هذه الأيام هي أيام العشرة الأُولى من شهر ذي الحجة وهي من أبرز الأيام على طول السنة بلحاظ المناسبات والذكريات القيّمة للأئمة الأطهار(عليهم السلام) التي تصادف هذه الأيام من جهة، وبلحاظ المسائل المرتبطة بعيد الأضحى المبارك وهو عيد المسلمين العظيم، والذي له معنىً رمزياً مهمّاً وهو مسألة الأضحية في هذا اليوم العظيم من جهة أُخرى، وما يتعلّق بيوم عرفة وهو يوم الدعاء والتضرّع والتوسّل إلى الله سبحانه وتعالى من جهة ثالثة.
يوم عرفة في كلمات الإمام علي الخامنئي
ابنا : ورغم إنّ اقتران يوم عرفة بيوم استشهاد مسلم بن عقيل(عليه السلام) قد أضفى عليه طابعاً من الحزن والأسى، إلا أنّ العطاء المبارك لهذا اليوم جعل منه ـ في الحقيقة ـ يوم عيد وبركة ورحمة.
إستثمار فرصة يوم عرفة:
آمل من الله أن يوفّقكم لاستثمار يوم عرفة على أحسن وجه من أجل التقرّب إلى الله بقلوبكم أكثر فأكثر.
إنّ مسألة تهذيب النفس وجلائها هي مسألة أساسية ومهمّة لكلّ واحد منّا في أيّ مكان وأيّة مسؤولية كان، فلا تستصغروا هذه الفرص ولا تحطّوا من قيمتها.
فالتضرّع والتوسّل إلى الله والعلاقة الوطيدة مع الله هي أمور لها دورها الأساسي والفعّال في الحركة العظيمة التي قام بها الشعب الإيراني، وفي عملية إعمار البلاد، والانتصار على الأعداء، والصمود بوجه القوى الإستكبارية، وفي الوصول إلى الأهداف الإسلامية المتسامية.
أمّا الوقت المناسب لهذا الدعاء والتضرّع والتوسّل فهو هذه الأيام المباركة والتي من أهمّها يوم عرفة.
يوم عرفة يوم الاعتراف بالذنب
يوم عرفة هو أحد الأيام التي يمكن للإنسان أن يوطّد فيها علاقته مع الله سبحانه من خلال الدعاء والتوسّل، ولهذا فلابدّ من معرفة القيمة الحقيقية لهذا اليوم العظيم.
وقد رأيت في رواية أنّ عرفات سُمِّيت عرفات لأنّ هذا المكان وهذا اليوم هما فرصة للإنسان كي يعترف بذنوبه بين يدي الباري عزّ وجلّ.
فالإسلام لا يجيز للإنسان الاعتراف بالذنوب والخطايا أمام الآخرين، أمّا بين يدي الله سبحانه وفي خلواتنا مع أنفسنا فلا بدّ لنا من الاعتراف بقصورنا وتقصيرنا وأخطائنا وذنوبنا التي تكبِّلنا وتعوّقنا من التحرّك، وتكون سبباً لاسوداد وجوهنا أمام الله. وإذا ما أراد الإنسان أن يسير في طريق الخير والصلاح فلا بدّ له من الاعتراف ــ بينه وبين ربّه ــ بذنوبه وعيوبه، أمّا الذين يتصوّرون أنّهم مبرّؤون من كلّ عيب ونقص فلن يتمكّنوا من السير في هذا الطريق أبداً.
وهذا الأمر لا يقتصر على الفرد فقط بل ينطبق على المجتمع أيضاً، فإذا أراد المجتمع أن يسير في طريق الرشاد لابدّ له من معرفة مواضع أخطائه وانحرافاته، ومعرفة ما هي تلك الأخطاء التي ارتكبها؟ ويعترف بذنوبه بين يدي الله.
ولذا يجب على الاُمّة الإسلامية اليوم أن تعترف بتهاونها في أداء مسؤولياتها تجاه الإسلام العظيم، وعلى المسلمين في العالم أن يعترفوا بأنّ متابعة القوى المعادية للإسلام والقبول بالثقافة الغربية الفاسدة والمبتذلة هو انحراف عن الطريق السوي، وإذا ما اعترفت الشعوب الإسلامية بهذه الأمور فإن الطريق سيفتح أمامها وتكون قادرة على إصلاح نفسها.
فالإعلام العالمي يريد أن يشغل الشعوب حتّى لا تستطيع أن تميّز بين الخطأ والصواب، وهذا ما تشاهدونه في وسائل الإعلام العالمية من صحف وإذاعات، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية وفي مجال الاستهلاك وغيرها من المجالات.
دعاء يوم عرفة للإمام الحسين(عليه السلام) وللإمام السجاد(عليه السلام)
إن أهمّ وأسمّى المعارف كامنة في أقوال هذا الإمام(الإمام الحسين)، فلو نظرتم في دعاء الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عرفة، ستجدون أنّه كـ(زَبور) أهل البيت(عليهم السلام) وهو مليء بالنغمات البليغة والعشق والإخلاص للمعارف، وعندما ينظر الإنسان إلى بعض أدعية الإمام السجّاد(عليه السلام), ويقارنها بأدعية الإمام الحسين(عليه السلام)، يرى وكأنّ أدعيّة الابن شرح وتوضيح وبيان لدعاء الأب، أي أنّ دعاء الأب هو الأصل ودعاء الابن فرعه، فدعاء عرفة العجيب والشريف وخطب الإمام يوم عاشوراء وفي غير عاشوراء تحتوي على معنى وروح عجيبة، وهي بحر زخّار من المعارف السامية والرفيعة والحقائق الملكوتية التي قلّ نظيرها في آثار أهل البيت(عليهم السلام)”.
لشخصية الإمام الحسين الألمعية والباهرة، بعدان: بُعد الجهاد والشهادة والإعصار الذي أحدثه على مدى التاريخ، وسيبقى هذا الإعصار ـ على ما يتّسم به من بركات ـ مدوياً على مدى الدهر، وأنتم مطّلعون على هذا البُعد الأول, أمّا البُعد الآخر: فهو بُعد معنوي وعرفاني، ويتجلّى هذا البُعد في دعاء عرفة بشكل واضح وعجيب.
وقلّما يوجد لدينا دعاء يحمل هذه اللوعة والحرقة والإنسياق المنتظم في التوسل إلى اللّه والابتهال إليه والفناء فيه، إنه حقّاً دعاء عظيم.
ثمّة دعاء آخر ليوم عرفة ورد في الصحيفة السجادية عن نجل هذا الإمام العظيم، كنت في وقت أُقارن بين هذين الدعاءَين.
فكنت أقرأ أولاً دعاء الإمام الحسين، وأقرأ من بعده الدعاء الوارد في الصحيفة السجادية، وقد تبادر إلى ذهني مرات عديدة أنّ دعاء الإمام السجاد(عليه السلام) يبدو وكأنه شرح لدعاء يوم عرفة, فالأول ـ أي دعاء الحسين(عليه السلام) في يوم عرفة ـ هو المتن, والثاني شرح له، وذاك أصل وهذا فرع.
دعاء عرفة دعاء مذهل حقاً, وفي خطابه(عليه السلام) الذي ألقاه على مسامع أكابر شخصيات عصره, وأكابر المسلمين التابعين في منى تجدون نفس تلك النغمة والنفس الحسيني المشهود في دعاء عرفة.