روحیة المقاومة «الإكسير» لحل مشکلات في البلاد | ينبغي أن نتعلم هذا منذ الصبا
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 11/5/2022 في لقاء مع المعلّمين في حسينيّة الإمام الخمينيّ (قده) والذي اعتبر فيه قائد الثورة الإسلاميّة أنّ رسالة المعلّمين العظيمة ليست مجرّد تعليم عاديّ بل بنيويّ، ولا بدّ من العمل على أن يصير التلميذ في المدرسة صاحب هويّة وطنيّة وثقة بالنّفس، وأن يُدرك الصغار قيمة المقاومة، واصفا هذا الأمر بأنّه بمنزلة التعليم وإكسير العلاج لمشكلات البلاد.
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين.
أهلاً وسهلاً بكم، أيها الإخوة الأعزاء، والأخوات العزيزات، ومعلمو البلاد والمفتخَرون بهداية أجيال المستقبل، فكل ما نقوله في منقبة المعلمين ليس كثيراً. إن شاء الله، يوفقنا الله جميعاً – أنتم ونحن أيضاً – لنتمكن من فعل ما يُرضي الله المتعالي عنكم وعنا.
أشكر السيد الوزير، فقد ذكرَ نقاطاً جيدة في كلمته[1]: القرارات التي اتخذتموها والوثائق التي صغتموها، لكن أود أن أوضح نقطة له ولمجموعة هيئتكم كافة: ليس لدينا أيّ نقص في القرارات والقوانين والوثائق الجيدة. لدينا قرارات ووثائق جيدة وما شابه في البلاد بقدر ما تودّون. المهم هو العمل بهذه القرارات. تابعوا هذا الأمر. إنشاء مقر أمر سهل، سواء أكان مقراً عسكرياً، أو مقرات لمواضيع أخرى [بما في ذلك] الاقتصادية والثقافية وغيرها، لكن استمرار عمل هذه المقرات ونتاجاتها مهمان جداً. انطلقوا وراء عملٍ جادٍّ وجهادي حتى يتم العمل الذي ترومون إليه، إن شاء الله – أرى أنكم مهتمون بالنقاط المهمة في التربية التعليم – وتابعوا ذلك حتى يكتمل، إن شاء الله.
حسناً، الهدف والغرض من لقائنا السنوي مع معلمينا الأعزاء – كان [اللقاء] في السنة والسنتين الماضيتين غير تامّ وقد وُفّقنا هذه السنة لرؤيتكم وجهاً لوجه، بحمد الله – هو إبراز دور المعلمين في الثقافة العامة للبلاد. هذا هو هدفنا. نريد أن يُعرَف المعلم، وتكون قيمة مهنة التعليم لدى الرأي العام قيمة راسخة وخالدة، فالحال ليست كذلك الآن. يجب أن نتصرف بطريقة يفخر بها المعلم نفسُه بمهنة التعليم، وتفتخر عائلته بمهنته، وينظر إليه المجتمع على أنه كائن مفتَخَر. يجب أن نصل إلى هنا. يتطلب الأمر بعض القول وبعض العمل. الآن بشأن الأقوال سنعرض اليوم شيئاً موجزاً في هذا الصدد.
لكلمة المعلم تطبيقان لا تطبيق واحد. التطبيق الأول هو أخذ المعلم بمعنى المدرس والأستاذ [بالمعنى العام]. حسناً هذه قيمة كبيرة جداً وسامية. الله المتعالي هو من المعلمين: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} (البقرة، 282)، {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق، 5)، هذه ينسبها الله إلى نفسه. إنها قيمة سامية جداً… أو بشأن الأنبياء (ع) أو النبي الأكرم (ص) مثلاً [يقول]: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (البقرة، 151). المعلم بهذا المعنى… أو الحكماء والعلماء والفقهاء والعرفاء والشخصيات البارزة كافة، وهذا الشهيد مطهري العزيز نفسه ونحوهم هم معلمون بهذا المعنى، فهي قيمة عظيمة جداً، أي الشخص الذي يعلّم شيئاً للمخاطب. هذا تطبيق.
