الشيخ حسان سويدان
يروي أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري القمّي: “دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة لله على خلقه، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً… والله ليغيبنّ غيبةً لا ينجو فيها من الهلكة إلّا من يثبّته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته، ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه…”(1).
إنّها إحدى الروايات التي تشدّد على مسألة الدعاء للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو أمر يواظب عليه كثيرون؛ إذ ندعو له عجل الله تعالى فرجه الشريف بالحفظ وتعجيل الفرج. ولكن هل سألنا أنفسنا يوماً عن أبعاد هذا الدعاء أو مكرماته؟
* إزالة الشكّ
لقد بيّنت هذه الرواية معنى الفتنة في الدين، وهي الارتداد عن الاعتقاد، وهي من أعظم الفتن التي يُبتلى بها أهل آخر الزمان. من هنا، ثمّة تلازم بين الثبات على الاعتقاد وبين الدعاء، فما بال الكثير من الذين يعتقدون بهذه العقيدة الحقّة يغفلون عن التضرّع لإمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ وهل يدركون أيّ مكرمة من الحفظ من الفتن والهلكة في الدين سيحصلون عليها بسبب الدعاء لإمامهم؟
إنّ الدعاء في فترة الغيبة الكبرى، يدفع عن الإنسان التردّد والشكّ في هذه العقيدة الحقّة، فضلاً عن أنّ الله تعالى يوسّع له عقله، فقد ورد في الروايات أنّ “الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة”(2)؛ وهذا لا يتأتّى من دون إفاضة ربّانيّة وتضرّع صادق وقلوب يعلم الله تعالى صدقها ووفاءها.
* أداء بعض حقوق الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حقوق عظيمة علينا، وبدعائنا له نكون قد وفينا بعض حقّه، بل نكون مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أمره به الله في الكتاب العزيز: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى: 23)؛ فأنت لا تدعو لإنسان لا تودّه. والمعتقد بإمامة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ويدعو له، حتماً يحمل المودّة والصدق في قلبه، لأنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أبرز مصداق لذوي القربى وآخرهم، والله تعالى وفّقنا لأن نكون في زمانه، فلنودّه، أي فلنحبّه بشدّة، وهذا ما يستدعي أن يبذل الإنسان الغالي والنفيس في سبيل من يودّه، كجزء من أداء الحقّ. مثلاً: لا يستطيع أحد أن يقول إنّه يحبّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، في حين أنّه يقف موقفَ المودة لأعداء الله، وهم أهل العصيان والفجور.
إذاً، يعدّ الدعاء مصداقاً من مصاديق المودّة؛ لأنّه نُطق القلوب على الألسنة؛ فمن يدعو لإمامه ويتضرّع ويناجي ويشكو طول الغيبة والبعد ويبثّ الشكوى ويدعو بالمأثور؛ فهو بلا شكّ مظهر لهذه المودّة الصادقة والشريفة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
* دفع البلاء
مكرمة أخرى نحصل عليها من خلال الدعاء لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهي دفع البلاء وسعة الأرزاق، وهو أثر كلّ دعاء؛ فإنّ الدعاء يردّ البلاء ويدفعه وقد أُبرم إبراماً. لكن يهمّنا هنا إبراز نكتة خاصّة، وهي أنّه قد ورد في روايات عدّة أنّ دعاءنا لأحد ما يدفع البلاء عنّا ويوسّع رزقنا، كما في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السلام : “دعاء المرء لأخيه في ظهر الغيب يدرّ الرزق ويدفع المكروه”(3)، وفي روايات أخرى أنّ الدعاء يهيل الرزق على الداعي. فإذا كان ذلك من نتيجة دعائك لأخيك، فكيف بدعائك لسيّد إخوانك، ولمن جعله الله واسطة الفيض فيما بينه وبينك؟ فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف أبرز مصداق للأخوّة في الدين.
* إعانة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ الدعاء سلاح نستخدمه لتعجيل الفرج، فيكون دعاؤنا إعانةً منّا للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف على المعروف والتقوى، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (المائدة: 2)، فأيّ برّ وتقوى أعظم من هذا البرّ والتقوى؟!
* نصرة وحبّ
الثبات والنصرة، هما من المكرمات التي نحصل عليها أيضاً من خلال الدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما في قوله تعالى: ﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7). وكذلك، فإنّ الذي يدعو للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، يكون محبوبَ الله ومحبوبَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام وإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً، لأنّ الله تعالى يقول: ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾ (آل عمران: 31)؛ أي اعملوا بسنّتي، فتصبحوا مصداقاً للحديث القدسيّ: “فإِذَا أَحْبَبْتُه كُنْتُ سَمْعَه الَّذِي يَسْمَعُ بِه وبَصَرَه الَّذِي يُبْصِرُ بِه ولِسَانَه الَّذِي يَنْطِقُ بِه ويَدَه الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا…”(4).
* يشملنا دعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
روي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه، بعد أن ذكر الأئمّة الطاهرين من نسله الشريف، وقال: “اللهمّ والِ من والى خلفائي وأئمّة أمّتي من بعدي، وعادِ من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم”(5)؛ فمن خلال دعاء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا، يكون الداعي للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قد حصل بطريقة غير مباشرة على دعاء خاصّ جدّاً، صادر عن لسان خير خلق الله.
يتّضح من هذه المكرمات وغيرها أنّه إذا أراد الإنسان الآخرة، فإنّ الدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يوصله إليها. وإذا أراد رضى الله، فالدعاء يوصله إلى ذلك أيضاً، بل حتّى إذا أراد الدنيا، فإنّ الدعاء يوصله إليها.
* للدنيا والآخرة
يذكر العلّامة الطهراني أنّ أستاذه العلّامة السيد محمّد حسين الطباطبائيّ (صاحب تفسير الميزان)، حين ذهب أوّل شبابه إلى النجف الأشرف لطلب العلم، زاره كبير العائلة العارف السيّد علي القاضي الطباطبائي قدس سره، وأوصاه بوصايا مهمّة، ثمّ قال له: “إذا أردت الدنيا فعليك بصلاة الليل، وإذا أردت الآخرة فعليك بصلاة الليل”، فهو يريد أن يقول إنّ صلاة الليل تنفع في الأمور الدنيويّة والأخرويّة على حدّ سواء. انطلاقاً من هنا، فإنّ هذا الأمر نفسه ينطبق على مسألة الدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ إذ إنّ الدعاء له عجل الله تعالى فرجه الشريف سوف يكون من نتيجته تثبيت عقيدة المؤمن بإمامه، وتحقيق رضى الله تعالى، والفوز في الآخرة، والرزق في الدنيا، ودفع بلاءاتها، كما من شأنه أن يضفي بُعداً معنويّاً إلى صلاته وعباداته.
هنا، يكون الدعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف كما صلاة الليل، فكيف إذا جُعل هذا الدعاء في صلاة الليل؟! هل يمكن تخيّل ماذا سيحصل وماذا ستكون النتيجة؟!
* لا للانشغال عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
في الختام، تتأكّد أهميّة الدعاء لصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، حتّى لا نكون غافلين عنه أو مجافين له، فانشغالنا بالدنيا يصيبنا بالنسيان والغفلة عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي نعيش ببركة وجوده، لا بل ببركة وجوده حفظ الله الأرض وأنزل الرزق وأفاض النعم، ولولا وجوده المبارك، لساخت الأرض بأهلها.
(1) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 384.
(2) المصدر نفسه، ص 320.
(3) الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 507.
(4) المصدر نفسه، ج 2، ص 352
(5) الشيخ الصدوق، مصدر سابق، ص 262.