كان الإمام الخميني شخصية كبرى بحيث لا يمكن العثور على نظير له بين العظماء ورجال التاريخ، فيما عدا الأنبياء والأولياء المعصومين عليهم السلام
القائد الخامنئي دام ظله
* ملاحظات حول شخصية الإمام قدس سره
إنّ الذي رسم معالم هذا الخط وملامحه، هو رجل من أعاظم فقهائنا، وفيلسوف عارف متأله. بل إمام العارفين في هذا الزمن، وهو مفكر إسلامي، وقائد ثورة. ومؤسس دولة، وصاحب تجربة جهادية كبرى.
وعندما يكون هذا الشخص هو صاحب هذه المقامات العلمية والروحية والجهادية العالية. فمن المحتم أنه سيترك آثاراً إيجابية على طبيعة الأفكار المطروحة في هذا الخط. وواقعيتها. وحتى ندرك حجم هذه الشخصية وعمقها، نستمع إلى كلام ولي الأمة القائد السيد الخامنئي، حفظه الله، حيث يقول:
“حقاً إن الشخصية العظيمة لقائدنا الكبير وإمامنا العزيز. لا يمكن مقارنتها – بعد أنبياء الله والأولياء المعصومين – بأية شخصية أخرى.
لقد كان وديعة الله عندنا، وحجة الله بين ظهرانينا، ودليلاً على عظمة الله. وحينما كان يراه المرء يدرك جيداً عظمة هذا الدين.. حينما يرى المرء شخصية بعظمة إمامنا العزيز. فإنه يخشع ويهطع رأسه إجلالاً وإكباراً لكل تلك الخصال السامية التي كان يتحلى بها. والأبعاد المختلفة التي تتوفر في شخصيته؛ من الإيمان القوي، والعقل الكامل، والحكمة، والنبوغ، والصبر والحلم والوقار، والصدق والصفاء. والزهد وعدم الاعتناء بزخارف الدنيا. والتقوى والورع ومخافة الله والعبودية المخلصة لله. وتلك شخصية لها كل هذا القدر من العظمة وتتوفر فيها كل تلك الأبعاد. لهي بعيدة عن متناول الأيدي ويتعذر بلوغ مستواها “.
* وضوح الفكرة
لقد كانت لغة الإمام في خطابه للجماهير واضحة غير قلقة، ولا يعتريها أي غموض. إلاّ أن المراد بذلك ليس سلامة اللغة من الأخطاء اللغوية والبلاغية، بل المراد عدم استخدام كلمات ومصطلحات غامضة. وعبارات قلقة ناتجة عن عدم وضوح الموقف السياسي، بل نجد الأفكار واضحة وحاسمة. ولا يعتريها أدنى التباس أو تردد.
* بساطة التعبير ووضوحه
ويتبين ذلك بالرجوع إلى كتب الإمام وخطبه وبياناته. حيث يجد المتتبعُ هذا الفيلسوف والعارف والفقيه الأصولي، يحادث الناس بلغة بسيطة سهلة وواضحة، وذلك بخلاف العلماء الذين يريدون إبراز علمهم ومعرفتهم للناس. فيتكلمون معهم مستخدمين المصطلحات العلمية والفلسفية لينظر إليهم الناس على أنهم علماء جليلون وفهماء. دون أن يعووا شيئاً من كلماتهم.
الإمام قدس سره لم تكن لديه مثل هذه العقدة. بل كان جل همّه إفهام الناس. وأذكر في هذا المجال عندما كنّا نقرأ بيانات الإمام في بداية انتصار الثورة، كان بعض العلماء يقول: اعتقد أننا نملك من العلم والثقافة أكثر مما يملكه الإمام، لأنه كان يعتقد أن ما كان يقرأه من بيانات الإمام وخطبه على درجة كبيرة من الوضوح. وأنه من السهل أن يكتب الإنسان أفضل من ذلك.