التطبيق الآخر [لمعنى] المعلم هو معلم التربية والتعليم، وهو تطبيق ثانٍ. نحن نناقش الآن هذا التطبيق الثاني. النقاش ليس عن مطلق المعلمين؛ النقاش هو عن هذا المعلم على وجه الخصوص. ثقل القيمة لهذا التطبيق هو ضعف ثقل القيمة للتطبيق الأول. لماذا؟ من أجل الفئة المخاطبة لهذا التعليم، فمخاطب هذا التعليم هم مجموعة من الأناس الذين من المرجح أن تأثير هذا التعليم فيهم أعلى بمراتب من تأثيره في الفئات الأخرى كافة. هذه هي أهمية عمل المعلم، أي معلم التربية والتعليم يتمتع بقيمة التطبيق الأول بالإضافة إلى أن عمله في ميدان وساحة لا بديل عنه. ليس هناك أيّ بديل.
مخاطبوكم هم في أفضل سنّ لقابلية التأثير وقابلية التربية. مخاطبوكم هم الذين لن ينسوا ما تعلِّمونهم إياه إلى آخر عمرهم. هذه [نقطة] مهمة جداً. نحن نتعلم المعلومات باستمرار. وفق اختلاف السن واختلاف ذاكرة الأفراد نتعلم من هذا الجانب، وننسى من ذاك الجانب، لكننا لا ننسى ما تعلمناه في الطفولة. عادة لا ننساه حتى آخر عمرنا. هناك مثل عربي مشهور يقول: «العلم في الصغر كالنقش في الحجر»[2] أو «كالنقر في الحجر»، كأنكم تنقشون وتنقرون شيئاً في الحجر، أيْ هناك انقشوا على الحجر أو كما يقال: اعملوا على الحجر واكتبوا فإنه لا يمحى وموجود دائماً. مخاطبكم على هذا النحو.
حسناً لقد تحدثنا مراراً وتكراراً عن «الحضارة الإسلامية الجديدة»[3] أو فلنعبّر هكذا: «الحضارة الإسلامية المزدهرة». حضارة إسلامية تزدهر مواهبها بما يتناسب مع الزمان وتظهر نفسها. لقد قلنا هذا مراراً وتكراراً. إن البنية التحتية الأساسية لأي حضارة هي الموارد البشرية، فالطاقة البشرية هي ما يمكن أن يجعل الحضارة محتملة وممكنة وتتحقق. مَن الذين يشكلون هذه الطاقة في بلادنا؟ مَن الذين يستطيعون أن يفعلوا مثل هذا العمل العظيم في المستقبل؟ جيلٌ يمتلك امتيازات ما. هذا الجيل أنتم من سيبنيه اليوم. جيل عصامي ويمتلك هوية، هوية إيرانية-إسلامية متينة وعميقة، وليس مولهاً ومفتوناً بهذا أو ذاك وببقايا حضارة الشرق والغرب المنسوخة. جيل مطّلع وعالم وفعّال وماهر وملمّ بنمط العيش الإسلامي والتقاليد الإيرانية. مثل هذا الجيل لازمٌ ليكون قادراً على بناء تلك الحضارة. لقد كنا في صدد إنشاء هذا الجيل منذ بداية الثورة. بالطبع، لا يمكن القول إننا لم ننجح تماماً. لا، الحمد لله، لقد كان لدينا بعض النجاحات. وفي مختلف المجالات، تحققت العناصر التي تربّت على هذا النحو ببركة هؤلاء المعلمين وازدهرت وأظهرت نفسها في مجالات مختلفة – أنتم تعلمونها طبعاً – كالاقتصاد والمسائل العسكرية وفي السياسة وغيرها، لكن هذا لا يكفي. إذا كنا نريد أن تنشأ تلك الحضارة بذلك التوسع، فعلينا تنمية هذا الجيل، ولا بد أن تنتشر هذه التربية وتصير واسعة. لذا، إذا كنا نريد ذلك، فليس هناك أيّ فرصة للجمهورية الإسلامية أكبر وأفضل من هذه السنوات الاثنتي عشرة. هذه السنوات الاثنتا عشرة هي أعظم فرصة للجمهورية الإسلامية لتكون قادرة على نقل قيم الثورة ومُثلها على نحو صحيح إلى هذا الجيل، وترسيخ الهوية الإسلامية والإيرانية فيه. هذه السنوات الاثنتا عشرة هي أفضل فرصة.
حسناً هذه هي رسالة التربية والتعليم، رسالة المعلمين. كما ترون، إنها عمل كبير جداً، عمل عظيم جداً. هذا ليس مجرد تعليم عادي؛ إنه تعليم بنيوي. لحسن الحظ، لقد تمت تهيئة الأرضية للتربية والتعليم أيضاً من أجل هذا العمل، أي لدى حكومة الجمهورية الإسلامية مؤسسة وطنية مترامية تسمّى وزارة التربية والتعليم التي تمتد إلى أقصى نقاط البلاد وأعماق المدن والقرى. حسناً هذه فرصة مهمة جداً. على كل هذا المستوى الشاسع، تكون كلٌّ من الآذان والقلوب جاهزة للاستماع، وفي انتظاركم [لتتكلموا] إليهم. غالباً ما كنت أذكّر بعض الفضلاء والمعممين الذين كانوا مثلاً يعملون في قطاعات التعليم المدرسي أو الجامعي، أذكّرهم بهذا المطلب وأقول: «دائماً عندما كنا نذهب إلى المنبر كنا ننتظر مثلاً أن يتجمّع بعض المستمعين هناك حتى نتمكن من التحدث إليهم، والآن هذا الحشد الكبير من التلاميذ يجلس تحت منبركم». هذا القول يصدق على المعلمين أيضاً. ثمة آذان وقلوب جالسة هناك لساعات طويلة في الأسبوع تنتظر خروج كلامٍ من فمكم فيستقر في قلوبهم شئنا أم أبينا. المهم أن كلامكم هذا يستقر في قلوبهم إذا قيل بطريقة صحيحة. يجب أن نرى هذا الأمر مَغنماً. هذه مسألة مهمة للغاية. إنها فرصة مهمة.
وهذا التعريف للتربية والتعليم يُظهر كم هي مؤسسة عظيمة. وجنابه كان محقاً في قوله إنه يمكن معرفة مستقبل البلاد من النظر إلى التربية والتعليم. نعم، هذا صحيح. [إذا] نظرنا اليوم إلى التربية والتعليم، يمكننا تخمين التربية والتعليم في غد البلاد من اليوم ومعرفة كيف سيكون. حسناً هذا الآن ثناء على التربية والتعليم؛ ثناء حقيقي وليس تشريفياً.
لكن هناك مشكلات في التربية والتعليم عندنا، وسأوضح الآن بعض النقاط في هذا الصدد. إنّ حلّ هذه المشكلات والوصول إلى الوضع المنشود يتطلب كُلّاً من التدبير والمعرفة والهمّة والسعي والمُجاهَدة والتحمّل والتصبّر والحلم. يجب ألا يكلّ المديرون، وألا يرتبكوا، وأن يتابعوا العمل بحلم.
بالطبع، نحتاج أيضاً إلى أدوات. من الضروري في المقام الأول وجود متن تعليمي لهذه الأعمال، أي الالتفات إلى أهمية المتن التعليمي. لا يكون الموضوع بالقول والحديث والتوصية فقط. يجب أن تعدّ التربية والتعليم متناً تعليمياً لهذه الأهداف التي قلنا أنْ يتابعها المعلمون، سواء المتن التعليمي وكذلك كميّة المعلمين. لدينا مشكلة من ناحية عدد المعلمين. ما أبلغوني به في تقرير هو أن نحو سبعين ألفاً من معلّمينا على مشارف التقاعد الآن، فيما يمكننا جذب نحو نصف هذا العدد ونريد ذلك. [هذه] مشكلة كبيرة. لا بد من العمل على هذه القضية، وسأتطرق إليها في إشارة إلى جامعة فرهنكيان.
نوعية المعلم مهمة أيضاً، جودة المعلم! سواء نوعية المستوى العلمي والدرس والعلم وما إلى ذلك… لا ينبغي أن تكون الحال، على سبيل المثال، أن الرتب الدنيا من امتحان القبول تذهب إلى هذه القضية (مهنة التعليم). كلا! رتبوا الأمر [لتدخل] الرتب العلمية العالية، ثم من الجانب الأخلاقي والتربية الأخلاقية والتربية الدينية والتدين والاعتقاد الديني. هذه السمات النوعية في المعلم، وهي المطلوبة. إذا أردنا تحقيق هذه الأهداف، فإن قضية المعلم هي أحد هذه الأشياء. بالطبع، البرامج والأعمال فوق المخطط ضرورية وحبذا لو تُنفّذ. بالطبع، في السابق أيضاً، كان لدينا معلمون جيدون وملتزمون من داخل التربية والتعليم – كان الأمر دائماً على هذا النحو – وحتى في مرحلة ما قبل الثورة لدينا أولئك المعلمون أنفسهم الذين تصرفوا مع التلاميذ في ذلك اليوم على نحو أوجد حركة طالبية عظيمة حول قضايا الثورة، وهذا يعني أن من الأمور اللافتة للنظر حقاً في الثورة حضور فئة التلاميذ، وبالطبع حدث فيها بعض المجازر أيضاً، وإحداها يوم 13 آبان (4/11/1978)، وتلك المذبحة بالقرب من جامعة طهران. هذا يدل على أن المعلمين كانوا فعّالين… أو في بداية الثورة، هؤلاء المعلمون الذين ملأ الشبّان المتربّون على أيديهم الجبهات واستشهد عدد كبير منهم، كما استشهد العديد من المعلمين أنفسهم. والأمر على هذا النحو اليوم أيضاً. فحتى اليوم – بحمد الله – ليس لدينا عدد قليل من المعلمين الملتزمين والمؤمنين والمعتقدين بالدين والحريصين. بالطبع، لدينا معلمون على نحو آخر أيضاً.
حسناً، من الجيد أن نقسّم قضايا التربية والتعليم. بعض القضايا تتعلق بالتربية والتعليم عامة، وبعضها بالمعلمين خاصة. لا ينبغي خلطها، بمعنى أنه يجب أن يكون واضحاً أين تكمن النقاط ووجهات النظر في كل قضية، ومَن المخاطب ومَن المسؤول.
بشأن التربية والتعليم هناك نقطة عامة أؤكدها وأكررها أيضاً في الكلمات والكتابات. يجب أن نقوم على عمل ليصير تلاميذنا يتمتعون بهوية وطنية. ينبغي ألّا يكون الهدف من تربية التلميذ ومن مجيئه إلى المدرسة، الابتدائية أو الثانوية، مجرد أنه يريد أن يتعلم الدروس. نعم، يجب أن يتعلم الدروس، وأن يتعلم العلم، ولكن الأهم من تعلّم العلم، أو على الأقل في منزلة تعلّم العلم، أن يشعر بالهوية، وأن يُصنع هنا إنسان ذو هوية فيحصل على الهوية الوطنية والشعور بالثقة الوطنية، ويتعرف طفلنا من أعماق روحه إلى مفاخر الوطن. هذا شيء غير موجود اليوم. يوجد كثير من المفاخر. ولقد ذكرَ جنابه الآن اسم المرحوم كاظمي آشتياني[4]. أجروا استطلاعاً بين أبناء مدارسكم لمعرفة النسبة المئوية للذين يعرفون المرحوم كاظمي آشتياني بكل تلك الخدمات وبكل تلك القيمة الوجودية التي كان يتمتع بها هذا الرجل وهذا الشاب – كان شاباً – ونسبة مَن يعرفون رونالدو مثلاً! أحياناً يذكر الأطفال الصغار في عائلتنا أسماء لا أستطيع حتى أن أتعلّمها! إنهم يعرفونهم تماماً ما هو عملهم. لماذا لا نعرف مفاخرنا الوطنية؟ هذه [قضية] مهمة جداً.
