الشيخ إسماعيل حريري(*)
“أريد أن أطعمك على حبّ أهل البيت”، “تناول هذه على حبّ الحسين”، “تفضّل على حبّ الزهراء”… عبارات باتت لا تفارق قاموسنا اليوميّ ونحن نقدّم الطعام لمن حولنا، على حبّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم السلام. ما هي دلالات هذه العادة وأهميّتها؟ وهل لهذا العمل أجر وثواب؟
* استحباب الإطعام عمومًا
يدرج في الأعراف عموماً تقديم الناس الطعام بعضهم لبعض، بغضّ النظر عن حاجة المقدَّم إليه، كما هي الحال بين الجيران أنفسهم، ولا سيّما في بعض المناسبات، سواء أكانت في مناسبات فرح أم حزن، أو في أيام مباركة كما في شهر رمضان.
وتتأكّد هذه العادة العرفيّة إذا كان من يُقَدّم له الطعام فقيراً محتاجاً. وفي الروايات ما يفيد استحباب الإطعام في نفسه، كما ورد:
أ. عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خيركم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلّى والناس نيام”(1).
ب. عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً عليه السلام: “من الإيمان حسن الخلق وإطعام الطعام”(2).
ج. عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: “من موجبات مغفرة الله تبارك وتعالى إطعام الطعام”(3).
* استحباب الإطعام في مورد الحاجة
أ. قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا﴾ (الإنسان: 8-9).
في التفسير: أي على حبّ الطعام كما في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام في قول الله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا﴾، قال: قلت حبّ الله أو حبّ الطعام؟ قال: حبّ الطعام”(4).
والمعنى: يطعمون الطعام الذي أشدّ ما تكون حاجتهم إليه، وقد وصفهم الله سبحانه بالمؤثرين على أنفسهم.
ب. في الحديث عن أبي سعيد الخدري أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: “ما من مسلم أطعم مسلماً على جوع، إلّا أطعمه الله من ثمار الجنّة، وما من مسلم كسا أخاه على عري، إلّا كساه الله من خضر الجنّة، ومن سقى مسلماً على ظمأ، سقاه الله من الرحيق”(5).
ج. عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “من أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ إشباع جوعة المؤمن، أو تنفيس كربته، أو قضاء دينه”(6).
* الإطعام على حبّ أهل البيت عليهم السلام
إذا كان الإطعام مستحبّاً في نفسه، فكيف إذا كان يُقدّم بعنوان حبّ من أمر الله بحبّهم وودّهم، ورغبةً وشوقاً للتقرّب إليهم؛ لأنَّ في التقرّب إليهم تقرّباً إلى الله تعالى؛ لكونهم الوسيلة إليه والطريق إلى رضوانه تعالى؟
إنَّ الإطعام هو نوع إنفاق، وقد مدح الأئمة عليهم السلام من ينفق ماله على محبّتهم، كما في الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: “إنَّ الله تبارك وتعالى اطَّلع إلى الأرض، فاختارنا، واختار لنا شيعة، ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا”(7).
وفي مناجاة موسى عليه السلام، أنَّ الله تعالى قال له: “يا موسى، ما من عبدٍ من عبيدي في ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزَّى على وَلَد المصطفى، إلَّا وكانت له الجنّة ثابتاً فيها، وما من عبدٍ أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه –طعاماً وغير ذلك، درهماً أو ديناراً- إلَّا باركت له في دار الدنيا الدرهم بسبعين، وكان معافى في الجنّة، وغفرت له ذنوبه”(8).
ومن الواضح أنّ إطعام الطعام على حبّهم عليهم السلام من مصاديق بذل المال فيهم عليهم السلام. والروايتان تمدحان الباذل والمنفق في محبة أهل البيت عليهم السلام، وبأنّه يعطى مقاماً عالياً كما في قوله عليه السلام : “أولئك منّا وإلينا”. وأنّ البركة تحلّ بمال المنفق فينمو ويكثر، وكذلك يكفي المنفق أن يكون معافىً في الجنّة وقد غُفرت ذنوبه .
* الإطعام على حبّ السيّدة الزهراء عليها السلام
إنّ الإطعام على حبّ السيّدة الزهراء عليها السلام من أبرز مصاديق قول الإمام عليّ عليه السلام: “فينا”. وأمّا خصوصيّتها عليها السلام حتّى في الإطعام، فتشهد لها بذلك رواية طويلة عن الإمام الباقر عليه السلام تتحدّث عن مقامها عليها السلام ومقام شيعتها يوم القيامة عند الله تعالى، جاء فيها: “… فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع، لمن الكرم اليوم؟ فيقول: محمّد وعليّ والحسن والحسين [وفاطمة]: لله الواحد القهّار. فيقول الله جلَّ جلاله: يا أهل الجمع، إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعليّ والحسن والحسين وفاطمة (… …). والله يا جابر، إنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها، كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الرديّ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة، يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبّائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون: يا ربّ، أحببنا أن يُعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله: يا أحبّائي، ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة، انظروا من ردَّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة، خذوا بيده وأدخلوه الجنّة”(9).
* الإطعام على حبّ الحسين عليه السلام
اتّضح هذا الأمر من رواية مناجاة موسى عليه السلام في قول الله تعالى: “وما من عبدٍ أنفق من ماله في محبّة ابن بنت نبيّه – طعاماً وغير ذلك،…”. ولا يُراد من ابن بنت نبيّه إلّا الحسين عليه السلام؛ لأنّه هو الذي ورد في الفقرة السابقة من الرواية أنّه يُبكى عليه، فضلاً عن ثواب من يبكيه.
ومضافاً إلى صدق قول الإمام عليه السلام: “فينا”، فإنّ التعلّق العاطفيّ للمؤمنين بسيّد الشهداء والحبّ الفطريّ المغروس في قلوبهم له عليه السلام، يجعلهم يندفعون لتقديم النفس والمال في سبيله وعلى حبّه عليه السلام. وهذا لا يُعدّ غلوّاً ولا مبالغة أبداً، فإنَّ المقام الأسنى والشأن الأرفع لسيّد الشهداء عليه السلام لا يدركه إلَّا من أنعم الله عليه بنعمة الولاية والبصيرة والمعرفة، وهو مصاف الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم السلام.
وقليل في جنابه عليه السلام أن يقدّم الطعام على حبّه، وقد قدَّم نفسه وأنفس أهل بيته الطيّبين من آل أبي طالب وأصحابه الكرام البررة في سبيل إعلاء كلمة الإسلام وبقائه عبر الأجيال إلى يوم القيامة، كما لم يبخل بتقديم ماله وطعامه لسائل أو محتاج ابتغاء وجه الله تعالى.
(*) أستاذ في جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالميّة، لبنان.
(1) الشيخ الصدوق، الخصال، ص 91.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج 4، ص 50.
(3) المصدر نفسه، ج 4، ص 50.
(4) البرقي، المحاسن، ج 2، ص 397.
(5) الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج10، ص 216.
(6) الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 4، ص 51.
(7) الشيخ الصدوق، مصدر سابق، ص 635.
(8) السيّد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج12، ص557.
(9) الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص 299.