الشيخ لؤي المنصوري
اورد الشيخ الكفعمي الشيخ الكفعمي (905هـ)، دعاء الجوشن الكبير في كتابيه (المصباح: 247، والبلد الأمين: 402)، ونقله عنه العلامة المجلسي في بحار الأنوار 91: 382 وقال(ومن الأدعية المعروفة دعاء الجوشن الكبير وهو مرويّ عن النبيّ‘ رواه جماعة من متأخّري أصحابنا رضوان الله عليهم).
وهو يكشف عن أن الدعاء عرف مؤخرا حسب تعبير العلامة المجلسي.
وهذا لا يعني عدم وجود الدعاء أو عدم معرفته سابقا، بقدر ما يدل على أن متاخري العلماء اوردوه في ضمن الادعية التي يستحب أن يدعى بها.
وهنا نقطة تجدر التعرض لها وهي: هل يشترط التدقيق السندي ووثاقة أو عدالة الرواة في غير الاستدلالي على الوجوب أوالحرمة، أم نشترط التوثيق أو العدالة الامر في عموم الأحكام بما فيها المستحبات وما ندب اليه الشرع او لا نشترط التوثيق الا في خصوص قسمين فقط من الاحكام وهما الوجوب والحرمة – بناء على اشتراط التوثيق السندي كما دأب عليه المقلدون متأخرا وأصبح من المسلمات عندهم-؟
واذا ما رجعنا إلى كلمات الاعلام في المقام نجد أن المشهور بين المتقدمين حجية الخبر الموثوق، ومن طرق الوثوق مضمون الخبر قال الآخوند الخراساني في درر الفوائد في الحاشية على الفرائد ج1 ص122(و يشهد على ذلك أي كون العبرة على الوثوق بالصّدور مطلقا، انّه كان المتعارف بين القدماء على ما صرّح به الشيخ بهاء الدّين في مشرق الشّمسين، إطلاق الصّحيح على ما اعتضد بما يقتضى الاعتماد عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والرّكون إليه، ولم يكن تقسيم الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة، معروفاً بينهم، وانّه كان من زمان العلاّمة- قدّه سره).
وقال السيد محسن الحكيم في المستمسك ج1ص375:( ولأجل ذلك استقر بناء الأصحاب على العمل بالأخبار الضعيفة مع اقترانها بما يوجب الوثوق بصدورها ولو كان ذلك مثل عمل المشهور أو الأساطين بها كما لا يبعد أن يكون المراد من الوثوق النوعي جرياً على مقتضى الارتكاز العقلائي).
وقال الشيخ النائيني في فوائد الاصول ج3 ص189 في معرض كلامه عن أخبار التعارض:(ليس فيها إطلاقٌ يعم جميع أخبار الآحاد، لأن إطلاقها مسوق لبيان حكم التعارض، والقدر المتيقن دلالتها على حجية الخبر الموثوق به صدوراً أو مضموناً).
بل الذين تبنوا اشتراط التوثيق السندي في قبول الخبر لم يتمسكوا به في استدلالهم على الاحكام الشرعية، فالسيد الخوئي قدس سره، وهو ممن تبنى الصحة السندية في اثبات حجية الخبر، يقبل الاخبار الضعيفة مع وجود قرائن تشهد على صحتها، ففي بحث التنجيم وعند الاستدلال على الحرمة أورد أخبارا ضعيفة وعقب عليها بقوله:( ضعيفة لعبد الله بن عوف وعمر بن سعد ومحمد بن علي القرشي وغيرهم، ولكن آثار الصدق منها ظاهرة) مصباح الفقاهة ج ١ – ٣٩٧. وفي مبحث جواز ارتزاق القاضي من بيت المال استدل على ذلك بوجوه منها فقرة واردة في عهد الامام علي عليه السلام لمالك الأشتر، ثم قال: (والعهد وإن نقلا مرسلا إلا أن آثار الصدق منه لائحة كما لا يخفى للناظر إليه…) مصباح الفقاهة1-422.
وفي مبحث حرمة الولاية من قبل الجائر قال: (ويدل على الحرمة أيضا ما في رواية تحف العقول من قوله عليه السلام: (إن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله وإحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد، وإبطال الكتب، وقتل الأنبياء، وهدم المساجد، وتبديل سنة الله وشرايعه، فلذلك حرم العمل ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة)، وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند… إلا أن تلك التعليلات المذكورة فيها تعليلات صحيحة، فلا بأس بالتمسك بها)1-504.
وقد تكون الرواية صحيحة ولكن لا يعمل بها قال السيد الخوئي في مصباح الفقاهة1-533 نقلا عن الشيخ الانصاري في طهارة البيضة الخارجة من الدجاجة الميتة:(فالقول بالنجاسة ضعيف لكن قواه شيخنا المرتضى بعد ان جعل الأقوى طهارة اللبن بان الرواية وان كانت ضعيفة السند بمن هو من اكذب البرية موافقة لمذهب العامة كما عن الشيخ الا انها منجبرة بالقاعدة كما أن روايات الطهارة وان كانت صحيحة الا انها مخالفة للقاعدة وطرح الأخبار الصحيحة المخالفة لأصول المذهب غير عزيز).
