر
ولو أنّ مشتاقاً تكلّف غير ما ***** في وسعه لمشى إليك المنبر(۳).
وضجّت مدينة مرو بالبكاء والعويل لمّا رأوا الإمام(عليه السلام) بتلك الصورة وسمعوا تكبيره.
ترك الإمام الرضا(عليه السلام) للصلاة
بلغ المأمون ذلك فارتاع وفزع، فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين، إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا، فأنفذ إليه أن يرجع.
فبعث إليه المأمون بعض جلاوزته: قد كلّفناك شططاً وأتعبناك، ولست أحبّ أن تلحقك مشقّة، فارجع وليصلّ بالناس من كان يصلّي بهم على رسمه. فدعا(عليه السلام) بخفّه فلبسه، ورجع من دون أن يصلّي بالناس. واختلف أمر الناس في ذلك اليوم ولم تنتظم صلاتهم.
———————————–
۱- الكافي ۱ /۴۸۹٫
۲- المصدر السابق.
۳- مناقب آل أبي طالب ۳ /۴۸۰٫
بقلم: محمد أمين نجف