ولعلنا نستطيع أن نستفيد هذا المعنى من كلام لسماحة السيد الخامنئي حيث يقول:
“لقد أيقظ ذكرُ الإمام الخميني واسمه ضمائر مسلمي العالم؛ ذلك الإمام العظيم الذي من الله عليه بأن مكّنه من الأخذ بمجامع قلوب الواعين من هذا الشعب وقافلة عظيمة من مسلمي العالم ومستضعفيه. فكان يقتحم بواسطة هذا السلاح الإلهي قلاع الاستكبار الحصينة الواحدة تلو الأخرى ويفتحها، ويرعب رأس الاستكبار أمريكا المصاصة للدماء ويزلزل عروش الامبراطوريات التي لا منازع لها “.
المتتبع لكلمات الإمام وخطبه وبياناته يلتمس بشكل واضح وجلّي. المسحة الجهادية والعرفانية في لغة الإمام، حتى عندما يعالج قضايا السياسة والثورة والحياة. فإنا نرى هذه المسحة في كل قضية؛ إنها في الحقيقة مسحة إلهية. ومن الواضح أن هذه اللغة ناتجة عن إرتباط الإمام قدس سره بالله تعالى، حيث نجد سماحة ولي أمر المسلمين – حفظه المولى – يؤكد على هذا الموضوع في كلام له، فيقول:
“إن العامل الأساس في تحقيق هذا الرجل لكل هذا النجاح هو الحالة المعنوية والارتباط مع الله والعلاقة الوثيقة به والتقوى والعمل لله بإخلاص، وتنزيه العمل حتى من النظر إلى نتائجه الظاهرية “.
* أصالة مصطلحات الإمام وتعبيراته
لم يكن الإمام التقاطياً على مستوى الفكرة أو على مستوى المصطلحات، بل كان من أكثر المفكرين الإسلاميين أصالة، والذي أعاد للمصطلحات الإسلامية مكانتها في التعبير، ولذلك نراه أكثر من استخدم تعابير مثل: “الطواغيت “، “المستكبرين “، “الظالمين “، “المستضعفين “.
كما أنّ الإمام قد استخدم مصطلحات جديدة مثل “الغدة السرطانية ” وما شاكل، وكل هذا يؤكد على أنه كان حريصاً على أن يكون أصيلاً غير التقاطي، حتى على هذا المستوى.
* نظرة الإمام إلى حالة السير العامة للفرد والأمّة
من خلال قراءة الإمام للساحة الإسلامية، وجد أنّ هناك اتجاهات وتيارات منحرفة عن الإسلام الأصيل، أمثال مدارس التصوف المتعددة، والتي تقف قبالة مدرسة العرفان الأصيلة المبنية على مذهب أهل البيت عليه الصلاة و السلام. حيث رأى انحرافاً في فهم هذه المدرسة في بعض أوساط الحوزة بين العلماء والطلاب، وكذلك بين بعض الناس في إيران، وداخل المجتمع الشيعي بشكل عام.
من هذا المنطلق، وكون الإمام رجلاً عرفانياً من الطراز الأول، عمل رضوان الله تعالى عليه على إعادة الأصالة إلى هذا الخط، بعد أن خاض مواجهة كبيرة، وعسيرة، وكان تصحيحه لهذا الخط من داخله.
* الخط العرفاني في نظر الإمام الراحل قدس سره
المدارس العرفانية تنادي بضرورة التوجه إلى الدراسة والتعرف على الله تبارك وتعالى، والتدبر في الخلق، والقيام بالعبادة والجهاد الأكبر لتهذيب النفس، لكن المشكلة أنه خلال عملية التهذيب هذه، غالباً ما تستخدم وسائل غير إسلامية كتعذيب النفس على الطريقة البوذية أو الهندوسية التي كانت سائدة في الهند، واللجوء إلى بعض الرياضيات البدنية والنفسية المرهقة جداً، والتي غالباً ما توقع الإنسان في محاذير شرعية.
إن مثل هذه المدارس تقضي بأن يبتعد الإنسان عن قضايا الحياة وهموم المسلمين. بما تفرضه من قواعد وتعاليم تجعل الإنسان هو المحور والهدف، وهذا ما أوجد في إيران طبقات كثيرة من هذا النوع، بعيدة كلّ البعد عن حياة المسلمين وقضاياهم وشؤونهم، فسعى الإمام لمواجهة هذه المدارس وبأشكال مختلفة.