وقال السيد الخوئي في المستند في شرح العروة الوثقى ج 1 ص 340 و 341 وهو يتحدث عن روايات سهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم:( الروايات الناطقة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) رقد فغلبته عيناه ولم يستيقظ إلا بعد ما طلعت الشمس ، وركع ركعتين ثم قام فصلى بهم الصبح ولكن هذه الأخبار بالرغم من صحة أسانيد جملة منها غير قابلة للتصديق ، لمخالفتها مع اُصول المذهب كما لا يخفى).
وقال في المستند في شرح العروة الوثقى ، كتاب الصلاة ج 6 ص 40- 41:( ما روى عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلامالمشتمل على حكاية سهو النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وزيادته الخامسة في صلاة الظهر، وإتيانه بسجدتي السهو بعد أن ذكّره الأصحاب، ولكنّها بالرغم من صحّة سندها غير ثابتة عندنا، لمنافاة مضمونها مع القواعد العقلية كما لا يخفى فهي غير قابلة للتصديق).
وقال في المستند في شرح العروة الوثقى كتاب الصلاة ج6 ص329 : (وربما يستدلّ أيضاً بجملة من الروايات الواردة في سهو النبيّ صلّى الله عليه وآله في صلاة الظهر وتسليمه على الركعتين المشتملة على قصة ذي الشمالين وأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن سأل القوم وتثبّت من سهوه تدارك الركعتين ثمّ سجد سجدتين للسهو ، وفي بعضها كصحيح الأعرج التصريح بأنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم سجد سجدتين لمكان الكلام.
وفيه..: أنّ هذه الروايات في أنفسها غير قابلة للتصديق وإن صحّت أسانيدها، لمخالفتها لأصول المذهب).
فالجمود على وثاقة الراوي للاخذ بالخبر غير صحيح ومخالف لما عليه المشهور من المتقدمين كما نقل الآخوند، ويخالف الصناعة العلمية، لاشتمال جملة من الاخبار الضعيفة على أمور عقدية وفقهية وسنن موافقة للكتاب الكريم وبديهة العقل والفطرة السليمة، مما يشهد المضمون على صحتها، في حين أن بعض الأخبار المروية عن طريق الثقات قد تخالف ظاهر الكتاب أو لما تسالمت عليه الطائفة مما يعلم ثبوته والبناء عليه.
وكذلك إذا ما رجعنا الى كلمات الاعلام نلحظ أنهم لم يشترطوا التوثيق في الاعمال المستحبة بقدر اشتراط الشهرة وعدم مخالفته للثابت في الكتاب الكريم والروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام قال الشهيد الصدر في رسالته التي كتبها إلى تلميذه المعاصر السيد محمد الغروي:(كان لدينا مشروع كلّفنا به بعض تلامذتنا، وهو كتاب تأسيسي في الأدعية، فإن تهيأ ذلك فهو، وإلا فلابد في نظري من إدخال تعديلات على المفاتيح الموجودة، وكانت الفكرة في الكتاب التأسيسي تقوم على أساس جمع ما صحّ سنده من الأدعية والزيارات، ويضاف إليه المشهور الصحيح المتن، وإن لم يكن صحيح السند، مع إجراء التهذيب بحذف بعض الجمل إذا اقتضى الأمر التهذيب والحذف)،( أرشيف رسائل المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، رسالة خطية رقم: 60).
والسيد محسن الامين في كتابه مفتاح الجنات اورد بعض الادعية المنسوبة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس لها سند قال في ص15( وتقول ايضا وهو مما يختص برؤية هلال رجب ذكره ابن طاووس في الاقبال في عمل اول ليلة من رجب فقال: فمن ذلك الدعاء عند رؤية هلال رجب، وجدناه في كتب الدعوات مرويا عن النبي انه قال…).
وذكر في ص209 من أعمال ليال القدر فقال:( خامسها: قراءة دعاء الجوشن الكبير، ومر في الجزء الأول).
وقال في الجواهر 54:21(ويستحب الدعاء بالمأثور..).
وقد سئل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله عن سند دعاء الصباح فأجاب:(لا يخفي على أحد أنّ لكل طائفة من أرباب الفنون والعلوم بل لكل أمة بل لكلّ بلد أسلوباً خاصاً من البيان ولهجة متميزة عن غبرها، فلهجة اليزدي غير لهجة الإصفهاني، ونغمة الإصفهاني غير نغمة الطهراني والخرساني والكل فارسي إيراني، وللأئمة سلام الله عليهم أسلوب خاص في الثناء على الله والحمد لله والضراعة له والمسألة منه يعرف ذلك من مارس أحاديثهم وآنس بكلامهم وخاض في بحار أدعيتهم ومن حصلت له تلك الملكة وذلك الأنس لا يشك في ان هذا الدعاء صادر منهم، وهو أشبه ما يكون بأدعية الأمير عليه السلام مثل دعاء كميل وغيره، فان لكل إمام لهجة خاصة وأسلوباً خاصاً على تقاربها وتشابهها جميعاً، وهذا الدعاء في أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة والمتانة والقوة مع تمام الرغبة والخضوع والاستعارات العجيبة. انظر إلى أول فقرة منه (يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه) واعجب لبلاغتها وبديع استعاراتها؛ وإذا اتجهت إلى قوله (يا من دل على ذاته بذاته) تقطع بأنّها من كلماتهم سلام الله عليهم مثل قول زين العابدين (ع) (بك عرفت وأنت دللتني عليك) وبالجملة فما أجود ما قال بعض علمائنا الاعلام إننا كثيراً ما نصحح الأسانيد بالمتون فلا يضر بهذا الدعاء الجليل ضعف سنده مع قوة متنه فقد دل على ذاته بذاته..)الفردوس الأعلى 91:1.
وقال السيد الداماد الحسيني في الرواشح السماوية ص193 في بيان العلامات التي يتميز بها الحديث الضعيف من غيره:(ويعرف كون الحديث موضوعا بإقرار واضعه بالوضع أو ما ينزل منزلة الاقرار من قرينة الحال الدالة على الوضع والاختلاق، فبإقراره يحكم على ذلك الحديث بحسب ظاهر الشرع بما يحكم على الموضوع في نفس الامر وإن لم يكن يحصل بذلك حكم قطعي بات بالوضع لجواز كذبه في إقراره، وقد يعرف أيضا بركاكة ألفاظ المروي وسخافة معانيها وما يجري مجرى ذلك، كما قد يحكم بصحة المتن مع كون السند ضعيفا إذا كان فيه من أساليب الرزانة وأفانين البلاغة وغامضات العلوم وخفيات الاسرار ما يأبى إلا أن يكون صدوره من خزنة الوحي وأصحاب العصمة وحزب روح القدس ومعادن القوة القدسية).
وقال السيد عبد الله شبر في شرحه للزيارة الجامعة في كتاب الانوار اللامعة ص29: (لا يخفى على أولي البصائر النقادة، وأرباب الأذهان الوقادة وذوي العقول السليمة وأصحاب الافهام المستقيمة أن الزيارة الجامعة الكبيرة أعظم الزيارات شأنا وأعلاها مكانة ومكانا، وأن فصاحة ألفاظها وفقراتها وبلاغة مضامينها وعباراتها تنادي بصدورها من عين صافية نبعت من ينابيع الوحي والالهام، وتدعو إلى أنها خرجت من ألسنة نواميس الدين ومعاقل الأنام، فإنها فوق كلام المخلوق وتحت كلام الخالق الملك العلام، وقد اشتملت على الإشارة إلى جملة من الأدلة والبراهين المتعلقة بمعارف أصول الدين وأسرار الأئمة الطاهرين ومظاهر صفات رب العالمين،… وقد اشتهرت بين الشيعة الأبرار اشتهار الشمس في رابعة النهار، وجواهر مبانيها وأنوار معانيها دلائل حق وشواهد صدق على صدورها عن صدور حملة العلوم الربانية وأرباب الاسرار الفرقانية المخلوقين من الأنوار الإلهية فهي كسائر كلامهم الذي يغني فصاحة مضمونه وبلاغة مشحونه عن ملاحظة سنده كنهج البلاغة والصحيفة السجادية وأكثر الدعوات والمناجاة…).
وعقد صاحب الوسائل 139:7(باب استحباب الدعاء بما جرى على اللسان، واختيار الدعاء المأثور ان تيسر، وكراهة اختراع الدعاء).
علي بن موسى بن طاوس الحسيني في كتاب (أمان الأخطار) نقلا من كتاب (الدعاء) لسعد بن عبد الله، باسناده عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):( علمني دعاء، فقال: إن أفضل الدعاء ما جرى على لسانك).
ومعنى الجريان على اللسان ما التصق في الذهن مما ورد في القرآن الكريم، والمنقول عنهم عليهم السلام، والذي يرجى منه القرب من الله تعالى، دون اشتراط ثبوت النقل أو وثاقة الناقل. وعدم اختراع الدعاء ونسبته الى الله تعالى أو إليهم عليهم السلام.
والنتيجة:
1- إن الاعمال المستحبة عموما لا يشترط فيها وثاقة الناقل، بل الوثاقة في الاحكام الشرعية من الوجوب أو الحرمة مبنى بعض المتآخرين وتبناه من جاء من بعده بدون تمحيص وتحقيق حتى أصبح قريبا من المسلمات.
2- إن المدار في الدعاء أن لا يخالف ما ورد في الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
3- ظهور بعض الأدعية عند المتأخرين لا يعني عدم وجودها وعدم صحة نسبتها، وكذلك لا يعني عدم شهرتها لمن علم كيفية التدوين وجمع المروي عنهم عليهم السلام.
4- إن الاحاديث الصريحة تدل على الدعاء بما يرد على اللسان ولا تشترط كون الدعاء منقولا عن طريق الثقات، وهذا كاف لصحة الدعاء بالمروي عن النبي صلى الله عليه وآله وإن بطريق ضعيف.
5- يكفي لتحقق الاطمئنان الا يكون الدعاء مخالفا لما ورد في القرآن الكريم والسنة ومسلمات المذهب.