“إنّ كل ما لدينا من محرم وعاشوراء” بهذا يعبر أمير البيان في زماننا الحاضر الإمام الخميني العظيم”قدس سره” عن سر انتصار الثورة الإسلامية ومصدر جميع الانجازات التي تحققت على يده الشريفة
*اسكندر آل ابراهيم
“إنّ كل ما لدينا من محرم وعاشوراء” بهذا يعبر أمير البيان في زماننا الحاضر الإمام الخميني العظيم”قدس سره” عن سر انتصار الثورة الإسلامية ومصدر جميع الانجازات التي تحققت على يده الشريفة فالإمام عالم وعارف وصاحب نظر سياسي ثاقب يكاد لا يوجد له نظير وفهمه الدقيق لعاشوراء هو الذي جعله ينتصر على أعدائه ويحقق حلم الأنبياء فجعل شعار “كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء” امراَ واقعاَ نشهده كل يوم في إيران ولبنان وغزة الصامدة وما زالت امة الإسلام عامة والشيعة خاصة تعيش العز والكرامة بفضل هذا السيد الجليل فكل ما عليه الشيعة اليوم من عزة ورفعة هو من بركات ثورته الخالدة ولذلك فان فهمه الشريف لقضية عاشوراء جديرة بالبحث والدراسة وسنستعرض ثلاثة محاور حول عاشوراء من فكر الإمام الخميني تمثل رؤيته – التي لا تجد لها نظير – لبعض أهم الأمور حول الثورة الحسينية:
الأول: فلسفة الشعائر والمجالس الحسينية وأهميتها.
الثاني”حول فلسفة البكاء على الإمام الحسين وثمراته.
الثالث: طرحه لعاشوراء كمفهوم عام لا مجرد مصداق واحد “كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء”.
المحور الأول فلسفة الشعائر والمجالس الحسينية وأهميتها
الشعائر الحسينية ومجالس التعزية عند الإمام تكليف شرعي يحيي أهداف الثورة الحسينية وأهداف رسول الله ويحافظ عليها مع التحرز عن كل ما يوجب انحراف تلك الشعائر عن مضمونها والاجتناب عن كل ما يسيء للمذهب ويوجب الوهن له والابتعاد عن الإعمال التي تظهر الشيعة بشكل غير لائق فيستغلها أعداءهم لتشويه صورة المذهب وأتباعه فيقول قدس سره الشريف حول تكليف القيام بالشعائر الحسينية والحفاظ عليها من الانحراف والبدع التي تشوه هذه الشعائر:
“تكليف الناس يقتضي أن يخرجوا في المواكب الرائعة ومواكب اللطم وطبعاً ينبغي أن يجتنبوا الأعمال غير الصحيحة والمخالفات ولكن لتخرج المواكب ولتلطم الصدور… ”
“واستعينوا بالله على المحافظة على المواكب وأقيموها بالشكل المناسب”
وحول أهداف التعزية يقول:
“من الضروري أن يتم التمسك بمراسم التعزية… لكي يلتزم الناس بها برغم كل الضغوط والمصاعب ولا يدعونها وإلا فإن جهود الإمام الحسين بن علي ستسحق بسرعة البرق الأمر الذي يؤدي إلى تلاشي واندثار جهود ومساعي رسول الله التي بذلت لوضع أسس ودعائم التشيع”
ويقول «قدس سره»: “فالإمام الحسين ثار ومعه فئة قليلة العدد من الأنصار ووقف بوجه إمبراطورية كبرى وقال بصوت عال: لا. فيجب أن تستمر حالة الرفض هذه وأن تبقى وهذه المآتم والمجالس هدفها أن تدوم هذه الـ “لا” كرمز لرفض الظلم”
و في نصيحة له للخطباء يقول «قدس سره»: “وأنتم أيضاً عندما تقرأون المراثي وتطرحون المواضيع وتذكرون المصائب وتدفون الناس للبكاء اجعلوا هدفكم صيانة الإسلام والدفاع عن هيبته ومجده، إننا نريد أن نحافظ على الإسلام بهذه المراثي وبهذا البكاء وتلاوة الشعر والنثر نريد أن نصونه ما حفظه لنا الآخرون حتى الآن”.
المحور الثاني فلسفة البكاء على الإمام الحسين
يطرح الإمام رضوان الله تعالى عليه عدة أهداف للبكاء على الحسين منها “البكاء يوحد الشيعة ويرص صفوفهم”.
هذا الأمر واضح فالبكاء هو أقصى درجات التفاعل والاهتمام وبالتالي فكل من يهتم بأمر فانه سيتعاطف ويحب كل من يهتم معه بهذا الأمر وتربط بينهما علاقة محبة وود حتى لو كانا في بلاد مختلفة أو زمان مختلف، يقول قدس سره الشريف:
“لو بكينا على الإمام الحسين إلى الأبد فإن ذلك لن ينفعه شيئاً، بل ينفعنا نحن، وفضلاً عن نفعه لنا في الآخرة فإن له في الدنيا من المنافع ما ترون، فلا يخفى عنكم ما له من الأهمية من الناحية النفسية والدور في تأليف القلوب وانسجامها ”
“البكاء إظهار لمظلومية الإمام الحسين ويثير السخط على الظلم والظلام”
وهذا اثر غير خفي للبكاء على مصاب سيد الشهداء وعنه يقول «قدس سره»: “ينبغي لنا أن نبكي على شهيدنا ونصرخ ونعبئ الناس بالوعي واليقظة… “.