يرى الإمام قدس سره أن مثل هذا الخط المنحرف لا يوصل إلى الله تعالى، فهؤلاء يظنون أنفسهم أنهم قد وصلوا، إلاّ أنهم ضلوا الطريق. فمن أكبر المخاطر في السير والسلوك إلى الله تعالى، أن يظن الإنسان نفسه سائراً في الاتجاه الصحيح، وحينما تُبلى السرائر ويُكشف الغطاء، يتبين له أنه كان من الأخسرين أعمالاً، وأنه كان في حضن الشيطان لا في كنف الرحمن تعالى. الإمام يركز في حديثه على هؤلاء، حيث يعتبر أن السير والسلوك إلى الله تعالى لا بدّ وأن يكون من خلال الوسائل المشروعة، إذ (لا يطاع الله من حيث يعصى). فاستعمال الرياضات النفسية والبدنية غير المشروعة هو عمل شيطاني، يبعدنا عن الله ولا يقربنا منه. وعلى هذا الأساس يؤكد الإمام بأن أية رياضة نفسية أو بدنية خارج الحدود المرسومة في الشريعة هي موصلة إلى الشيطان وليست موصلة إلى الرحمن تقدس اسمه.
ويؤكد الإمام الراحل
أن اليقظة هي الخطوة الأولى في عملية السير نحو الله تعالى. والتي تعني استيقاظ الإنسان من غفلته وكبوته والتفاته إلى ربه وخالقه، حيث تأتي خطوة السير إليه بعد هذه اليقظة، وذلك بفعل الواجب وترك الحرام، كحد أدنى. ومن هنا يرى قدس سره أن بعض الذين يدعون العرفان لم يخطوا هذه الخطوة بعد، لكن لماذا؟؟ يجيب الإمام: أليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الواجبات الشرعية؟! أليست الدعوة إلى الإسلام وتبليغ أحكامه من أهم الواجبات التي من أجلها بذل الإمام الحسين عليه السلام دَمَهُ؟! إنّ هؤلاء، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. أين هم من الواجبات التي بذل الإمام الحسين عليه السلام لأجلها دمه؟!.
ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم” فأين اهتمام هؤلاء بأمور المسلمين؟!.
إنهم بعدم اهتمامهم ليسوا بمسلمين فضلاً عن أنهم غير سالكين وغير عارفين. أين إغاثة الملهوف؟ أَين إعزاز الإسلام؟ أين الدعوة إلى الله؟ اين الدفاع عن أموال المسلمين وأعراضهم ودمائهم؟!. إنّ هؤلاء، لم يخطوا الخطوات الأولى بحسب فهم الإمام قدس سره لمدرسة العرفان وأصولها.
وقد يتساءل البعض: إذا كانت هذه حال هؤلاء الناس من أصحاب النهج العرفاني المنحرف. فكيف يقرأون نوايا الناس ويعرفونها؟
والجواب أنه إن كانوا يعرفونها، فذلك لا يميزهم عن أي رجل بوذي أو هندي قد يعرف ذلك أيضاً، فمسألة القدرات الروحية شيء، والسير والسلوك شيء آخر ومختلف لاعتماده على أداء حق العبودية لله تعالى. فما دام الإنسان يرتكب المحرمات والمعاصي، لا يمكن أن يتقدم خطوة واحدة.
* تشبهوا بإمام العارفين علي بن أبي طالب
يذكر الإمام المقدس هؤلاء المنحرفين عن النهج العرفاني الأصيل في كلام له في ذكرى ولادة أمير المؤمنين عليه السلام فيقول:
“أيها العرفاء ألستم أنتم الذين تقولون أن سيد هذه المدرسة وإمامها هو علي بن أبي طالب عليه السلام وتدعون أنكم تنتسبون إليه؟ دلوني إذاً على مغارة كان يختبئء فيها، لسنوات طويلة. هل نصب علي بن أبي طالب خيمة في الصحراء وهجر الناس؟ هل تخلّى عليه السلام عن أمور المسلمين وقضاياهم وتفرغ للعبادة كما تفعلون أنتم؟ ألم يكن عليه السلام يعيش هموم المسلمين ومشاكلهم؟ الم يحمل السيف ويدافع عن بيضة الإسلام؟ ألم يقطر سيفه من دماء المشركين والكافرين؟ ألم يقطر سيفه من دماء المارقين والقاسطين والناكثين؟ هذا هو إمام العارفين وهذا إمام المتصوفة.. دلوني هل يوجد واحدٌ منكم مثل علي بن أبي طالب عليه السلام؟؟. فلو كان السير إلى الله أن يختبىء الإنسان في بيته أو أن يجلس في زاوية من زاويا المسجد. لكان الأولى بفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام.
