.* الممتلكات الشخصية للإمام
لم يكن الإمام الخميني كما عرف لدى الجميع فقيراً ومعدماً إلى حد أنه لم يرث شيئاً عن والده، وكذلك بالنسبة لقدرته في توفير وتأمين الإمكانيات التي تتيح حياة كريمة ومرفهة، والحقيقة أن الإمام كان قد وزع الأرض التي ورثها عن والده إلى الفقراء والمساكين، كما أنه أهدى جميع الأملاك والبيوت المتعددة التي قدمت له هدايا من المؤمنين والمحبين سواء قبل انتصار الثورة أو بعدها والتي لم تكن حقوقاً شرعية أو نذورات إلى المستحقين من الفقراء والمؤسسات الخيرية بعد قبوله لها وتملكها.
ومنها المساحات الواسعة التي تعد بالهكتارات من البساتين التي كانت قد قدمت إلى الإمام بعنوان هدايا، حيث أمر سماحته بعد قبولها بتوزيعها على المزارعين الذين يعملون فيها وتمليكهم إياها
وأخيراً لم يبقَ للإمام شيء يملكه سوى ذاك البيت الصغير المتواضع الذي كان يسكن فيه أيام الدراسة في قم، والواقع في محلة “يخچال قاضي” تلك المحلة التي تعتبر في ذلك الزمان آخر نقطة سكنية في قم، وهذا المنزل أيضاً، أصبح مركزاً لمراجعة الناس والطلاب فيما يتعلق بالمسائل الشرعية والمصالح العامة، سواء في الفترة التي كان مبعداً فيها إلى النجف الأشرف، أو فترة ما بعد انتصار الثورة وإلى يومنا هذا.
إن حبَّ الأمة للإمام وتعلقهم به ناتج عن عظمة شخصيته، وتُرجم هذا الحب، عبر تقديم المخلصين له الكثير من الهدايا الشخصية، بالإضافة إلى الأرض والبيوت، والأموال الطائلة والذهب والأشياء النفيسة، والكتب وأنواع مختلفة من المصاحف القرآنية المخطوطة واللوحات الفنية العظيمة، والأقمشة الغالية وغيرها من الأشياء التي كانت تقدم من طرف المشتاقين والمؤمنين بسمو وعظمة مقامه الشريف.
لقد بلغت قناعة الإمام أقصى درجاتها من الاقتصار على الضروري في المصاريف الحياتية والشخصية والعائلية اليومية. بشكل بلغ الحد الأدنى لحياة عامة الناس. ومع أن هذه الأموال وتلك الهدايا كانت تقدم له بعنوان شخصي محض فإنه لم يُبقِ أو يدخر منها شيئاً لنفسه إلى حد أن ما تركه الإمام بعد رحيله. لم يكف لتغطية نفقات يومين أو ثلاثة أيام لاستضافة بعض الضيوف على المستوى العادي سواء في المكتب أو البيت.
* مساعدة المحتاجين
كان موقف الإمام من التسول حازماً وصارماً، ومن باب تقديم نموذج، كان بعض الأشخاص في النجف الأشرف يحترف مهنة التسول تحت عنوان خادم الحرم المطهر، ولطالما كان يتردد من منزلِ مرجعٍ إلى منزل مرجع آخر طالباً منهم المال بأسلوب ينم عن قلة الأدب. وأحياناً يترافق مع جو غير عادي يرافقه الصراخ والعراك. لقد استطاع الإمام وحده أن يقف في وجه هؤلاء دون أن يستسلم لعملهم في الوقت الذي سعى جاهداً من أجل الفقراء والمساكين والمستضعفين والمحتاجين، وبغض النظر عن ثورته وقيامه في سبيل اللَّه لأجل إنقاذ هؤلاء من براثن الظالمين والقوى الشيطانية، علاوة على اهتمامه التام وأوامره اللازمة للمسؤولين لأجل إنصاف هؤلاء وإحقاق حقوقهم.
كان الإمام يهتم بأوضاعهم شخصياً ضمن أولويات جدول عمله اليومي وبشكل دائم يسمح ويجيز دفع الحقوق الشرعية من السهمين الشريفين للمستحقين من الفقراء، وإعطاء المحتاجين المستحقين حتى في بعض الموارد الخاصة التي يذكر فيها مشخصات الموضوع والحاجة المطلوبة لذلك فيما يتعلق بقرض أو مرض أو طلاق أو سكن إلى حد حل المشكلة نهائياً ورفع الحاجة عنه، وفي بعض الحالات يكتب أحد الأشخاص رسالة.
مثلاً: لي على فلان الفلاني مبلغاً من المال وبما أنه لا يستطيع سداد هذا المبلغ لي فهل تجيزون لي اعتباره من الحقوق الشرعية الواجبة وكان الإمام يتفضل بالإجابة على ذلك: إذا كان الشخص المديون لا يستطيع إيفاء دينه لا يحق للدائن مطالبته فكيف يمكنه احتسابه على نفسه وإسقاط الحق الشرعي. أما إذا كان المستدين يستطيع أن يدفع دينه، ولكنه فقير، والأمر صعب بالنسبة له. لذا في مثل هذا الفرض يستطيع احتساب المبلغ من الحقوق الشرعية. وكان الإمام على اطلاع شخصي مباشر ببعض حالات المحتاجين ويأمر ببحث أوضاع أولئك الذين يسكنون في أماكن بعيدة ويعتبرون من المنسيين والعمل على حل مشاكلهم وسد كل حاجاتهم.
