السَّلامُ طريقٌ للتواصل، وطمأنةٌ إلى الأمان في العلاقة مع الطرف الآخر، ورغبةٌ في أن يُحيط السَّلامُ بالطرفين في أحوالهما المختلفة. السَّلامُ عليكم هي تحيّة الإسلام في افتتاح كلّ لقاء مع الآخر، وهي تدلّ على المنهجيّة التي يريدها الإسلام في أن يتلمّس الآخر رغبة المُسَلِّم في التواصل والعلاقة الإيجابيّة والحسنة.
اعتدنا تحيّة السَّلام على الآخر كشخص، ولكنَّ السَّلامَ في زيارة آل يس هو على كلِّ فعلٍ من أفعالِ عبادةِ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، والسَّلامُ في كلِّ وقتٍ من أوقات الليل والنهار، والسَّلامُ كذلك على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بما يمثِّل من قدوةٍ وأمل.
* أوّلاً: أفعال العبادة
السَّلامُ على الإمام بكلِّ فعلٍ من أفعال العبادة يستهدف ربط المؤمنين تربويّاً بحالات الإمام في علاقته مع اللّه تعالى، فيمرُّ السَّلامُ عبر الطاعة إلى العلاقة مع اللّه تعالى، ويركِّز في ذهن أنصاره أنَّ اتِّباعهم للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هو اقتداءٌ بتفاصيل عبادته الموصلة إلى اللّه تعالى.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقُومُ”، هذا القيام للّه تعالى وحده كمنطلقٍ للحركة الهادفة نحو الطاعة، وإقامة الدين في الحياة، وهذا القيام تنفيذٌ للأمر الإلهيّ فيما تحقِّقه العبادة من توجيهٍ للإنسان نحو سبيل اللّه تعالى.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِيْنَ تَقْعُدْ”، قعودَ الملتزم بشكل العبادة ومضمونها كما أمر اللّه تعالى، وقعودَ التهيئة للانطلاق نحو السجود كتعبير عن أقصى الطاعة. إنَّه قعودٌ يتبعه قيامٌ وتهيئة.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَقْرَأُ وَتُبَيِّنُ”، فالقراءة تؤدّي إلى تَلَقِّي التعاليم الإلهيّة، وتبيان للمعاني ومعالم الطريق. وعندما تنظر إلى الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من موقعه وهو “يقرأ ويُبيِّن”، فأنت تتهيّأ لأداء التكليف الذي يأمر به المعصوم، كائناً ما كان أمره، من دون تردّد أو حيرة.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصَلِّيَ وَتَقْنُتُ”، فصلاتُك واصلةٌ إلى عنان السماء، وقنوتُك دعاءٌ بما يسدِّد المسيرة ويحفظها في طاعة اللّه تعالى، ونحن أتباعُك على هدي صلاتِك وقنوتِك.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ”، وأنت تعلّمنا أيّها الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الخضوع والتذلّل، فأنت المعصوم تخضع وتتذلّل لتصل إلى معدنِ العظمة، فالأَوْلى بنا -نحن الضعفاء المقصِّرين- أن نفعل ذلك لنلحق الرَّكْب.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُهَلِّلُ وَتُكَبِّرُ”، فتهليلُك وتكبيرُك يا إمامي إعلانٌ قاطعٌ بأنَّك مع اللّه الأكبر والأوحد الذي لا إله إلّا هو، وأنَّك متفانٍ في الذَّات الإلهيّة، فأُسلِّم عليك لأقتبسَ من توحيدك الخالص شذراتٍ من عظمة هذا التوحيد، بمجاورتِك ومناصرتِك.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تَحْمَدُ وَتَسْتَغْفِرُ”، فحمدُك للّه تعالى كما هو أهله، واستغفارُك حقيقة لا لُبس فيها، وأنا أسلّم عليك يا إمامي، لأكون تحت رعايتك في الحمد والاستغفار، علَّني أنالُ بعض ما طمأنك وسدَّدك.
* ثانياً: الأزمنة المختلفة
لا تختصُّ الصِّلَةُ باللّه تعالى بزمانٍ دون آخر، فهي في كلِّ زمان، في الليل والنهار، وكذلك لا تكون العلاقة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في زمان محدَّد، بل في كلِّ زمان، وهي قبل الظهور وبعده.
“السَّلامُ عَلَيْكَ حِينَ تُصْبِحُ وَتُمْسِي”، لا توجد مساحةٌ فارغةٌ في الزمان إلّا ورغبتي يا إمامي أن أسلِّمَ عليك وأكونَ تحت رعايتك، في كلّ زمان في الليل والنهار، وقد أدَّبنا اللّه تعالى أن نُسبِّحهُ في كل أوقاتنا، قال تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ (الروم: 17). فكما يكون تسبيح اللّه تعالى صباحاً ومساءً بما يُغطي اليوم؛ أي جميع الليل والنهار، كذلك تكون الصِّلة مع من يُسبِّحه حقّ التسبيح صباحاً ومساءً وهو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
“السَّلامُ عَلَيْكَ فِي اللَيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلّى”. أقسَمَ اللّه تعالى في كتابه العزيز فقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ (الليل: 1-4)، فاللَّيل عند دخوله وبداية سيطرة الظلام ينقلنا إلى حالةٍ جديدة، وكذلك النهار إذا تجلَّى وظهر وبدَّد الظلمة فإنَّه ينقلنا إلى حالةٍ جديدة أخرى، وهكذا يتناوب الليل والنهار في تغطية حياة الإنسان الذي عليه أن يكون في موقع الإيمان دائماً لينجح في الدنيا والآخرة. والمؤمن يحرص على السَّلام على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلّى ليؤكّد على التزامه بنهج الإيمان، والاستعداد ليكون تحت راية الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في كلّ آن.
* ثالثاً: الأهداف
ثلاثة أهداف كبرى توصِلُنا إليها الزيارة:
1- الأمان: “السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الإمام المَأْمُونُ”. المأمون على العقيدة والهداية والدماء والمستقبل، ونحن بحاجة إلى “الثقة المأمون” لأخذ تعاليم ديننا ومعرفة تكليفنا… روى أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُه وقُلْتُ: مَنْ أُعَامِلُ، أَوْ عَمَّنْ آخُذُ، وقَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ: “الْعَمْرِيُّ ثِقَتِي، فَمَا أَدَّى إِلَيْكَ عَنِّي فَعَنِّي يُؤَدِّي، ومَا قَالَ لَكَ عَنِّي فَعَنِّي يَقُولُ، فَاسْمَعْ لَه وأَطِعْ، فَإِنَّه الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ”(1).
يحتاج المؤمن إلى القائد الذي يمنحه الأمان العقيديّ والتشريعيّ بأنَّه على خطّ الهداية المستقيم. وهنا يكون السَّلامُ على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بما هو محلّ الثقة الكاملة والأمان في توفير كلّ مستلزمات الفوز بطاعة اللّه تعالى. وما الانحرافات التي حصلت في التاريخ إلّا نتيجة اتِّباع قادة غير جديرين بالثقة والأمان، ولا مستقيمين على الجادَّة. وما دعوتُنا دائماً إلى نهج الأئمّة عليهم السلام إلّا لأنَّهم صنو القرآن، وسفينة النجاة، والعروة الوثقى، وحملة المؤمنين إلى جادَّة الأمان.
2- الأمل: “السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها المُقَدَّمُ المَأْمُولُ”. لولا الأمل لفقدت الحياة معناها، ولولا الأمل لدبَّ اليأس والشقاء في حياة الإنسان، خاصّةً عندما يواجه الابتلاءات المختلفة. عندما يسلِّم المؤمن على إمامه المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف والمأمول بتحقيقه لأهداف الإسلام الكبرى، يحصل على الحقيقة في الدنيا والآخرة. وقد روى المفضّل بن عمر: دخلت على الصادق عليه السلام فقلت: لو عهدت إلينا في الخَلَف من بعدك، فقال: “الإمام بعدي ابني موسى، والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى”(2).
3- جوامِعُ السَّلام. وجَّهَ الإمام الصادق عليه السلام المؤمنين بالدعاء في أعمال الحجّ: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْمَعَ لِي فِيهَا جَوَامِعَ الْخَيْرِ، اللَّهُمَّ لَا تُؤْيِسْنِي مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي سَأَلْتُكَ أَنْ تَجْمَعَه لِي فِي قَلْبِي”(3). وعندما نُسلِّم في زيارة آل يس نقول: “السَّلامُ عَلَيْكَ بِجَوامِعِ السَّلامِ”، فنحن ندعو أن يجمع اللّه تعالى لنا كل ما يؤدّي إلى السَّلام في علاقتنا مع إمامنا المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. فالسَّلامُ في كل قولٍ أو فعل أو حركة، والسَّلامُ في كلّ زمان ومكان، والسَّلامُ مع كلّ من نتعامل معه ونتواصل معه، إنَّه سلامُ العقل والقلب والروح والحياة، وهذا لن يكون إلّا بالتسليم لقيادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فالسَّلامُ عليك يا إمامي في كلّ أحوالك وحالاتك.
1- الكافي، الشيخ الكليني، ج1، ص330.
2- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج16، ص245.
3- الكافي، (م.س)، ج4، ص468.