إذاً هذا هو النهج الذي طرحه الإمام قدس سره. وهو القائم على قاعدة أداء التكليف الإلهي في أبعاده وجوانبه المختلفة. ورفض المنهج العرفاني والتصوفي الداعي إلى الابتعاد عن هموم المسلمين وقضايا الحياة.
فهذا المنهج ليس خاطئاً فحسب، بل منحرف وشيطاني، ولا يمت بصلة إلى الإسلام المحمّدي الأصيل. وهو ما يعبر عنه الإمام أحياناً بالإسلام الأمريكي، ويعتبر إن كل إسلام يفصل الدين عن السياسة ويفصل العلماء عن الأمة هو إسلام أمريكي.
* شبهة ورد
هناك شبهة قد تكون عالقة في بعض الأذهان، وهي أنا كيف نفسر قعود الأئمة عليه الصلاة و السلام بعد الإمام الحسين عليه السلام، وهو ما يحتج به كثير من العلماء والفقهاء والمؤمنين، وكأنهم يريدون القول إن الإمام الحسين عليه السلام ليس بحجة، والحجة هم الأئمة عليهم السلام بعده.
صحيح أن الأئمة عليهم السلام بعد الحسين عليه السلام لم يقوموا بثورة مسلحة مباشرة. لكنهم قاموا وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وواجهوا كل أنواع الظلم بأساليب مختلفة، حتى أننا نجد عندما نقرأ أدعية الإمام زين العابدين عليه الصلاة و السلام الذي كان محاصراً في المدينة. الكثير من المواقف الجهادية السياسية التي تؤكد ثوابت أهل البيت عليه الصلاة و السلام، والتي صاغها هو بأسلوب الدعاء. فالذي تغير عند الأئمة عليه الصلاة و السلام ليس النهج وإنما الأسلوب فقط. فنهج الأئمة عليه الصلاة و السلام قائم على أساس الثورة والنهوض والقيام، ومصارعة الباطل والظلم والعدوان.
لكن أسلوب كل إمام اختف عن أسلوب البعض الآخر منهم، كل حسب ظروفه ومعطيات عصره. وللتأكيد على صعوبة الظروف التي مرّ بها الأئمة عليه الصلاة و السلام بعد استشهاد الإمام الحسين والتي اقتضت تغيير الأسلوب. ننقل كلاماً لسماحة ولي أمر المسلمين السيد الخامنئي حفظه المولى. حول سيرة الإمام السجاد عليه الصلاة و السلام. حيث يقول: “يظن البعض أن الإمام فيما لو أراد أن يقاوم نظام بني أمية لكان ينبغي أن يرفع راية المقاومة العسكرية. أو أن يلتحق بالمختار أو عبد الله بن حنظلة أو أن يقودهما معلناً بذلك المقاومة المسلحة بكل وضوح…
لو قام الأئمة عليه الصلاة و السلام، ومن جملتهم الإمام السجاد عليه السلام في تلك الظروف
بمثل هذه التحركات العلنية، والسلبية، فباليقين لما بقي للشيعة باقية، ولما بقيت الأرضية أو فسح المجال لاستمرار ونمو مدرسة أهل البيت ونظام الولاية والإمامة فيما بعد “.
فيا جناب العرفاء والفقهاء والعلماء الأجلاء.
إذا كنتم لا تريدون المواجهة والدخول في الحرب، فلا يعني ذلك أن تجلسوا في البيت وتقولوا إن الأئمة عليه الصلاة و السلام قعدوا، فلنقعد نحن، الأئمة عليهم لسلام دعموا الثورات مالياً ومعنوياً. ووجهوا أنصارهم وشيعتهم ليكونوا جنوداً في تلك الفترات. وعدم دخول الأئمة عليه السلام مباشرة. في تلك الثورات أحياناً كان لمصلحة استمرار الرسالة.