جانبٌ من الأمور التي نُسمّيها «هويّة وطنيّة» هو أن يتعرّفوا إلى هذه المفاخر الوطنيّة: الماضي العلميّ، الماضي السياسيّ، الماضي الدوليّ، الجهود التي بُذلت، الجهاد الذي تمّ. كم عدد أبناء اليوم، من الجيلين الثالث والرّابع، الذين يعرفون بصورة صحيحة قضايا الثورة الإسلاميّة؟ كم يعرفون الإمام [الخمينيّ] الجليل، غيرَ اسمه وبعض تعبيرات الثناء؟ كم لديهم اطّلاع على علماء البلاد؟ هذه مفاخرُ وطنيّة. كم هم على معرفة بمبادئ الثورة الإسلاميّة؟ حسناً، هذه الثورة التي استطاعت إطلاق هذا الطوفان الضّخم، وتحريك هذا المحيط، ليست مزحة. أن تتمكّن حركة ثوريّة من تحريك بلدٍ بكلّ أجزائه – خلال الثورة الإسلاميّة، حين كانت المسيرات والمظاهرات تنطلق، لم يكن الأمر منحصراً في طهران أو المدينة الفلانيّة الكبيرة، فقد كانت هذه المسيرات نفسها تحدث في القرى الفلانيّة – هذا يعني تلاطم المحيط.
ما الذي استطاع تحريك هؤلاء على ذاك النّحو؟ ما الذي فعله الإمام؟ ما الذي كان يقوله الإمام؟ ماذا كان الكلام الأساسيّ للإمام؟ هناك أكثر من عشرين مجلّداً تحتوي على تصريحات الإمام وخطاباته وكتاباته وهي مُتاحة اليوم، فكم جرت قراءتها؟ كم جرى الاهتمام بهذه المجلّدات؟ فليعرفوا مبادئ الثورة الإسلاميّة. ولا يقتصر الأمر على المعرفة، فليندمجوا مع هذه الأمور، فليندمج هذا الشّاب وهذا الفتى في المرحلتين الابتدائيّة والثانويّة مع هذه المبادئ وليتعرّف قلبُه وروحه إليها. حسناً، نحن أيضاً بحاجة إلى معادلات الكيمياء والرياضيّات واللغة الأجنبيّة وأمثال هذه الأمور. هذا الكلام لا يعني أن نضع الدراسة جانباً. لا، فالدّراسة ضروريّة، ونحن نعتقد بوجوب أن تُرفع راية العلم عالياً في البلاد أكثر فأكثر كلّ يوم، لكن إلى جانبها لا بدّ أن تُرفع أيضاً راية الهويّة الوطنيّة، والهويّة الباعثة على الفخر، والهويّة الثوريّة، والهويّة الإسلاميّة.
[لا بُدّ] أن يُدرك الأطفال قيمة أن يكون المرء مقاوِماً، [أي] كون أجزاء شعبٍ ما كلها أجزاء مقاومة. ما معنى مقاوِم؟ أي لا يتراجعون أمام الابتزاز، ولا ترتعد فرائصهم حين يُشنّ هجومٌ عليهم، ولا يتنازلون أمام التجبّر، هذا ما تعنيه كلمة مقاوِم. هذا هو إكسير العلاج لمشكلات البلد: الشعور بالمقاومة وروحيّة المقاومة. حسناً، فالعالم عالمُ التجبّر. الجميع يمارسون التجبّر وكلّ من يقدر على التجبّر يتجبّر، ولا فرق في ذلك بين صغيرٍ وكبير، ولا شرقٍ أو غرب. لا بدّ لأيّ شعبٍ أن يقاوم في وجه هذا التجبر، وأن نتعلّم هذا الأمر منذ الصّبا ويُرسى فينا منذ الصبا… أو قيمة التحلّي بالثقة بالنّفس. هذه أمورٌ ضروريّة ولا بدّ أن تُنجز. بهذه الأمور، ينشأ ذاك الجيل الباني للحضارة، ويتكوّن الجيل القادر على إعزاز الشّعب والبلاد.
هذه الأمور كلها تكتمل في المدرسة. لاحظوا قيمة المعلّم! [وزارة] التربية والتعليم هي المتصدّية لإنجاز مثل هذا العمل، ومن أجل هذه الخصوصيّات، ولا تُمكن مقارنة التربية والتعليم بأيّ وزارة أخرى.
