الحجّ مظهر وحدة الإسلاميّة ولتعزّزوا هذه الوحدة بكلّ ما تستطيعون
ينشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في اللقاء الذي جمعه بتاريخ 8/6/2022 مع القيّمين على شؤون الحجّ في حسينيّة الإمام الخمينيّ (قده). وفي كلمته شدّد قائد الثورة الإسلاميّة على كون الحجّ مظهر الاتحاد للأمّة الإسلاميّة داعياً إلى التركيز على نقاط الاشتراك واجتناب التفرقة، وطالب سماحته الحكومة المضيفة للحجّ بضمان أمن الحجّاج والعمل وفق مصالح الأمّة الإسلاميّة، كما اعتبر سماحته الصهيونيّة بلاء للعالم الإسلاميّ وأنّ الدول المطبّعة مع هذا الكيان المزيّف لن تجني سوى الضرر
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولا سيما بقية الله في الأرضين، أرواحنا فداه.
أهلاً وسهلا ًبكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء المسؤولون عن هذه الحركة الإلهية والإسلامية للحج هذه السنة. لقد كانت بشرى عظيمة أنه بعد توقف دام عامين، فتحَ الله المتعالي هذا الباب مرة أخرى أمام الزوار الإيرانيين والمشتاقين الإيرانيين وسائر الإخوة من البلدان الأخرى. إنها الدعوة الإلهية التي تفتح لكم الباب وتشرّع لكم الطريق. هذا ليس لطفاً من أحد. إنه القبول لاشتياقكم، أنتم والحجّاجَ الكرام، من رب العالمين. أسأل الله أن يكون حجُّكم جيداً إن شاء الله، وأن يعود الحجّاج كافة بالصحة والعافية والأمن واستجابة الدعاء وكسب التفضّلات الإلهية، وبأيادٍ مملوءة، إن شاء الله. كما أشكر هذين الأخوين العزيزين على كلمتَيْهما، والخطوات التي ذكرا أنه تم إنجازها هي خطوات قيّمة.
أودّ أن أقول بضع كلمات عن الحجّ. الحجّ برنامج إلهي مُدبَّر. البرامج الإلهية جميعها مُدبَّرة، لكن هذا البرنامج يختلف عن البرامج الأخرى كلّها بما يمتلكه من زوايا ومميّزات ونطاق. هذا يدل على الإحاطة العلمية لحضرة الحق – جلّت عظمته – بوجود الإنسان وبقلبه وباحتياجاته. ليس الإنسان كشخص [بل] المجتمع البشري، وليس ذلك في جيل واحد [بل] على مدى الأجيال المتمادية. هذه الإحاطة العلمية جعلت الله المتعالي يضع هذا البرنامج في تصرّف البشر بما يتناسب مع احتياجاتهم ومختلف زوايا هذه الحاجات، ويتيح فرصة الاستفادة منه لأفراد البشر. الحجّ هو مثل هذا البرنامج. لذلك، تلاحظون أن الله المتعالي في سورة المائدة بعد أن يذكرَ بعض أحكام الحجّ، يقول: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)}. هذه الأمور التي أوجبناها عليكم، وهذه الكعبة وهذا «الْهَدْي» وهذه «الْقَلَائِد» ونحوها هي من أجل أن تُدركوا ويصير لديكم علمٌ بالإحاطة العلمية للخالق، وتعرفوا كيف أن الله المتعالي على دراية بأسرار حياتكم وتفاصيلها، وأنه يضع الأحكام بناءً عليها.