* المدرسة العرفانية المنحرفة؛ تعاليمها ومضارها
إذا شئنا أن ندخل في بعض تفاصيل المدرسة الصوفية المنحرفة، نجد أن كثيراً منها هو خلاف الأحكام الفقهية
فبعض المتصوفة مثلاً يلبس ثيابه لمدة طويلة دون غسيل، ولا يغتسل إلاّ من الجنابة لأنه مضطر لذلك لأجل الصلاة. وبعضهم لا يمشط شعره ويترك لحيته تطول بخلاف المألوف، ولا يقلم أظافره. وقد يلبس ثياباً ممزقة ويعلل ذلك بأنه زهد في الدنيا. ومما لا شك فيه أن الإسلام لا يقبل بهذا السلوك. لأنه إذا كانت الخطوة الأولى في السير إلى الله هي فعل الواجب وترك الحرام، فإنّ الخطوة الثانية هي فعل المستحب وترك المكروه. ومن لا يراعي شؤون النظافة فإنه ينافي المستحب. وفي ذلك يقول صلى الله عليه وآله وسلم:
“تنظفوا فإنه لن يدخل الجنة إلا كل نظيف”. فسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تروي أنه كان دائماً يحمل المشط، وعندما كان يذهب للقاء أصحابه، كان ينظر في إناء ماء صافية ليمشط شعره. وحينما يُسأل عن ذلك يقول: “إن الله يحب لي أن أتزين لأصحابي”.
قفص الأظافر مستحب وكذلك التنظيف والتطيب حتى قيل إن كل شي فيه إسراف إلاّ الطيب؛ والطيب كما هو معلوم يتنافى واتجاه المتصوفة. فالاهتمام بالمظهر الخارجي إذاً من المستحبات التي ندب إليها الإسلام بحيث لا يصل إلى حدّ البذخ، والترف والإسراف، وليس من الزهد لبس الثياب الممزقة أو الوسخة. وهذا الأمر لا ينافي المستحب فقط بل يدخل في دائرة الحرام أحياناً، لأنه يعتبر لباس شهرة، أي أن يلبس المء ثياباً غير متعارفة للفت نظر الناس إليه، وهو من المحرمات.
* توجهيات
في الوقت الذي كان الإمام قدس سره يهاجم فيه هؤلاء العرفاء والمنحرفين، كان يوجه خطاباته وبياناته إلى الناس أمثالنا ليقول إنه ليس معنى أن يصبح الإنسان عارفاً أن لا يعرف إلاّ الصلاة والصوم والحج والزكاة فقط، دون أن تكون له علاقة بالسياسة. ولا يعني ذلك أيضاً أن يصبح الإنسان رجل سياسة وثورة وحرب. ولا علاقة له بالورع والطكر والتقوى وقيام الليل؛ فإن كلا هذين المنهجين خاطىء ومرفوض.
فرأي الإمام قدس سره أن العمل السياسي والجهادي – أو أي عمل آخر – هو عمل عبادي، ويدعو كافة فئات الشعب إلى خلوص النية لله تعالى في كل عمل يقومون به، لأن الشيطان مسلّط عليهم في كل وقت ولحظة لأجل إغوائهم وإبعادهم عن طريق الله تبارك وتعالى. فأنت في هذا التنظيم مثلاً، معرض لمرض التكبر، والعجب والرياء، والنميمة، وغيرها من الأمراض. كما أنه من الممكن أن يصبح همك كيف تكون مسؤولاً. وكيف تبقى مسؤولاً فتنسى أن المسيرة لله تعالى، لأجله يجب أن تستمر وتبقى. يقول الإمام قدس سره:
“يجب عليكم أن تبنوا أنفسكم حتى تستطيعوا القيام بالثورة، وبناء النفس معناه أن تتبعوا أحكام الله. وعندما يتم ذلك فإن الإنسان يصل إلى مرتبة من الإنسانية، وهناك مراتب أخرى. وإذا وجدت هذه المرتبة من الإنسانية فلن تقع بعد ذلك في العمل أية نكسة، فالأعمال التي في سبيل الله لا يوجد فيها أية خسارة “.
