المؤمن أعظم حرمة من الكعبة عند الله عز وجل لأنه حبيب الله، فهو أراد أن تكون علاقتنا به علاقة حب، قال تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[1]. والعلاقة بين الله – عزّ وجلّ – وبين العبد علاقة طوعية، ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[2]، ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية، فما عَبد اللهَ من أطاعه ولم يحبه، وما عَبد اللهَ عبادة تامة من أحبه ولم يطعه، طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، فالعبادة هي غاية الحب لله، مع غاية الخضوع له.
وترى عظيم محبة الله تعالى لعباده المؤمنين، لإيمانهم به، واتّباعهم رسله، والتزامهم نهجَ أوليائه وشريعته، وتصديقهم أخبارَه، وسلكوهم منهجَه.
هذه المحبة أورثتهم منزلة الخصوصية عند ربهم سبحانه وتعالى، فاختصهم بهداية ورحمة خاصة ليست لغيرهم من سائر الخلق، وبها نالوا سعادة الدنيا بطمأنينة القلب وفرحة اللقاء بالله تعالى، وسعادة الآخرة بالفوز العظيم والفلاح الكبير، والقرب من الرحمن جلّ في علاه، بل أصبحوا في مقام الولاية لله – عزّ وجلّ -: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[3].
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
﴿إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، ثم قال: “تدرون مَن أولياء الله؟” قالوا: من هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: “هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا. وطوبى لهم، وطوباهم أفضل من طوبانا”. قيل: ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: “لا، لأنهم حملوا ما لم تحملوا عليه، وأطاقوا ما لم تطيقوا”[4].
عن أبي جعفر عليه السلام قال: “وجدنا في كتاب علي بن الحسين عليهما السلام: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، قال: إذا أدّوا فرايض الله، وأخذوا بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتورّعوا عن محارم الله، وزهدوا في عاجل زهرة الدنيا، ورغبوا فيما عند الله، واكتسبوا الطيب من رزق الله. لا يريدون به التفاخر والتكاثر، ثم أنفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة، فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا. ويثابون على ما قدّموا لآخرتهم”[5].
ويكفي في بيان محبة الله تعالى للمؤمنين هذه الرواية، فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنه قال: “قالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ العابِدينَ عليه السلام: قَالَ اللهُ – عزّ وجلّ -: مَا مِنْ شَيءٍ أَتَرَدَّدُ عَنْهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ رُوحِ الْمُؤمِنِ يَكْرهُ الْمَوتَ وَأَنَا أَكْرهُ مَسَاءَتَهُ، فَإذَا حَضَرهُ أَجَلُهُ الَّذِي لاَ يُؤَخَّرُ فِيه بَعَثْتُ إلَيْهِ بِرَيْحَانَتَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ. تسَمَّي إحْدَاهُمَا الْمسْخِيَةَ[6] وَالأُخْرَى المُنْسِيَةَ[7]. فَأمَّا الْمُسْخِيَةُ فَتُسْخِيهِ عَنْ مَالِهِ. وَأَمّا الْمُنْسِيَةُ فَتُنْسِيه أَمْرَ الدُّنْيَا”[8].
تذكرة لمن يخشى…، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] سورة المائدة، الآية 54.
[2] سورة البقرة، الآية 256.
[3] سورة يونس، الآيات 62-64.
[4] العياشي. محمد بن مسعود. تفسير العياشي. تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي. طهران. المكتبة العلمية الإسلامية، لا.ت، لا.ط، ج2، ص124.
[5] المصدر نفسه.
[6] المسخية، مشتقّة من مادّة “السخاء”، وحين يمسكها المؤمن في يده يعبق عطرها في أنفه، فيُسكره فيسخو عن جميع ماله، ويخلو وجوده من أيّ علاقة بالمال.
[7] مشتقة من مادة “النسيان”، وحين يعطاها المؤمن فإنّ أريج عطرها ينسيه كلَّ ما عدا الله من الأمور الدنيويّة، كالزوجة والولد والعشيرة والأعوان والأنصار والخدم والحشم والاعتبار والجاه وغير ذلك.
[8] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 6، ص 152.