هناك نقطة أخرى حول قضايا التربية والتعليم ترتبط بمخطّطات هذه الوزارة وبرامجها، وهي الفصل بين العلم النّافع والعلم الذي لا ينفع… العلم النّافع. الآن بما أنّكم متخصّصون، أي أكثر تخصّصاً منّي في هذه القضيّة، يجري اليوم في ثانويّاتنا ولعلّ ذلك في مدارسنا الابتدائيّة تدريس علوم لا تحمل أيّ فائدة لحاضر ومستقبل هذا التلميذ، وهناك أمورٌ ورؤى ينسونها أيضاً ولا تساعدهم في أيٍّ من قضايا الحياة، ولا تساهم في تطوير العلم لدى هؤلاء [التلاميذ]. تعرّفوا إلى هذه الأمور واحذفوها. العلم النّافع هو ذاك القادر على جعل مواهب الشابّ والفتى تزدهر فيكتشف مواهبه ويوجّهها في اتجاه تناميه ويجعلها تزدهر، كما يوفّر لمستقبله مدّخراً ذهنيّاً وعمليّاً. هذا هو العلم النافع. ثمّ سوف يكون طبعاً مؤثّراً في تقدّم البلاد وارتقائها. لكن أن نلقي حفنة من مواد الحفظ العديمة الفائدة هذا لا فائدة فيه. فليجرِ تخصيص وقتٍ للتعليم والمهارات، وقد تخلّل كلام السيّد الوزير إشارة إلى هذا الأمر، وهذا جيّد. تابعوا هذه القضيّة. نمط العيش الإسلامي، والتآزر، والتعاون الاجتماعيّ… لا بدّ أن يتعلّم الطّفل هذه الأمور في المدرسة. [أيضاً] التنظيم والامتثال للقانون. واحدة من مشكلاتنا قضيّة غياب الانضباط في الحياة الاجتماعيّة والحياة العائليّة وأمثال هذه الأمور المشهودة عادة. لا بدّ لنا أن نتعلّم من سنيّ المراهقة والشباب التنظيم والانضباط واتّباع القانون. [أيضاً] روح المطالعة. في مقدرونا ترسيخ حسّ البحث والمطالعة لدى الشّباب والناشئة، وفي إمكانكم أن تنقلوا إليهم هذا الأمر بصفته مهارة. [كذلك] الأنشطة الجهاديّة ومكافحة نقاط الضّعف الاجتماعيّة، فالأفراد كلهم قادرون على مكافحة نقاط الضعف الاجتماعيّة حين يتوفّر لديهم الدافع لذلك. هذه نقطة أيضاً.
النقطة التالية مرتبطة بـ«وثيقة التحوّل» التي أشار إليها جنابه. قضيّة «وثيقة التحوّل» ليست حقّاً قضيّة تُفرح القلب. لقد جرى منذ أكثر من عشر سنوات تنظيم هذه الوثيقة، والوزراء المحترمون الذين تعاقبوا على هذه المسؤوليّة – يبدو أنّ ستّة وزراء وعدداً من المشرفين كانوا في [وزارة] التربية والتعليم، والتبدّل في المسؤوليّات الإداريّة هذا يشكّل قضيّة منفصلة بحدّ ذاته وهو آفة – أنجز كلّ واحدٍ منهم بعض الأمور، وقدّموا التقارير أيضاً، وقدّموا إلينا بطبيعة الحال التقارير بأنّنا فعلنا هذه الأمور، لكنّ الواقع أنّه لم يجرِ العمل بـ«وثيقة التحوّل» هذه. قد يكون تحقّق جزءٌ من جانبٍ معيّن منها على نحو ما، لكنّ هذه الوثيقة هي بصفةِ «كلّ» ومجموعة. إذا كان المسؤولون والمديرون في التربية والتعليم يعتقدون بوجود مشكلة في هذه الوثيقة، حسناً، فلتُحدّثوها. فليُحدّثوا الوثيقة وليُكمّلوها وليرفعوا مشكلتها، وليشحذوا الهمم لكي يُنجز هذا العمل وتُشاهد «وثيقة التحوّل». ومن أجل تقييم التطوّر لا بدّ من تحديد مؤشّر. فليس مقبولاً أن يقولوا: جرى تحقيق هذه النسبة المئويّة من الوثيقة وأمثال هذه الأمور، بل لا بدّ من إنشاء مؤشّر كمّي يُحدّد مستوى التقدّم في هذه الوثيقة. حسناً، هذه كانت القضايا العامّة المرتبطة بالتربية والتعليم.