* تزكية النفس وتهذيبها
إن أية مسيرة عمل جهادي تواجه أخطاراً كبرى. لا يقدر على تجاوزها إلا الذين يعملون على تزكية نفوسهم وتهذيبها. فكلما ازدادت صلاحيات الإنسان ومسؤولياته، يجب أن تزداد تزكيته لنفسه. لأن اتساع دائرة الصلاحيات والمسؤوليات، يعني اتساع دائرة إمكان وقوعه في الحرام ولذا قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “من ازداد علماً ولم يزدد تقى لم يزدد من الله إلا بعداً “.
فالجاهل يضيع نفسه، لكن العالم أو المسؤول الذي لا يُخلص لله تعالى. يضيع نفسه ويقطع طريق الناس إلى الله سبحانه، وكلما ازداد علماً استطاع تضييع الناس أكثر. فها هو الإمام قدس سره يقول: “إذا أراد أحدٌ أن يربي مجتمعاً ما، وأن يدعوهم إلى الإسلام فيجب عليه أن يكون مسلماً في نفسه أولاً وأن يدعو باطنه إلى الإسلام… إذا لم يكن في نفسه مسلماً فلن يستطيع أن يجعل الآخرين مسلمين”.
* في الختام
إن الإنسان العارف بنظر الإمام قدس سره هو الذي يستيقظ من أول الطريق، ويبد سيره إلى الله بفعل الواجب وترك الحرام، ويتحمل كل أعباء الحياة على قاعدة أنها ساحة لأداء التكاليف الإلهية، ساحة عبودية لله جل شأنه وتقدس اسمه. أما أعمال المتقدسين فهي مدانة، وأعمال السياسيين بلا تقوى وورع هي كذلك. علينا أن نأخذ النموذج الذي عاشه أمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام حيث كان الرجل العابد البكاء في جوف الليل وسافك دماء أعداء الله في النهار. كل الرجل المتفرغ للعبادة والمتوجه إلى قضاء حوائج الفقراء والسماكين. كان يتألم لهتك عرض ولو كان سلب امرأة ذمية قرطاً لها. كما حصل في اليمن عندما هاجم معاوية الأنبار بجيش له في اليمن. فهل تتألم قلوبنا عندما نسمع بأن لنا هناك أخوات في معتقل الخيام في الشريط الحدودي، أو أنّ هناك نساء مسلمات في أي سجن من سجون العالم تحت
* يد الظالمين والطواغيت؟
هل تذوب قلوبنا حين نسمع ذلك؟ يقول علي عليه السلام في تعليقه على سلب الذمية: “فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً “.
هذا هو المسلك العام الذي عاشه الإمام رضوان الله تعالى عليه. دعا إليه طوال حياته. واعتبر أنه يجب أن يحكم مسار الفرد والأمة، وكان يخاطب بهذه اللغة الحوزات العلمية. ومجلس الشورى والقوات المسلحة والحكومة والقضاة ومختلف طبقات الشعب. وسائر المسلمين في العالم:
“لتستيقظ الحوزات العلمية. التقوى، التقوى، التقوى، لتكن نصب أعينهم… يجب على الجميع تهذيب أنفسهم، يجب أن يكون كل الشعب بصدد تهذيب نفسه. إن دين الإسلام هو دين التهذيب، والقرآن كتاب يصنع الإنسان. استندوا إلى القرآن وخذوا تعليمكم من التعاليم العالية للإسلام “.
وبالفعل، عندما يعود الإنسان إلى عقله ووجدانه الصافي. وعندما يقرأ كتاب الله، يجد أن كثيراً من الأفكار المشوشة والقلقة الموجودة في أذهاننا هي نتيجة لثقافتنا الالتقاطية… إذاً لا بدّ من العودة إلى الإسلام المحمدي الأصيل والتمسك به. ورفض كل الإسلامات التي تجعل الإنسان سياسياً بلا تقوى. أو زاهداً بعيداً عن قضايا المسلمين وهمومهم، وعن مسؤوليات الرسالة التي أكد الله تعالى عليها في نصوص قرآنية واضحة لا تقبل التأويل والجدل والتفسير.