حسناً، كيف نعرف؟ بالتدبّر، أيْ ليس الأمر على هذا النحو، أن ينظر الإنسان هكذا فتتّضح له كلّ الأمور. لا، عليه أن يفكر ويتأمّل ويتدبّر، وأن يستخدم المعرفة والفكر ليفهم أثرَ هذا الهدي الذي يُضحّي به هناك، وهذا الطواف الذي يجري، وهذا الوقوف في عرفات أو المشعر ونحو ذلك، في حياة البشر. فالحجّ هو مثل هذا البرنامج، إذْ جعله الله المتعالي مع علمه بزوايا الاحتياجات البشرية، وحدد هذا البرنامج للبشر بهذه الفروع والتفاصيل كافة، وعلى نحو مستمر أيضاً. فهو ليس على نحو أن يكون في سنة وسنة لا. لا؛ إنه موجود باستمرار في هذه السنين كافة، وسيكون هذا البرنامج موجوداً – إن شاء الله – إلى أبد الدهر وسيستمر. حسناً، إذا كان لدينا التدبر اللازم في هذا الصدد، فحينئذٍ سنُدرك كم هي استفادة الإنسان من الحجّ، وما النطاق العظيم الذي تشمله هذه الاستفادة في حياة الإنسان.
لقد بيّن القرآن الكريم بجملة قصيرة حول الحجّ كلَّ الحكمة من الحجّ تقريباً، وإذا استطعنا أن نتأمل ونستفيد من أقوال المعصومين (ع) والتدبر في القرآن، يمكن فهم أشياء كثيرة من هذه الكلمة الواحدة، إذْ يقول في سورة المائدة: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ} (المائدة، 97). [بالطبع] ليست الكعبة فقط [بل] الشهر الحرام والهدي والقلائد ونحوها – إذْ يريد أن يذكر مجموعة الحجّ وليس خصوص الكعبة الشريفة – وهذه الأشياء كلّها من أجل ماذا؟ «قياماً للناس». «قيام» هنا ليس بالمعنى المصدري. أهل اللغة وأهل التفسير يفسرون معنى «قيام»، ويقولون إن «قيام» هنا يعني «ما يقوم به الشيء» [أي] العمود. يرتكز البناء على عمود. هذا يسمونه «قياماً». ذلك العمود هو «قيام». هنا يقول الله المتعالي الحجّ عمود حياة البشر. هذا مهمّ جداً… إنه: {قياماً للناس}؛ إنه للنّاس وليس لي ولكم وللفرد ولهذا وذاك، وتلك المجموعة من الأفراد، وعدد من جيلٍ ما، وجماعة ومجموعة ما. إنه للنّاس وللبشرية، إنه قيام للبشر. استخدمت كلمة «قيام» هذه مرتين في القرآن. وردت «قيام» مرتين في القرآن: إحداها عن الثروة الوطنية: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (النساء، 5). هذه هنا فقط. لقد جعل الله المتعالي الأموال والمال في المجتمع والثروة وسيلة لقيام المجتمع، وحقيقة الأمر كذلك. من دون المال والثروة، لا يستطيع المجتمع أن يتحرك. إنه بحاجة إلى ثروة ومال. إن البشر يحتاجون إليهما من الناحية المادية. وواحدة هنا: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}؛ وهنا أيضاً القيام.
حسناً، ليس للقيام هنا جانب مادي فقط. لديه جانب مادي بالطبع: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحجّ، 28). تشمل تلك المنافعُ المنافعَ المادية، ولكن [تشمل] أكثر من ذلك أيضاً: المنافع المعنوية، والمنافع السلوكية، والمنافع الأخلاقية… وتعليم نمط العيش؛ هذا هو الحجّ. ما تفعلونه في الحجّ – في أعمال الحجّ هذه، أي مجموع أعمال الحجّ – يعلّم الأجيالَ المتعاقبة والمترابطة كيف يجب أن يختاروا أركان حياتهم: في مكانٍ ما الحركة، وفي مكانٍ آخر السكون، وفي مكانٍ الاجتناب، وفي مكانٍ تعليم التعايش أيضاً.
