النصارى حتى هلكوا كلهم (١)، قالوا: فلما رجع وفد نجران لم يلبث السيد و العاقب إلا يسيرا حتى رجعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وأهدى العاقب له حلة وعصا وقدحا ونعلين وأسلما.
فرد الله سبحانه على النصارى قولهم في المسيح: إنه ابن الله فقال: ” إن مثل عيسى عند الله ” أي في خلق الله إياه من غير أب ” كمثل آدم ” في خلق الله إياه من غير أب ولا أم، فليس هو بأبدع ولا أعجب من ذلك، فكيف أنكروا ذا، وأقروا بذلك؟
” خلقه من تراب ” أي خلق عيسى من الريح ولم يخلق قبله أحدا من الريح، كما خلق آدم من التراب ولم يخلق أحدا قبله من التراب ” ثم قال له ” أي لآدم كما قيل لعيسى (٢): ” كن فيكون ” أي فكان في الحال كما أراد ” الحق ” أي هذا هو الحق ” من ربك ” أضافه إلى نفسه تأكيدا وتعليلا ” فلا تكن ” أيها السامع ” من الممترين ” الشاكين ” فمن حاجك ” أي جادلك وخاصمك ” فيه ” أي في عيسى ” من بعد ما جاءك من العلم ” أي من البرهان الواضح على أنه عبدي ورسولي وقيل: معناه فمن حاجك في الحق ” فقل ” يا محمد لهؤلاء النصارى: ” تعالوا ” أي هلموا إلى حجة أخرى فاصلة بين الصادق والكاذب ” ندع أبناءنا وأبناءكم ” أجمع المفسرون على أن المراد ” بأبنائنا ” الحسن والحسين عليهما السلام، قال أبو بكر الرازي هذا يدل على أن الحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن ولد الابنة ابن علي الحقيقة، وقال ابن أبي علان وهو أحد أئمة المعتزلة: هذا يدل على أنهما عليهما السلام كانا مكلفين في تلك الحال، لان المباهلة لا يجوز إلا مع البالغين، وقال (٣) إن صغر السن ونقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل، وإنما جعل بلوغ الحلم حد التعلق الأحكام الشرعية، وكان سنهما عليهما السلام في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقل، على أن عندنا يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة
ويخصهم بما لا يشركهم فيه غيرهم، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن لجاز ذلك فيهم إبانة لهم عمن سواهم، ودلالة على مكانهم من الله واختصاصهم به.
ومما يؤيده من الاخبار قول النبي صلى الله عليه وآله: ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا.
” ونساءنا ” اتفقوا على أن المراد به فاطمة عليها السلام، لأنه لم يحضر المباهلة غيرها من النساء، وهذا يدل على تفضيل الزهراء عليها السلام على جميع النساء، ويعضده ما جاء في الخبر أن النبي صلى الله عليه والله قال: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، وقال:إن الله يغضب لغضب فاطمة، ويرضى لرضاها.
وقد صح عن حذيفة أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: أتاني ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ونساء أمتي
وعن الشعبي عن مسروق، عن عائشة قالت: أسر النبي صلى الله عليه وآله إلى فاطمة شيئا فضحكت، فسألتها قالت (١): قال لي: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة أو نساء المؤمنين (٢)، فضحكت لذلك. ” ونساءكم ” أي من شئتم من نسائكم ” وأنفسنا ” يعني عليا عليه السلام خاصة، ولا يجوز أن يكون المعني به النبي صلى الله عليه وآله لأنه هو الداعي، ولا يجوز أن يدعو الانسان نفسه، وإنما يصح أن يدعو غيره وإذا كان قوله: ” وأنفسنا ” لابد أن يكون إشارة إلى غير الرسول وجب أن يكون إشارة إلى علي عليه السلام، لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وزوجته وولديه عليهم السلام في المباهلة، وهذا يدل على غاية الفضل وعلو الدرجة، والبلوغ منه إلى حيث لا يبلغه أحد، إذ جعله الله سبحانه نفس الرسول، وهذا ما لا يدانيه فيه أحد ولا يقاربه، ومما يعضده في الروايات ما صح عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن بعض أصحابه، فقال له قائل: فعلي؟ فقال: إنما سألتني عن الناس، ولم تسألني عن نفسي.
وقوله صلى الله عليه وآله لبريدة (٣): لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه، وإن الناس
بحار الانوار ج21/ص 278الى279