يرجع سبب تسمية المنسف في الأردن بهذا الاسم إلى قصة تاريخية منذ آلاف السنين، ارتبطت بتاريخ وطني ضد اليهود، مخالفين معتقدهم الذي يُحرّم طهو اللحم في اللبن.
يُعدّ المنسف الطبق الرئيسي الوطني في الأردن، والذي يُعبّر الناس من خلاله عن كرم الضيافة وعن العزة والكرامة أيضاً، ولما له من مكانة تاريخية كبيرة ترتبط بحرب قديمة ومهمة في التاريخ للأردنيين.
يُطبخ المنسف بلحم الأغنام البلدية ورؤوس الجميد المُعدة من لبن الأغنام، حيث يتم غلي اللحم في اللبن والجميد والسمن البلدي، ويتم إعداد الأرز بالطريقة التقليدية المعروفة ويكون باللون الأصفر، ويتم تقديمه في الأعراس والمناسبات الاجتماعية، ويقدّم كوجبة رئيسية للضيوف، وهو الطبق الذي يُطهى عادة يوم الجمعة، وهو يوم العطلة الرسمية في الأردن، فتجتمع العائلة والأصدقاء والأقارب بشكل دائري حوله لما عليه من إجماع كبير.
يرجع سبب تسمية المنسف بهذا الاسم إلى قصة تاريخية منذ آلاف السنين، ارتبطت بتاريخ وطني ضد اليهود، مخالفين معتقدهم الذي يُحرّم طهو اللحم في اللبن، حيث ورد في نصوص التوراة: سفر الخروج – الأصحاح 14 وسفر التثنية – الأصحاح 23.
تعود القصة إلى عام 147 قبل الميلاد، حين طلب الملك المؤابي (ميشع) من شعبه طهو اللحم باللبن في يوم معيّن، ليتأكد بأن شعبه العارف بالتعاليم اليهودية معادٍ لليهود، ومخالف لعقيدتهم، فتمّ في ذلك اليوم في المملكة المؤابية الواقعة بين نهر الزرقاء ومعان طهو اللحم باللبن وأكله من جميع الشعب، وتمّ نسف العهود مع اليهود، الذين كانوا قد نسفوا العهود وغدروا بالملك المؤابي ميشع مُسبقاً، وتمّ في ذلك اليوم إعلان الحرب على اليهود، وانتصر الملك المؤابي على اليهود وهزمهم شر هزيمة، وسمّيت المائدة التي أكلوها “بالمنسف”، لأنها كانت مائدة البداية لنسف جميع العهود مع اليهود.
وقال الباحث حامد النوايسة إن أصل المنسف هو مائدة تسمّى “الجريشة”، فقديماً كان المزارعون والعمال “ينسفون” القمح من “صدر” الطعام حتى يفصلوا الحجارة عنه.
لا يقتصر إعداد المنسف على الرجال أو النساء؛ فطريقة الإعداد واحدة، لكن المناسبات كثيرة، ففي البيوت تُعد النساء المنسف، لكن في الأعراس والمناسبات الكبيرة الرجال هم من يطبخون المنسف، حيث يضعون اللبن والجميد في أوانٍ كبيرة تسمّى “القدور”، ويغلون فيها اللحم ورؤوس الخراف، ويعدّون الأرز بالطريقة التقليدية، ويضعون عليه بهارات تُسمى “العُصفُر” لتعطي الأرز اللون الأصفر، ويضعون على السدور “خبز صاج رقيقاً” وفوقه الأرز، ويضعون فوق الأرز اللحوم المطبوخة باللبن وبعض السدور عليها رأس الخروف تقدّم لكبير القوم وعليّته، ويسكب اللبن الفاتر على الأرز ويتم أكله باليد بطقوس وآداب متعارف عليها بين الأردنيين؛ فلا يجوز أن تأكل بالمعلقة، فهي عادة غير مقبولة بحسب العادات والتقاليد، ولا يجوز أن تأكل إلا بيد واحدة والأخرى توضع خلف الظهر.
ومن هنا يُلاحظ أن للمنسف أهمية كبيرة ومكانة تاريخية عند الأردنيين، فهو ليس مجرد طعام للأكل، بل هو رمز للكرامة والضيافة عند الأردنيين، وبرغم الانفتاح الكبير على الثقافات الغذائية الكبيرة، والإقبال الكبير على الوجبات السريعة، وتراجع الإقبال على الأكل المنزلي، ما زال المنسف الأردني سيّد المائدة الأردنية عند الكبار والصغار والمغتربين خارج الأردن، حيث يسارع المغتربون الأردنيون عند سفرهم لبلاد العمل والدراسة إلى حمل رؤوس الجميد في حقائبهم، لأنها لا تتوفر بالجودة الأردنية، ليطبخوا هذه الوجبة التي تعني لهم كثيراً، وتقرّبهم من بلادهم وعائلاتهم وتهوّن عليهم غربتهم.