وعن علة وصية الإمام الباقر لابنه الإمام الصادق باستئجار من يندبه في منى في موسم الحج لعشر مواسم يقول في علة ذلك: “… إن المهم في منى، فحين يجتمع المسلمون في موسم الحج من كل أنحاء العالم في منى ويجلس شخص ليرثي الإمام الباقر ويوضح جرائم مخالفيه وأعدائه وقاتليه لمدة عشرة أعوام ويستمع له الناس، فإن ذلك يؤدي إلى توجيه اهتمام الناس نحو هذا المنهج وتقويته وإثارة موجة من السخط والنقمة ضد الظالم… ”
البكاء عند الإمام عمل سياسي بسببه حصل الانتصار وإسقاط حكومة الطاغوت
يقوا قدس سره”القضية ليست قضية بكاء فحسب، ليست قضية تباكي فحسب، إنما هي قضية سياسية فأئمتنا يريدون ـ وعبر بصيرتهم وعمق رؤيتهم الإلهية ـ أن يوحدوا صفوف الشعب ويعبئوه بالطرق المختلفة لكي يصان من الأذى”.
و يقول أيضا”… ولا تظنوا أن الأمر مجرد بكاء وحسب أبداً فالقضية سياسية اجتماعية ولو كان الأمر مجرد بكاء فقط فلم التباكي؟
إن هذا لبكاء إحياء وإدامة للنهضة الحسينية وعن ذلك يقول «قدس سره»:
“إن البكاء على الشهيد يعد إحياءً للنهضة وإدامة لها، والرواية الواردة “من بكى أو أبكى واحداً فله الجنة ومن تباكى فله الجنة” «1» إنما تشير إلى أن حتى المتباكي يعمل عملها من شأنه إدامة النهضة وحفظها، وهذا يصون نهضة الإمام الحسين ويديمها”
المحور الثالث: عاشوراء مفهوم عام لا مصداق خارجي واحد “كل يوم عاشوراء وكل ارض كربلاء”.
قد يتصور بعض أصحاب النظر القصير أن قضية الحسين مجرد أمر حصل وانتهى وتكليفنا هو فقط تذكر الأمر كما يقيم أي شخص ذكرى لوالده المتوفى في كل سنة ولكن هذا النظر سيؤدي إلى القضاء على الثورة الحسينية لأنه يفرغها من محتواها الحقيقي ويجعلها مجرد ذكرى وطقوس لا تغير شيءَ ولا تحدث أثرا أما الإمام رضوان الله تعالى عليه فيرى أن قضية الحسين هي مفهوم عام له مصاديق مختلفة فجميع الثورات ضد الظلم والطغيان هي من مصاديق ” عاشوراء وكربلاء” ولكن سميت هذه القضية العامة ب” عاشوراء وكربلاء” لأنها أعظم المصاديق كما سُمي أمير المؤمنين في القران ب”المؤمن” وذلك لأنه أشرف المصاديق لا انه المصداق الوحيد فأصحابه أيضا مؤمنون وهذا الفهم الخميني الثاقب للقضية الحسينية مستنبط من روايات أهل البيت في موارد مختلفة منها على سبيل المثال قول أمير المؤمنين في نهج البلاغة “كلّ يوم لا يعصى اللّه فيه فهو عيد”[1] فالعيد مفهوم عام ينطبق على كل يوم فرح وإن اختص الاسم ببعض الأعياد لأنها اشرف المصاديق وكل يوم لا يرتكب فيه الإنسان معصية جدير بان يكون يوم فرح فهو مصداق للعيد بل ويعتقد الإمام الخميني أن مضمون هذا الشعار أمر صادر من الإمام الحسين فيقول:
إن منهج الإمام الحسين «سلام الله عليه» وأوامره الموجهة للجميع “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” تقضي بأن نستمر في الثورة والقيام والنهوض، امتداداً لتلك النهضة وذلك المنهج، فالإمام الحسين ثار ومعه فئة قليلة العدد من الأنصار، ووقف بوجه إمبراطورية كبرى وضحى بكل شيء من أجل الإسلام، وأكّد: أنه ينبغي أن يستمر هذا الرفض والقيام في كل زمان ومكان.
و حول توضيح مفهوم هذا الشعار العظيم يقول:
إن مقولة “كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء” مقولة كبرى لكنها تُفْهَمُ فهماً خاطئاً، فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم، لكن محتواها غير هذا.
لو نظرنا ما هو دور كربلاء، ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء، حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك، أن تمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميداناً خاض فيه سيد الشهداء غمار الحرب ومعه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا وقاوموا ظلم يزيد وتصدوا للحكم الجائر لذلك العصر وضحّوا وقتلوا، ورفضوا الظلم وهزموا يزيد ودحروه.
هكذا ينبغي أيضاً أن تكون بقية البلدان، وينبغي أن يحصل هذا الرفض للظلم في كل يوم، وعلى شعبنا أن يجسد ذلك في كل يوم ويشعر بأنه يوم عاشوراء، وينبغي لنا أن نقف بوجه الظلم ونعتبر أن هذه أيضاً أرض كربلاء وعلينا أن نعيد فيها دور كربلاء. فليست كربلاء محصورة في أرض معينة ولا في أفراد معينين، وقضية كربلاء لا تقتصر على جمع من الأشخاص لا يتجاوز الاثنين والسبعين شخصاً أو في رقعة جغرافية صغيرة، بل على جميع البلدان أن تؤدي الدور نفسه وفي كل يوم ينبغي أن لا تغفل الشعوب عن الوقوف بوجه الظلم والتصدي للجور.