يقول العلّامة الطباطبائيّ (رضوان الله عليه): عندما كنت في طريقي من تبريز إلى النجف الأشرف للدراسة، لم أكن أعرف شيئاً عن النجف، ولم أكن أعرف أين أذهب، وماذا أفعل. كلّ ما شغل تفكيري هو أيّ درسٍ أدرس؟ وعلى يد من أتتلمذ؟ وأيّ طريقة أختار ويكون فيها رضى الله تعالى؟ عندما وصلت إلى النجف الأشرف، ودخلت مقام أمير المؤمنين عليه السلام، توجّهت إلى القبّة وقلت: “سيّدي ومولاي، تشرّفت بمحضرك لمواصلة الدراسة، ولكنّي لا أعرف أيّ نهجٍ أسلك وأيّ برنامجٍ أختار، أريد منك أن ترشدني إلى ما فيه صلاحي”. استأجرت منزلاً وسكنته، وفي الأيّام الأولى، وقبل أن أبدأ أيّ درس، كنت جالساً في البيت أفكّر في مستقبلي. فجأةً طُرق الباب، وإذ بأحد العلماء الكبار قد سلّم ودخل، جلس في الغرفة ورحّب بي. كانت له طلعةٌ جذّابةٌ ونورانيّةٌ جدّاً، حادثني بصفاء وأنس عاليين، وخلال حديثه قرأ لي أشعاراً وقال لي ما مضمونه: “الشخص الذي يأتي إلى النجف بهدف الدراسة، من الجيّد أن يفكّر، بالإضافة إلى الدراسة، بتهذيب نفسه وسيرها التكامليّ وأن لا يغفل عن نفسه”. قال هذا ومضى.
أسرتني أخلاقه وتصرّفاته حينها، وأثّرت في قلبي كلماته القصار والأخّاذة، فقد دلّتني هذه الكلمات على برنامجي المستقبليّ؛ فتابعت هذا العالم التقيّ، وطيلة الفترة التي كنت فيها في النجف، لم أترك محضره ولا درسه الأخلاقيّ واستفدت من سماحته. ذلك العالم الكبير هو المرحوم آية الله الحاجّ الميرزا عليّ القاضي قدس سره (1).
(1)سيماء الصالحين، ص 76.