أود أن أوضح نقطتين أو ثلاثاً حول المعلمين. حسناً، هذا العبء الثقيل الذي قلناه ملقىً على كاهل المعلم. أي في مقام التنفيذ المعلمون هم الذين ينفذون. قد يؤثر بعض المعلمين في القرارات، وآخرون قد لا يؤثرون، لكن التنفيذ في عهدة المعلمين تماماً. هم من يجب عليهم أداء هذه الأعمال العظيمة أمام هذا المخاطب الذي هو جيل من الملايين من اليافعين والشباب. إنه دور فريد. يجب أن يشعر الجميع بقيمة المعلم كما قلنا. في الدرجة الأولى على المعلمين أنفسهم أن يشعروا بدورهم وأن يعرفوا العمل العظيم الذي يتعين عليهم فعله. التعب والملل، والتقليل من شأن العمل بسبب بعض المشكلات الموجودة بصورة طبيعية في الحياة – المعيشة وغيرها – والنظر باستخفاف إلى هذا العمل، [كله] خطأ. التعليم أمرٌ مهم للغاية. إنّه عمل عظيم. يجب أن يكون المعلم نفسه أول من يعلَم هذه القضايا حول دور المعلم. كما قلنا، خلال الثورة وأثناء الحرب المفروضة، تمكن المعلمون من تأدية الدور في مختلف القطاعات والأحداث السياسية التي شهدتها البلاد، ومن قيادة هذه الفئة الشابة من البلاد وشبابها في الاتجاه السليم.
ينبغي أن يشعر المعلمون أنفسهم، بالإضافة إلى الشعور بهذا الدور المهم، بأنهم يحملون أمانة، وهذا واجب حقاً. فتلك الأمانة التي أوكلت إليهم، ويجب أن تخرج من أيديهم سالمة وبقيمة مضافة، هي أعز أمانة، أعزّها. فهذا اليافع بين يديك – دُرَر البلاد هم اليافعون والشباب – سواء على المستوى الوطني أو مستوى الأسرة – هم أرسلوا أطفالهم وأبناءهم وبناتهم إلى المعلّم – أمانة قيّمة للغاية. قال: «أنا صفحة بيضاء وجاهز لأي نقش»[5]. هذه الصفحة البيضاء الخالية من أي كتابة مستعدّة لجميع النقوش، وأنتم من يرسمها. لا بدّ أن يخرج من تحت أيديكم بقيمة مضافة. عليكم أداء هذه الأمانة على أكمل وجه من الناحية الأخلاقية أو العلمية أو السلوكية أو الوعي والمعرفة. أنتم من عليكم إحياء روح المعرفة في هذه الأمانة. وبالطبع، إذا كان معلمنا مؤمناً ومتديناً، فسيكون ذلك على أكمل وجه. نتمنى أن يكون الأمر كذلك، إن شاء الله. هذا موضوع أيضاً.
نقطة أخرى هي مسألة جامعة «فرهنکيان» – التي تم ذكرها – وجامعة «الشهيد رجائي» ومراكز تربية المعلمين كافة. هذا مهم للغاية، مهمّ جدّاً. فإنشاء هذه الجامعات كان عملاً لازماً حقّاً ومن المهم جداً الاهتمام بها. قد حضرت إلى هذه الجامعة قبل بضع سنوات، وصرحت بالقضايا المهمة والضرورية أمام جمع كبير من الشباب الحاضرين هناك.[6] ثمة مسؤولية كبيرة على عاتق هذه الجامعة. يجب تعزيز هذه الجامعات ومراكز تربية المعلمين من النواحي كافّة: الإمكانات والمعدّات، الإدارة، المعلمين، المتون الدراسيّة، الأنشطة التعليمية. في أيّ نوع من الجامعات نلبي هذا التوقّعات من المعلم؟ هذا مهمّ للغاية. يجب أن تكون جامعات تربية المعلم والأستاذ هذه على نحو يتخرّج فيها المعلّم المطلوب حقّاً من هذه الأماكن. هذا موضوع أيضاً.
