الشيخ مهدي أبو زيد
هي أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، بعد كلّ فريضة. تسبيحة مقرونة باسم سيّدة نساء العالمين الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام، فكانت من جليل ألطاف الباري تعالى على عباده المؤمنين. ما هي قصّتها؟ وما هو فضلها؟
قصّة تسبيح الزهراء عليها السلام
ورد في قصّة هذا التسبيح أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لرجل من بني سعد: “ألا أُحدّثكم عنّي وعن فاطمة عليها السلام أنّها كانت عندي […]، وطحنت (بالرّحى) حتّى مَجَلَت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها. وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها:
لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حُدّاثاً فاستحيت فانصرفت. فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنّها جاءت لحاجة”، -فلمّا قصد البيت العلويّ يستعلم الحال أخبره أمير المؤمنين عليه السلام -: “أنا والله أُخبرك يا رسول اللَّه، إنّها […] جرّت (بالرّحى) حتّى مَجَلَت يداها.
وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل، قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أُعلَّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين.
فقالت فاطمة عليها السلام: رضيت عن اللَّه وعن رسوله، رضيت عن اللَّه وعن رسوله”(1). أمام هذا الواقع الأليم والتوصيف الدقيق لحال كريمة خير البريّة، يقايضها صلى الله عليه وآله وسلم بعض راحة الدنيا بالعزّ والكرامة الأخرويّة، تاركاً لنا أن نتلمّس من خلف ذلك دروساً، وما في رضاها عليه السلام. إلّا التسليم لاختيار الله تعالى، وما يريده من الخير لعباده.
كيفيّة التسبيح
أمّا في كيفية هذا التسبيح فقد ورد بطريقتين. أشهرهما ما أورده العلّامة الحلّي: “وتسبيح فاطمة الزّهراء عليها السلام: التكبير أربعاً وثلاثين، والتّحميد ثلاثاً وثلاثين. والتّسبيح ثلاثاً وثلاثين على هذا التّرتيب في الأشهر”(2).
واستدلّ على ذلك بما روي عن مولانا الصادق عليه السلام، وقد سئل عن كيفيّة تسبيح فاطمة الزهراء عليها السلام: فقال: “الله أكبر” حتّى أحصى أربعاً وثلاثين مرّة. ثمَّ قال: “الحمد لله” حتّى بلغ سبعاً وستّين. ثمَّ قال: “سبحان الله” حتّى بلغ مائة يحصيها بيده جملة واحدة (3).
وعن أبي بصير، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام. قال: “يبدأ بالتّكبير أربعاً وثلاثين. ثمَّ التّحميد ثلاثاً وثلاثين. ثمَّ التّسبيح ثلاثاً وثلاثين”(4).
فضل تسبيح الزهراء عليها السلام
1. يورث التوفيق:
عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “معقّبات لا يخيب قائلهنّ دبر كلّ صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة. وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة”(5).
2. يدفع الشقاء:
روى أبو هارون المكفوف، عن أبي عبد الله مولانا الإمام الصادق عليه السلام: “يا أبا هارون، إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة. فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي”(6).
3. أفضل النحل:
عن مولانا الإمام الباقر عليه السلام: “ما عبد الله بشيء أفضل من تسبيح الزهراء عليها السلام ولو كان شيء أفضل منه لنحله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام “(7). وكان عليه السلام يقول: “تسبيح فاطمة عليها السلام في كلّ يوم دبر كلّ صلاة أحبّ إليّ من صلاة ألف ركعة في كلّ يوم”(8).
مواطن تسبيح الزهراء عليها السلام
1. عقيب الفرائض اليوميّة:
عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: “لأن أصلّي الخمس الصلوات مجرّدة من نوافلها. وأسبّح في عقب كلّ فريضة منها تسبيح الزهراء عليها السلام. أحبّ إليّ من أن أصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، لا أسبّح فيما بينها تسبيح فاطمة عليها السلام “(9).
وفي جوابه عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: 41) ما حدّ هذا الذكر؟ فقال: “من سبّح في عقب كلّ فريضة (تسبيح) الزهراء فاطمة عليها السلام فقد ذكر الله ذكراً كثيراً”(10).
2. عند المبيت (إذا أوى المرء إلى فراشه):
عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام: “عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لأخوين: إذ أويتما إلى المنزل فصلّيا العشاء الآخرة، فإذا وضع أحدكما جنبه على فراشه بعد الصلاة فليسبّح تسبيح فاطمة عليها السلام، ثمَّ ليقرأ آية الكرسيّ فإنّه محفوظ من كلّ شيء حتّى يصبح، فعملا به وحفظا من اللصوص الراصدين لهما وخيل إليّهم أنّ عليهما حائطاً”(11).
موضع التسبيح
“سبّح بتسبيح فاطمة صلوات الله عليها بعد الفريضة، وهي: أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، فإنّ من فعل ذلك قبل أن يثني رجليه غفر الله له”(12).
وقد ورد في ما نقل عن الإمام الخمينيّ قدس سره أنّه استفاد في شبابه من أحد علماء مشهد المقدّسة المعروف بالشيخ النخودكي في طريقته في التعقيب. التي ذكر فيها في البدء التسبيح المبارك للصدّيقة الطاهرة عليها السلام، ثمّ ذكر محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ التوحيد ثلاثاً، ثمّ الآية الشريفة: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾ (الطلاق:2)، ثمّ آية الكرسيّ.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدفع عن المؤمنين كلّ سوء، وأن يحيطهم ببركة هذا التسبيح المقدّس، وأن يمتّعهم بالظلّ المبارك لمولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّه سميع الدعاء قريب مجيب.
1.العلّامة الحلّي، تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 265 – 266.
2.العلّامة الحلّي، منتهى المطلب، ج 5، ص 244.
3.الفيض الكاشاني، الوافي، ج 8، ص 790.
4.الشيخ الجواهري، جواهر الكلام، ج 10، ص 400.
5.العلّامة الحلّي، مصدر سابق، ج 3، ص 265.
6.الحرّ العامليّ، هداية الأمّة، ج 3، ص 187.
7.الشيخ التستريّ، قاموس الرجال، ج 12، ص 331.
8.الشيخ الكليني، الكافي، ج 3، ص 343.
9.الشيخ المفيد، المقنعة، ص 140.
10.الشيخ المفيد، المصدر نفسه، ص 140.
11.العلّامة المجلسيّ، روضة المتقين، ج 4، ص 273.
12.الشيخ الصدوق، الهداية، ص 141.