واحدة من أهم القضايا في الحجّ هي التعايش. يجب أن يتعايش هنا الأشخاص الذين ليس لديهم أيّ معرفة ببعضهم بعضاً وهم من ثقافات وأماكن وألوان ولغات مختلفة. {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الحجّ} (البقرة، 197)؛ هذا يعني أنه لا يحق لكم أن تتشاجروا مع بعضكم بعضاً [بل] تتعايشوا. أترون؟ إحدى قضايا [الحجّ] هي التعايش. ما هي مشكلات البشر في العالم الآن وليست مشكلات المسلمين فقط؟ إنهم لا يعرفون التعايش، ويتجبّرون، ويُسيئون بالكلام إلى بعضهم بعضاً، ويُضيّقون على بعضهم بعضاً، ويوجّهون ضربة إلى بعضهم بعضاً. الحجّ يعلّم التعايش. في مدة محدودة، يُظهِرُ لكم أنموذجاً للتعايش، ويقول: هكذا يجب أن نعيش.
مثال آخر هو تعليم «بساطة العيش». فالإحرام هو مَظهر بساطة العيش. أي لا يوجد في الإحرام أيّ ملابس إضافية، ما يغطي جسمكم فقط. هذه هي بساطة العيش. ليس واجباً عليكم أن تلبسوا مثل هذا اللباس طوال حياتكم وتعيشوا في إحرام؛ لا، لكنه يريد أن يقول لكم: تعلّموا هذا. تعلّموا أنه يمكن العيش ببساطة وينبغي ترويج بساطة العيش. هذا أيضاً مثل الموضوع السابق، [أيْ] هو تعايشٌ. إذا نظرتم، فإن كثيراً من مصائب ومشكلات العالم هي بسبب هذا الجشع والأرستقراطيات وحبّ الترف وما إلى ذلك. يُنفق جزءٌ كبيرٌ من ثروة العالم على هذه الأشياء في كل مكان، وللأسف الحال نفسها في بلدنا أيضاً – في أماكن أخرى عشرات الأضعاف، يجري الإنفاق مئات الأضعاف على هذه الأشياء – [لكن] هنا أنتم ملزمون بساطة العيش، فميزة الحجّ أنه عندما يريد التعليم يعلّم بهذه الطريقة. هذا يعني أنه يجب أن يكون لديكم هذا النحو من بساطة العيش في هذه الأيام القليلة. هذا أيضاً تعليمٌ ونمط عيش.
[النقطة التالية] تمرين «الاجتناب والتوقّي». علينا اجتناب بعض الأشياء في الدنيا والحياة. الإنسان حريص، ولا يعرف الاجتناب. الدرس هنا هو الاجتناب. يجب أن نجتنب… اجتناب مُحرمات الإحرام. كل ما يجب عليكم تجنّبه في الإحرام هي أشياء عادية ولكن يجب أن تتجنّبوها. يجب أن تتعلموا ألّا تؤذوا حشرة إذا كانت على جسمكم. إنه عمل صعب جداً. عليكم أن تعتادوا ألّا تنظروا في المرآة من أجل التزيُّن. عليكم أن تتعلموا هذا. هذا اجتناب غير ممنوع في الأوقات العادية لكنه تعليمٌ للاجتناب. تعلّموا الاجتناب. نتعلم أنه يجب اجتناب أشياء في الحياة، فيجب أن نتمرن على هذا. هذا التمرين موجود في الحجّ. انظروا كم هذه عناصر مهمة في حياة الإنسان، كل من التعايش وبساطة العيش، وأيضاً تمرين الاجتناب هذا.