موضوع آخر كما قيل لي: مجال الدراسة للعديد من المعلمين لا يتناسب مع المناهج التي يدرّسونها. أعتقد أنها نقطة مهمة للغاية. دَرَس في مجال ما، ويدرّس في مجال آخر مثلاً. بالطبع، أعلم أن السبب في ذلك هو نقص المعلمين، لأن يد المديرين ليست مبسوطة ليكونوا قادرين على أداء ما هو لازم، لكن علينا التفكير في هذا على أي حال. لقد تكبّد العناء ودرس في تخصص ما، فليستفِد في المرحلة التي يدرّس فيها من التخصص نفسه، وما هو مرتبط بهذا التخصص.
لقد تكبّد المعلّمون العناء حقّاً خلال مرحلة كورونا. كانت كورونا مرحلة عصيبة على المعلّمين، وكان عملاً مجهولاً وغير مألوف، ومضاعفاً أيضاً. في مرحلة ما، كان المعلم يؤدي عملاً مضاعفاً، أي يحضر إلى الصف ويدرّس، وعليه العمل على برامج الإنترنت والفضاء الافتراضي وأمثال ذلك. فكان يقوم على عمل مضاعف حقّاً، وقد تكبّد الكثير من العناء. إننا نتوجّه بخالص الشكر إلى المعلّمين في هذا الصدد.
إن طلبي المتعلق بالقضايا المعيشية [للمعلّم] هو طلبي المعتاد نفسه. طبعاً، هناك مشكلات في الإمكانات الحكومية. هناك مشكلة فعلاً، ونحن نقرّ بها، فيجب الانتباه إلى هذه المشكلات، لكن مسألة التأمين الصحي، ودفع تكاليف العلاج في الوقت المناسب، أمور مهمة وقضايا لا بدّ من الالتفات إليها حتماً.
كلمتي الأخيرة: لدينا توقعات كبيرة من [قطاع] التربية والتعليم، ونطلب من التربية والتعليم التخطيط لذلك، [لكن] أنتم أيها المعلمون، لا تقفوا منتظرين، لا تنتظروا. يمكنكم إنجاز أعمال كثيرة بمبادرتكم الخاصة. هناك معلّمون لم يتسلموا برنامجاً تربوياً محدداً لكنهم تمكّنوا [من ذلك] بإبداعاتهم ومبادراتهم الخاصة، وإرادتهم للخير وحرصهم على تربية مجموعة من التلامذة والتقدّم بهم. نتمنى لكم التوفيق في هذه المجالات، إن شاء الله.
نسأل الله المتعالي أن يحشر أرواح الشهداء الأعزاء في البلاد، ولا سيّما الشهداء التلامذة والمعلمين، مع أوليائه، وأن يحشر الروح المطهّرة لإمامنا [الخميني] العزيز مع أوليائه، إن شاء الله، فكل ما لدينا حقّاً من اتباعه وقيادته، فهو الذي فتح هذا الطريق وأرشدنا إليه، وأن يوفقكم جميعاً ويوفقنا حتى نؤدي واجباتنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]. في بداية اللقاء، قدم الدكتور يوسف نوري (وزير التربية والتعليم) تقريراً.
[2]. كنز الفوائد، ج. 1، ص. 319.
[3]. من جملتها لقاء سماحته مع المعلمين والمربين من أنحاء البلاد جميعاً قُبيل «يوم المعلم»، 1/5/2019.
[4]. السيد سعيد كاظمي آشتياني من العلماء والمديرين البارزين في الثورة الإسلامية وأحد الرواد والمجاهدين في ابتكارات علوم الحياة ورئيس «معهد أبحاث رويان» التابع لجامعة الجهاد الجامعي. خلال ولايته، تمكنت إيران من تحقيق نجاحات ملحوظة مثل تطوير طرق متقدمة لعلاج العقم وإنتاج الخلايا الجذعية الجنينية وتكثيرها وتجميدها واستنساخ الحيوانات.
[5]. الميرزا حبيب الخراساني، من ديوان أشعاره.
[6]. كلمة سماحته في جامعة «فرهنکيان»، 9/5/2018.