* بعيداً عن مظاهر الترف
لقد كان الإمام الخميني طوال الفترة التي قضاها في النجف الأشرف يعيش في منزل قديم متواضع. مثل سائر بيوت الناس العاديين. وجرت العادة أن كبار القوم في النجف كانوا يتخذون بيتاً في الكوفة
والآخر بالقرب من شط الفرات. وخصوصاً في فصل الصيف حيث يذهبون إليه (والكوفة تبتعد 10 كلم عن النجف الأشرف ومناخها طبيعي جداً. والهواء فيها عادة أقل حرارة من النجف بخمس درجات). لم يكن الإمام قد داخله الارتياح النفسي لهواء النجف الحار والجاف ونظراً لتقدمه في السن. فإنه يجد صعوبة أكثر بكثير من أولئك الذين يعيشون في النجف منذ سنوات طويلة واعتادوا عليه. وجميع الأصدقاء لم يكونوا مرتاحين لهذه المسألة. وفي إحدى الليالي.
بدأ المرحوم الحاج الشيخ نصر اللَّه خلخالي وبعد مقدمة بسيطة بإعطاء الأمثلة. عن أولئك الذين أصابهم المرض نتيجة بقائهم في النجف. وكان الأطباء قد نصحوا بأن هواء النجف يعتبر سماً. بينما هواء الكوفة دواء لهم. وعندما ذهبوا إلى الكوفة تعافوا تماماً من أمراضهم. أراد الشيخ الخلخالي من طرح هذا الموضوع بهذه الطريقة. أن يحصل على إجازة من الإمام ليستأجر له بيتاً في الكوفة.
وهكذا بعد أن انتهى الشيخ الخلخالي من كلامه في الوقت الذي ظن فيه الجميع أن هذه الأحاديث والمقدمات أقنعت الإمام وهم ينتظرون جواباً إيجابياً من سماحته، فجأة رفع الإمام رأسه ونظر إلى المرحوم الشيخ خلخالي وبدون أن يتكلم كلمة واحدة، ارتسمت على شفاهه المباركة بسمة جميلة ممزوجة بالمرارة، بسمة شكر للمرحوم خلخالي، ومرارة لكراهة الدنيا وزخرفها، والتعلق بزينتها، وفيما يتعلق بهذا الموضوع، سمعت في جواب آخر تفضل به: “أنا لا أستطيع الذهاب إلى الكوفة (لأجل رفاهية نفسي) في الوقت الذي يقبع فيه الكثير من شعب إيران في الزنازين”.
* مراسل أجنبي واكتشاف حقيقة الإمام
كانت الحياة البسيطة التي اعتادها الإمام بالرغم من عظمته وسموه واستقامته وزهده. أشد انبهاراً وأكثر دهشة وخصوصاً لأولئك الذين يشاهدون عن قرب حياة الجبابرة وحكام العالم المادي المستكبر. في قصورهم الفخمة المخزية. وفي أحد الأيام، قدم إلى جماران مجموعة من الصحفيين الأجانب
وكان أحدهم وعلى ما يبدو أنه شاب أمريكي. ولكم كانت حيرته واندهاشه عظيمين حينما رأى وشاهد منزل الإمام ومكان إقامته ورغم أنه شاهد كل شيء بأم عينه إلا أن تلك المشاهدات بالنسبة له. كانت غير قابلة للتصور والتصديق وعلى هذا الأساس بدا وكأنه يفتش عن شيء غير عادي والحال كذلك.
فإن حس البحث واكتشاف الحقيقة التي يتمتع بها الصحفي عادة قد وصلت إلى طريق مسدود. وبدأ يبحث عن شخص يتحدث معه علَّه يجد ضالته. ويجد حلاً للّغز الذي يدور في خلده. وأخيراً اقترب مني وبلهفة وشوق عظيمين بدأ حديثه معي، لم أفهم ما يقول، لكن لسان حاله يتحدث عن كل شيء وأخيراً وجد المترجم ليترجم له حديثه. كان قد نصب في منزل الإمام خيمة من الحديد غطيت بقماش واسع. تمنع من البرد والأمطار في الشتاء وتقي الناس حر الصيف وأشعة الشمس المحرقة.
كان سؤال: لماذا نصبت هذه القضبان والقواطع الحديدية فهل أدخلت فيها الأسلاك الكهربائية؟
وسأل أيضاً: حقيقة هل هذا هو منزل الإمام؟
وبتوضيحي وإجابتي عن السؤال ازداد تعجبه. وأكملت معه حديثي موضحاً نقطة مهمة بحيث أنها لم تكن لتخطر ببال صحفي باحث!