نقطة أخرى هي التمرين على «تجنب استخدام الأشياء التي في متناول أيديكم». بعضنا على هذا النحو. في النهاية نحن نراعي بعض الأمور، ولا نلمس ممتلكات شخص آخر وما إلى ذلك، لكن في بعض الأحيان يصير شيء ما تحت تصرّفنا – إنه بيت المال ويصير تحت تصرّفنا – فنصنع تبريراً ما ونأخذ شيئاً من بيت المال هذا بطريقة ما وبتبرير ما. لقد جُعلَ شيء ما تحت تصرّفنا، وحين لم يكن تحت تصرّفنا في السابق لم نكن نفعل هذا الفعل. هذه واحدة من البلايا. من بلايا حياة البشر أنه حين يصير شيء ما في تصرّفه يصعب عليه تجنّبه ومواجهة هوى النفس تجاهه، مثل قضايا متنوعة. لنفترض مثلاً وجود العلاقة مع غير المحرم والقضايا الجنسية ونحو ذلك. ثمة شيء يُجعل تحت تصرفكم، يجب أن تعلموا أنه الآن وقد صار تحت تصرفكم فهذا لا يعني أنه مباح. هذا ما يعلّمنا إياه القرآن في الحجّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} (المائدة، 94). لأن الصيد البري محرّم في أيام الحجّ، تصير الحيوانات في المتناول بسهولة. هي تعلم أنها لن تُصطاد، فتأتي وتصير تحت تصرّفكم. إذا كنتم تريدون اصطياد هذا الغزال أو الماعز الجبلي في الحالة العادية، فقد يكون عملاً شاقاً للغاية، ولكن الآن، لا. الآن تطاله أيديكم وتصل إليه رماحكم [لكن] عليكم الاجتناب. {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ}؛ يختبركم الله المتعالي {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ}؛ بنحوٍ من الصيد. طبعاً النقاش هو في الصيد غير المحرّم. بعض أنواع الصيد هي حرام في الحالة العادية لكن هذا يتعلق بالصيد الذي لا يكون حراماً في الحالة العادية، وهو محرّم أثناء إحرام الحجّ. الله يختبركم بهذه الوسيلة. هذا يعني التمرين على أن تتعلّموا أنه عندما يكون شيء ما تحت تصرّفكم، لا تمدوا يدكم إليه لمجرد أنْ لا أحد ملتفت ومنتبه. بالطبع هذه أمثلة، ويوجد كثيرٌ من قبيلها.
لقد تحدثتُ كثيراً في السنوات الماضية عن الطواف والوقوف وما إلى ذلك، وآخرون تحدثوا أكثر منا وأفضل منا في هذه المجالات. كنتُ أود أن أتحدث عن بعض هذه النقاط الموجزة. «قياماً للناس» تعني ذلك. الحياة مرتكزة على الحجّ. كثير من قضايا الحياة الأساسية والخطوط الرئيسية لها ونمط العيش تتأتّى لكم من الحجّ، أي يمكنكم تعلّمها عبر التأمل والتدبر في الحجّ والاهتمام بالحجّ. هذا لا يخص هذا الجيل، إنه للأجيال كلها. إنه موجود منذ ألف وأربعمئة عام ونيف، وبعد ذلك سيبقى لآلاف السنين أيضاً – بالفضل الإلهي – حتى قيام القيامة. هكذا هو الحجّ. وقد ذكرَ الله المتعالي هذه كلها بكلمة واحدة: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}.
حسناً، اسمحوا لي أن أقدم بعض التوصيات إلى الحجّاج الأعزاء ومسؤولي الحجّ. أولاً أنتم – مسؤولو الحجّ – اعلموا جيّداً قدر هذا العمل. كل واحد منكم في أي موقع كان سواء في الممثلية[2]، أو في الإدارة ومنظمة الحجّ [والزيارة]، أو في الإدارات المتعاونة: قطاع الصحة، أو قطاع الأمن، أو الهلال الأحمر، أو قسم الدعاية، أو الإذاعة والتلفزيون، والآخرون الذين يتعاونون… يجب أن يعلموا أنّهم يؤدّون عملاً مهماً، أي يشاركون في أمر مهم. {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (المائدة، 2). هذا برٌّ حقّاً، برٌّ وتقوى. حسناً، ماذا يعني «أن نعرف قدر ذلك»؟ يعني أن تفعلوا ذلك جيداً. ماذا يعني أن تفعلوا ذلك جيداً؟ أولاً هذا يعني أن تُنجزوا العمل بنيّة التقرّب إلى الله، فتفعلونه لأن الله المتعالي أراد ذلك. ثم اسعوا أيضاً أن تنفّذوا العمل – إن شاء الله – على أكمل وجه وبأسلوب مُتقن ومحكم وبإبداع. اعلموا قدر هذا العمل. إنّه قيّم للغاية. إن عملكم ذو قيمة حقّاً.
توصية [أخرى] إلى الحجّاج الكرام هي أن يعدّوا أنفسهم للاستفادة من هذه المساحة الروحية. الإنسان ليس مستعدّاً دائماً. التفتوا! عندما نريد أن نصلي، يقولون لنا قبل ذلك إن علينا أن نتوضّأ ونؤدّي الأذان والإقامة. لا شيء من هذا جزءٌ من الصلاة لكنّه يُعدّنا للدخول إلى ساحة الصلاة المقدّسة، فهو يليّن قلبنا. لا بدّ من الاستعداد. الحجّ الذي يكون دون استعداد من الممكن أن يكون قليل الفائدة، وهناك إشارة إلى ذلك في بعض أحكام الحجّ. مثلاً عليكم أن تحلقوا رؤوسكم في السفر بداية الحجّ. الحلق واجب. يُستحب أن تتركوا شعر رأسكم وقتاً دون أن تحلقوه حتى ينمو جيّداً ثم تحلقوه. هذا إعدادٌ للنفس من أجل الحجّ. عندما ينمو شعر الرأس، يصير أكثر جمالاً ووسامةً وأفضل. [لذا] إن أجر التخلّي عنه أكبر. أعدّوا أنفسكم لهذه الأجواء بتلاوة القرآن، وبذِكر آيات الحجّ، وبالتوجّه إلى مفاهيم الحجّ، وبالشوق إلى الكعبة، وبالشوق إلى [زيارة] القبر المطهّر للرسول الأكرم (ص) وقبور الأولياء المعصومين (ع)، الأمر الذي هو متمّم للحج. هذه ملاحظة، أي تهيئة النفس والقلب للدخول إلى الساحة المقدسة للحج.
توصية أخرى هي معرفة قدر كلّ لحظة من لحظات هذا السفر. بالطبع، لقد قلتُ مرات عدة من قبل إن التسوّق عيبٌ. بأيّ نيّةٍ تذهبون إلى التسوّق هذا عيب! نختلق الأعذار فنقول مثلاً: لا، هناك شيء ضروري على المرء [شراؤه]. لا، إنه ليس ضرورياً. بدلاً من أن تصرفوا أوقاتكم في تلك الأسواق الإشكالية – لا أريد الآن أن أستخدم تعابير أكثر قساوة، رغم أنّ الموقف يتطلب تعابير أكثر قساوة حقّاً – وبدلاً من قضاء الوقت في تلك الأسواق وتلك المتاجر والمحلات التجارية اذهبوا وصلّوا ركعتين في المسجد الحرام لذاك الشخص الذي تريدون أن تشتروا له الهديّة. اذهبوا وأدّوا الطواف حول الكعبة نيابةً عنه. اذهبوا وادعوا له هناك. اذهبوا واقرأوا له نصف صفحة من القرآن. هذه هي الهدية الحقيقية. ذاك الشيء الذي تشترونه هناك هدية هو أغلى من المنتج المحلي، والمنتج المحلي أفضل منه في أحيان كثيرة وأرخص أيضاً. اشتروه من هنا. إذا كنتم ترغبون في شراء هديّة لشخص ما – الهدية جيدة، لا مشكلة في ذلك – اشتروها هنا. لماذا تشترونها من هناك؟ هذه المساعدة لمن؟ بأي ثمن أيضاً؟ بأي ثمن روحي ومعنوي؟ هذا غير الثمن المالي والمادي. إنها توصية أيضاً.
قضية أخرى هي الوحدة، الوحدة [الإسلامية]. الحجّ مظهرُ وحدة الأمة الإسلامية. اسعوا ألّا تختل هذه الوحدة. اسعوا ألّا تختل هذه الوحدة. كان الأئمة (ع) يذهبون ويشاركون في صلاة الجماعة التي يؤمّها شخص ما في المسجد الحرام. كان الإمام الصادق (ع) يذهب ويشارك. كان يتعمّد أن يشارك وأن يروا ذلك. ما الهدف من هذا؟ لماذا ننسى هذه الكلمات؟ نكررها مئة مرّة [لكن] يرفع أحدهم صوته من تلك الناحية حول مسألة السنّة والشيعة والخلافات والانقسامات. لماذا يفعلون ذلك؟ لماذا يعملون لمصلحة العدو؟ ألا يعلمون أنّ افتعال الخلافات خاصة بين الشيعة والسنة هو من فنون البريطانيين، وأن من العيوب والثغرات التي استخدمها البريطانيون دائماً الفجوة بين الشيعة والسنة؟ شيئاً فشيئاً قد تعلّم الآخرون أيضاً، والآن تلحظون أنّه في مراكز الدراسات الأمريكية – مراكز الدراسات السياسية وأمثال ذلك – وفي تحليلاتهم التي يطرحونها [يقولون]: الأفراد الفلانيون شيعة، والأماكن الفلانية شيعية، والأماكن الفلانية سنيّة. وصلتهم أيضاً [مسألة] الشيعة والسنة. لا تفعلوا ذلك! لا تفعلوا! فلتعيشوا معاً بأخوّة.
نعم، هناك اختلاف في الرأي، وهناك اختلاف في الرأي حول المعتقدات والعقائد أيضاً لكن يوجد اشتراك في الرأي. لدنيا هذه المشتركات كلها وهذه الأمور المشتركة كافة، فهل نضعها جميعها جانباً ونذهب نحو الخلافات؟ لا تسمحوا بذلك! لا تسمحوا! نهى الإمام [الخميني] (رض) الصلاة جماعةً في القوافل. قال حينذاك: «لا تفعلوا». اذهبوا وصلّوا هناك. اذهبوا وصلّوا في المسجد الحرام. هذا من أجل الوحدة. عزّزوا هذه الوحدة بكلّ ما تستطيعون.
من الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى الوحدة التواصل المُبيّن والجيّد. من الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى الوحدة هي الاستفادة من هؤلاء القرّاء الموقّرين. سمعتُ أنّ عدداً من قرّاء القرآن سيذهبون مجدّداً هذا العام، بحمد الله. هذا عمل جيّد للغاية. ليذهب هؤلاء القرّاء وليقرأوا، وليستمتع المستمعون لكلام الله كما أستمتع كثيراً في كلّ مرّة أستمع لقراءاتهم وتلاواتهم. هذا أحد الأمور التي تؤدّي إلى الوحدة. القرآن مدعاة الوحدة بين المسلمين ومثل هذه [الأعمال].
قضيّة أخرى هي قضيّة الصهاينة. إنّ بلاء الصهيونيّة اليوم بلاءٌ مباشر وفوري وملموس بالنسبة إلى العالم الإسلاميّ. لطالما كانوا بلاء، حتّى قبل تأسيس الحكومة المزيّفة للكيان الصّهيونيّ. آنذاك أيضاً كان أصحاب رؤوس الأموال الصهاينة حول العالم بلاء على الجميع لكنّهم الآن بلاء على العالم الإسلاميّ خاصّة. لا بدّ من فضح هذا الأمر وقوله بأيّ أسلوب تجيدونه، وعلى أيّ نحو تقدرون عليه. هذه الحكومات، الحكومات العربيّة التي صافحت الصهاينة وقبّلوا وجنات بعضهم بعضاً واجتمعوا… وأمثال هذه الأمور، لن يجنوا أيّ فائدة من هذا العمل. لا شيء! لا يحمل هذا الأمر لهم سوى الضّرر. بدايةً شعوبهم معارضة، عرباً وغير عرب، وقد تحدّثت عن العرب، لكنّ بعض غير العرب أيضاً فعلوا العمل نفسه؛ شعوبهم معارضة. هؤلاء يجلسون هناك معاً ويحتسون القهوة وشعوبهم هنالك في الأسفل ترفع القبضات وتطلق الشعارات. إذاً هذا مضرٌّ لهم. إضافة إلى ذلك، الكيانُ الصّهيوني يمتصّ هؤلاء، هو يستثمرهم وينتفع منهم. هؤلاء ليسوا ملتفتين ولا يدركون ذلك. طبعاً سيدركون هذا الأمر بعد مدّة ونأمل ألا يكون قد فات الأوان حينها. لا بدّ من فضح هذه الأمور. الأمر الوحيد الذي يدفع هؤلاء وهذه الحكومات إلى فعل ذلك هو إرادة أمريكا. يسعون إلى العمل وفق إرادة أمريكا، فلأنّها ترغب في هذا الأمر يعملون به، ولأنّ ضغوط أمريكا موجودة هم يعملون [ذلك]. من أجل هذا فقط، وإلّا فلا يحمل لهم فعلاً أيّ فائدة.
نقطة أخرى هي قضيّة مسؤوليّة الحكومة المضيفة. هناك مسؤوليّات ثقيلة تقع على كاهلهم. مكّة ليست ملكاً لهم. مكّة للنّاس جميعاً؛ {إِنَّ أَوَّلَ بَيتٍ وُضِعَ لِلنَّاس} (المائدة، 96). وُضِعَ للنّاس؛ {سَواءً العاكِفُ فِيهِ وَالبادِ} (الحجّ، 26). ذاك الذي يسكن هناك، وذاك الذي يأتي من الخارج، الجميع متساوون. هي ملكٌ للجميع، وليست ملكاً لهذه الحكومة. في النهاية هناك دولة لديها الحاكمية وتدير الأمور هنالك. لذا عليها أن تتصرف لمصلحة العالم الإسلامي لا مصلحتها الخاصة. هذه الأمور التي نقلوها بشأن زيادة بعض التكاليف وأمثالها هي أعمال لا بدّ أن يعيدوا النّظر فيها، وأيضاً عليهم حفظ أمن الزوّار. إنّني أطالب بجديّة بحفظ أمن الزوّار من العالم الإسلاميّ جميعاً، خاصّة أمن الزوّار الإيرانيّين. هم مسؤولون، مسؤولون عن صون هذا الأمن، وألا يسمحوا بتكرار الفجائع السابقة.
نقطة أخيرة أيضاً هي أنكم – مسؤولي الحجّ – بإمكانكم أن تقصّروا مدّة [سفر] الحجّ. هذه من القضايا المهمّة حقّاً. الآن يستغرق الأمر عشرين يوماً ونيّفاً تقريباً. ابحثوا: هل يمكن عمل شيء ما؟ في النهاية، ليس هناك عمل غير ممكن. يجب أن تجدوا طريقة لذلك. ابحثوا وفتّشوا عن طريقة لتقصير مدّة [سفر] الحجّ. حسناً، عندما تقصرون مدّة سفر الحجّ، قد يرغب شخص ما في البقاء مدة أطول للزيارة أكثر فيبقى، ولكن إذا أراد أشخاص أن يعودوا أبكر، يمكنهم ذلك. تابعوا هذا الأمر، ليس الأمر سهلاً بالطبع. إنه عمل شاق. أعلم ذلك لكن في الوقت نفسه تمكن متابعة ذلك والتفكير فيه.
أسأل الله المتعالي أن يوفّقكم جميعاً – إن شاء الله – ويعينكم على أداء هذه المسؤولية العظيمة والحساسة والمُهمة على أكمل وجه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]. في بداية هذا اللقاء، قدّم حجة الإسلام والمسلمين السيد عبد الفتاح نواب، وهو ممثل الولي الفقيه لشؤون الحجّ والزيارة، والسيد صادق حسيني، وهو رئيس مؤسسة الحجّ والزيارة، تقريرَيْهما بشأن الاستعدادات والخطط الموضوعة لإقامة مراسم الحجّ هذا العام.
[2] ممثلية الولي الفقيه في بعثة الحجّ.