ما جاء الدِّين إلا ليرفع الظلم عن العباد، والدِّين والظلم في صراع دائم مذ كان دين وكان بشر، ومن يكُن ظالماً لا يكن له نصيب من الدِّين ولا نصيب من الإنسانية.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “راكِبُ الظُّلْم يَكْبُو بِه مَراكَبُهُ”.
إنه الظلم، والظلم ظُلُماتٌ في الدنيا والآخرة، والظُّلمُ تَبِعاتٌ مُوبِقاتٌ، و “الظُّلمُ في الدُّنيا بَوارٌ، وفي الآخِرَةِ دَمارٌ” كما جاء في الروايات الشريفة.
والظُّلمُ أَلأَم الرذائل، وأقبح الأفعال، وأكبر المعاصي، وإنه لَيُزِلُّ القَدَم، ويسلِب النِّعَمَ، ويُهْلِكُ الأُمَم، وهو بئس الزَّاد إلى يوم المَعاد.
- الرزق مقسوم من الله
- الاسلام يوصي بالتدبر في عواقب الأمور
- على الإنسان أن يكون عقلانياً في حبّه وبغضه
- قيمة الدين تكمن في أنه خادم للإنسان
هكذا يرى الدين الظلم، وهكذا يراه العقل، أقبح القبائح، وأسوأ الرذائل، وما نَهَيا عن شيء كما نَهَيا عن الظلم، وما جاء الدِّين إلا ليرفع الظلم عن العباد، والدِّين والظلم في صراع دائم مذ كان دين وكان بشر، ومن يكُن ظالماً لا يكن له نصيب من الدِّين ولا نصيب من الإنسانية، إذ إن الظلم يمحقهما، ومن يكُن ظالماً فهو عدو لله وعدو لخلقه، وليس له من الله إلا النَّقِمة والعذاب الأليم في الدنيا وفي الآخرة، ولا ينظر الله إليه بعين الرحمة والمَغفرة والصَّفح وهو له بالمرصاد، قد يُمهِلُه ولكنه لا يُهمِله.
وقد يَخال الظالم أنه في مأمن من العقاب خصوصاً إذا كان الزمان زمانه، والدولة دولته، وبيده الإمكانيات والقُدُرات، ومعه الحلفاء والأعوان، وكان المظلوم عاجزاً لا حول له ولا قوة، لكنه أي الظالم يغفل عن أن الله جبار السماوات والأرض بالمِرصاد له، وهو الذي لا يُعجِزُه شيء، ولا يقف لقدرته شيء، الظلم يرجع على الظالم وبالاً ودماراً كما قال تعالى: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا”﴿الكهف/ 59﴾.
وقال تعالى: “وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿50﴾ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿51﴾ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴿النمل/ 52﴾. وقد أقسم الله بِعِزَّته أن ينتقم من الظالم في عاجله وآجله، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “سَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِمَّنْ ظَلَمَ، مَأكَلاً بِمَأكَلٍ، ومَشرَباً بمَشرَبٍ، مِن مَطاعِمِ العَلقَمِ، ومَشارِبِ الصَّبِرِ والمَقِرِ”.
أما في الآخرة فيأتي رَهين ظلمه وجَوره، وهناك حيث لا تُقبَلُ فدية، ولا شفاعة، ولا ينصره هناك ناصر، هناك كل شيء يشهد عليه ويشهد للمظلوم، هناك يقف المظلوم صاحب الحق وبيده مفتاح الجَنَّة، فإما أن يصفح عن ظالمه فيجتاز، أو يطالبه بحقه فيقتصُّ الله له حقه منه، ويؤَذِّن مُؤَذِّنٌ بينهم ألا لعنة الله على الظالمين، وقد رُوِيَ عن رسولِ اللَّهِ (ص) أنه قال: “بَيْنَ الجَنَّةِ والعَبدِ سَبْعُ عِقابٍ، أَهْوَنُها المَوتُ”. قالَ أنَسٌ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، فَما أَصْعَبُها؟ قالَ: “الوُقُوفُ بينَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ إذا تَعَلَّقَ المَظلُومُونَ بِالظالِمِينَ”.
إن هذا المصير القاتم الأسود لايقتصر على الظالم نفسه، بل هو مصير كل من أعانه على ظلمه فلولا أن الظالم يجد من يعينه ما ظلم، بل أجزم أن أدوات الظالم وأعوانه هم الأساس في ظلمه وتجبُّره، فهم شركاؤه فيه، ولذلك أخذت شريعة الإسلام من أعوان الظَّلَمَة موقفاً صارماً لا لَبْسَ فيه، فقد رُوِيَ عن رسول الله (ص) أنه قال: “إذا كانَ يَومُ القِيامَةِ نادى مُنادٍ: أينَ الظَّلَمَةُ وأعوانُهُم؟ مَن لاقَ لَهُم دَواةً، أو رَبَطَ لَهُم كِيساً، أو مَدَّ لَهُم مُدَّةَ قَلَمٍ، فَاحشُرُوهُم مَعَهُم”.
وإذا كان هذا مصير من برى لهم قلماً، أو أعانهم بورقة، أو ربط لهم كيساً، فما بالك بمصير من أعانهم سياسياً ومالياً ومَدَّهم بالعُدة والعتاد، وزوَّدهم بأفتك الأسلحة، وأحدث التكنولوجيا والطائرات، والقنابل القاتلة التي تُمزِّق الأبدان وتُذيبها؟
وإن من نِقمة الله بأعوان الظَّلَمة أن يُسلِّطهم عليهم، لأن من يصير الظلم طبعاً له لا يفرِّق بين بعيد وقريب، فإن لم يجد بعيداً يظلمه ظلم حتى القريب منه، قال رسول الله (ص): “مَنْ أعانَ ظالِماً سَلَّطَهُ اللَّهُ علَيهِ”.
نفس المصير يلقاه الراضي بالظلم: فهو شريك فيه، ويشمله العذاب كما يشمل الظالم والمُعين، لأن الرِّضى بالظُّلم يُسَهِّل على الظالم ظلمه، ويمهِّد الأرضية الملائمة له، فالرّاضي ظالم وإن لم يباشر الظلم، وقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): “العامِلُ بِالظُّلمِ والمُعينُ لَهُ والرَّاضِي بهِ شُرَكاءُ ثَلاثَتُهُم”.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي