ساعتان تضغطان الآن على آلة الحرب. ساعة “إسرائيل” الرملية، التي تستنزف مزيداً من قواتها ومنعتها، وساعة المقاومة التي تفرض إيقاعها على الأميركي والإسرائيلي معاً.
صورة ما جرى يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر لم تنكشف بعدُ، في كل جوانبها. سوف ينقضي وقت قبل أن تفرج المقاومة في غزة عما في جعبتها. تفاصيل كثيرة من هذا اليوم التاريخي الطويل سوف تُكشَف أسرارُها بعد حين.
لن تتوقف تداعيات “طوفان الأقصى” حتى بعد انتهاء المعارك. في اللحظة التي تخبو فيها النيران سوف يبدأ طوفان جديد في الساحة الإسرائيلية. تذكر وسائل إعلام عبرية أن حجم الكارثة التي حلت بـ”إسرائيل” لم يتضح، وأنه بعد انتهاء الحادثة ستكون هناك “دولة” مغايرة.
في الوقت الحالي، يطغى سياق المجازر وسيل الشهداء في غزة على ما عداهما. في موازاة ذلك ينشغل العالم بالتطورات الميدانية بعد قرار “إسرائيل” بدء التوغل البري داخل القطاع، وبمآلات الساحات والجبهات الأخرى. ما زالت الاحتمالات مشرَّعة على اتجاهات التصعيد وإمكان انفجار الوضع في المنطقة. لا يُستدلّ على ذلك فقط من تصريحات قادة ومسؤولين حول العالم، وإنما أيضاً من مؤشرات ميدانية وتطورات قد تزداد وتيرتها في جبهات المنطقة.
منذ أيام أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى وجود أكثر من 50 سفينة حربية من 11 دولة في مياه البحر المتوسط والبحر الأحمر، مشيرة إلى أن ذلك يحدث للمرة الأولى منذ عام 1945. نقل الإعلام الإسرائيلي تقارير عن وجود قوات خاصة أجنبية في المنطقة، ولا سيما في قبرص، بينها قوات ألمانية وفرنسية وبريطانية وأميركية. الهدف منها، وفق التقارير، هو تقديم استجابة فورية عند الضرورة.
الفرصة المتبقية
قبل نحو 10 أيام أعلن البنتاغون أن الولايات المتحدة تتوقع تصعيداً كبيراً في الشرق الأوسط وزيادة خطر الهجمات على قواتها في المنطقة. توالت تحذيرات مشابهة على لسان قادة ورؤساء من أنحاء العالم، الأمر الذي يدل على أن احتمالات التصعيد ليست مجرد مناورة أو تهويل.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبق أن حذر من تحول النزاع بين “إسرائيل” وحماس إلى حرب إقليمية. وزير خارجية إيران يواصل منذ بداية الحرب التعبير، وفق أكثر من طريقة، عن أن استمرار العدوان الصهيوني على غزة سيؤدي إلى توسيع ردود الفعل في المنطقة. وزير الخارجية البريطاني أقرّ بوجود خطر من تصاعد الصراع وتوسعه في أنحاء المنطقة، بينما صرّح المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، بأن الأميركيين قلقون للغاية من اتساع رقعة الصراع، قائلاً: “أرسلنا رسالة واضحة، تفيد بردع كل المحاولات نحو ذلك”، ولاقاه وزير الدفاع الأميركي بالقول إن بلاده لن تتردد في التحرك عسكرياً في حال توسع النزاع. حسين أمير عبد اللهيان حذّر من أنه في حال توسّع النزاع فإن خسائر فادحة ستلحق بالولايات المتحدة.
خلاصة هذه التصريحات وغيرها، معطوفة على تطورات عسكرية، أبرزها ما يحدث في الأيام الأخيرة في جبهة اليمن، لا تترك مجالاً للتأويل بشأن خطر توسّع الحرب واحتمال اشتدادها.
يدلّ على ذلك ما ذكره، يوم الخميس الماضي، عبد اللهيان حينما حذّر من أن “المنطقة وصلت إلى مرحلة الغليان، وانفجارها في أيّ لحظة ليس مستبعداً”، داعياً إلى وقف الحرب “خلال الفرصة القليلة المتبقية، فإذا لم تُتخذ هذه الخطوة فقد يصبح انفجار المنطقة أمراً لا يمكن تجنبه”. مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان أشار إلى هذا الاحتمال، منذ منتصف الشهر الماضي، مشدّداً بصورة خاصة على جبهة شمالي فلسطين المحتلة، وعلى احتمال تدخّل إيران.
تبعاً لذلك، تحبس “إسرائيل” أنفاسها، ويضبط العالم ساعته على توقيت الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في إطلالته المقررة بعد ساعات. يعبّر معلق الشؤون العسكرية في “القناة الـ13″ الإسرائيلية، ألون بن ديفيد، عن قلق إسرائيلي قبيل الخطاب الذي يتزامن مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي لـ”إسرائيل”.
كان لافتاً إعلان حزب الله، منذ الأحد الماضي، موعد الخطاب، في اليوم نفسه الذي بثّ فيديو مختصراً يُظهر مروراً سريعاً للسيّد نصر الله. الأيام الخمسة، التي فصلت إعلان موعد الخطاب عن الخطاب نفسه، بدت كأنها مقصودة لإفساح المجال أمام وساطات قبل إعلان موقف ما. فهل سيعلن السيد نصر الله موقفاً جديداً، أم يحافظ على مساحة الغموض ربطاً بالتطورات في غزة؟
القرار اللغز
يشير الإعلام الإسرائيلي إلى إن “إسرائيل” نقلت مجموعة من الرسائل عبر جهات متعددة إلى السيد نصر الله، فيما بدا كأنه قراءة في تطوّر الأحداث، وخشية من مواقف تتوقّع “تل أبيب” أن يعلنها الأمين العام لحزب الله، لكنّها غير قادرة في الوقت نفسه على مجاراتها. أيضاً، في هذا السياق، أكّد المتحدث باسم البيت الأبيض، جون كيربي، متابعته للخطاب المرتقب “من كثب”، معلّقاً على ذلك بالقول إن “رسالتنا إليه هي عدم توسيع الصراع في المنطقة”.
من ناحية حزب الله، ينطلق خطاب السيد نصر الله من خطوات ومواقف تأسيسية جرت ترجمتها منذ بدء الحرب. تسبق الخطاب سلسلةٌ من المواقف التي أدلى بها قياديون ومسؤولون في الحزب. نائب الأمين العام، الشيخ نعيم قاسم، أعلن، عبر منصة X قبل أسبوع، أن حزب الله في قلب المعركة “ويده على الزناد بالمدى الذي يُقدِّرهُ مطلوباً في المواجهة”. يمكن أن يُفهم من ذلك أن انخراط المقاومة في لبنان قد يتّسع ويزداد زخماً، ربطاً بالتطورات في جبهة غزة.
هذه المواقف، التي كان آخرها رسالة مُرمَّزة وممهورة بتوقيع المقاومة الإسلامية في لبنان، وموجَّهة إلى المقاومين في غزة، واكبتها عمليات عسكرية عند الحدود مع فلسطين المحتلة، منذ الأيام الأولى للحرب، وتصاعدت حدّتها في الساعات الأخيرة.
أدّت هذه العمليات إلى مشاغلة قوات الاحتلال واستنزافها وتكبيدها خسائر في الأرواح وفي العتاد والتجهيزات، كما أدّت إلى خلق ضغط في الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال إجبار سكان المستوطنات المحاذية للحدود على النزوح في اتجاه الداخل. في المقابل، ارتقى عشرات الشهداء من المقاومة، والذين يأتي الخطاب المرتقب في إطار الاحتفال بذكراهم.
حافظ حزب الله، في موازاة وضوح خطابه، على مساحة من الغموض فيما يتعلّق بمدى انخراطه العسكري ومساحة الاشتباك التي قد يتوسّع فيها. كان ذلك ضرورياً، أخذاً في الاعتبار مجموعة من العوامل، التي يمكن أن تساعد المقاومة في غزة مع لحاظ التداعيات المحتملة لأي خطوة وأهداف المرحلة، بالإضافة إلى المعركة السياسية والدبلوماسية التي بدأت مؤشراتها تتكثّف مؤخّراً بشأن تصورات الواقع في غزة بعد انتهاء المعركة، ربطاً بتصريحات إسرائيلية تتوقع شهوراً، وتتحدث في بعض الأحيان عن أعوام لاستمرار العمليات العسكرية، الأمر الذي يتطلّب من المقاومة في المنطقة تقدير فعالية أي خطوة وتوقيتها في إطار حرب ربما تطول، ولم تعد تقتصر على المقاومة و”إسرائيل” بعد دخول أساطيل الناتو إلى المنطقة.
لا شكّ في أن حدود مشاركة حزب الله في الحرب تخضع لدراسة متأنية، ترتبط بمجموعة اعتبارات تنظر إلى الصراع مع “إسرائيل” باعتباره صراعاً وجودياً، وفي الوقت نفسه باعتبار الحرب الدائرة حالياً مفصلية. بصرف النظر عن أي موقف قد يعلنه السيد نصر الله، أو يضمره أو يؤجله، فإن أي قرار يتعلق بالحرب الدائرة في فلسطين ليس من مصلحتها أن يُتخذ بصورة انفعالية، وإنما على نحو مدروس يستشرف المستقبل وما يمكن أن ينجم عن كل خطوة وتوقيتها.
باتت ملفات المنطقة والعالم، المتشابكة أصلاً، على قدر كبير من التعقيد على رقعة الشطرنج العالمية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. في حال تدحرجت الأمور، ووصلت المنطقة إلى حرب مفتوحة، فإن تداعياتها قد لا تقتصر غالباً على الشرق الأوسط.
في هذا الإطار، من المهم التوقّف عند مفصل أساسي في سلّم التدرج في التصعيد. هناك اختلاف أساسي بين أن يصدر قرار الحرب المفتوحة من “إسرائيل”، أو من محور المقاومة، أو أحد أطرافه، وعلى رأسها حزب الله. إن أي قرار أو مفاجأة من هذا النوع، في توقيت غير ملائم، أو في إخراج غير ملائم، قد يشكّل خدمة لبنيامين نتنياهو، الذي يتمنى أن يورّط الطرف الأميركي أكثر في هذه الحرب، بينما تسعى إدارة بايدن لتجنب ذلك قدر الإمكان، ربطاً بحسابات تتعلق بالسياسة الداخلية الأميركية، وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية المقبلة، بالإضافة إلى حسابات تتعلق بالسياسة الخارجية، ومنها الملفات المفتوحة في أوكرانيا وفي بحر الصين. لا ننسى أن نتنياهو عمل، في الأعوام السابقة، على محاولة استدراج الأميركي إلى التصعيد في مقابل إيران ومحور المقاومة في أيام السلم، فكيف الحال في ظل المستنقع الذي وقع فيه ولا يبدو أن أمامه فرصاً كبيرة للنجاة منه؟ في هذه الحال، يشكّل استدراج الأميركيين إلى التدخل العسكري المباشر، وتوسيع نطاق الحرب، حبلَ النجاة الأخير بالنسبة إليه.
مع ذلك، لا يمكن استبعاد أي مفاجأة في خطاب الغد، كما لا يمكن استبعاد أن يكون تعبيراً عن اتصالات ووساطات جرت طوال الأيام الماضية. بمطلق الأحوال يبدو أن حزب الله يزِن خطواته بميزان الذهب، ربطاً بحسابات دقيقة تتعلق بمصلحة المقاومة في لبنان والمنطقة. هذه المقاومة، التي تمرّست منذ عقود في شدّ الحبال، عرفت متى وكيف تدخل المعارك، وكيف تحسم الحروب وفق توقيتها، من دون الوقوع في فخاخ أعدائها، كما عرفت كيف تتدرّج وتضبط المعارك على إيقاعها، الأمر الذي حافظ على وجودها حتى اليوم وعزّز قوتها. تعتمد قوة المقاومة على حنكتها وحكمتها، بقدر ما تعتمد على الإرادة والسلاح.
من هذا المنطلق، فإن قرار الحرب المفتوحة، الذي يدعو إليه البعض، سواء عن سذاجة أو انفعال أو سوء نية، ينطوي على إمكان تدّخل أميركي مباشر. منطق الأمور يقود، في هذه الحالة، إلى إمكان كبير لتوسّع دائرة النار، على نحو يشمل إيران.
في حال تدحرجت الأمور في هذا الاتجاه ستكون نهاية المشروع الصهيوني احتمالاً واقعياً. وهذه من أوراق القوة التي يمتلكها محور المقاومة، لكن ربما تكون تكلفتها مرتفعة. في هذه الحال، سوف تتعدّى المسألة كل ما حدث في الحروب السابقة، وتصيب المصالح الغربية بصورة مباشرة في المنطقة.
هذا ما يفسّر حشد الأساطيل الأطلسية في البحرين المتوسط والأحمر. منذ بداية “طوفان الأقصى”، مثّل التهديد الوجودي لـ”إسرائيل” تهديداً بالقَدْر نفسه للهيمنة الغربية على المنطقة. عدا عن موقع فلسطين الجيوسياسي، فإن الخسارة المفترضة والنزاع المرتقب في هذه الحالة سوف يتمحوران حول أصول “الدولة” الصهيونية. من يرث حقول الغاز والنفط والمنشآت النووية والصناعية بعد زوال الكيان؟ وما الذي سيحدث للاقتصاد العالمي ومصادر الطاقة وخطوط التجارة والنقل بعد اشتعال المنطقة؟ تداعيات مثل هذا الأمر لن تقتصر فقط على دول الغرب، وإنما أيضاً على دول مناوئة للهيمنة الأميركية، مثل الصين. إذا لم تكن هذه حرباً عالمية فماذا تكون؟
هذه الأسئلة المعقَّدة تمثّل أحد جوانب الترابط العضوي بين القضية الفلسطينية، ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبين النزاع الدولي على شكل النظام العالمي، والذي مثّلت أبرزَ تجلياته قبل “طوفان الأقصى” بؤرُ الصراع المشتعلة في أوكرانيا وفي بحر الصين الجنوبي.
مسألة تستدعي التأمّل
من مفارقات السابع من تشرين الأول/أكتوبر أن رقعة صغيرة الحجم، مسطّحة ومحاصَرة ومعزولة في بقعة لا تتعدى مساحتها 365 كلم مربعاً، شكّلت صَدعاً في فالق النظام العالمي. يتجلّى هنا أحد جوانب الأبعاد الدولية لمعركة “طوفان الأقصى”، والتي جرى تخطيطها وإعطاء أمر تنفيذها غالباً من أحد الأنفاق في باطن الأرض. يستدعي هذا الأمر التأمل.
في كل الأحوال، تمثّل المعطيات السابقة عبئاً على الولايات المتحدة وحلفائها أكثر من كونها تشكّل ضغوطاً على محور المقاومة. على العكس من ذلك، تمثّل هذه الظروف الدولية، وتحديداً منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ورقة استراتيجية ذهبية في يد المحور.
لكنّ فعالية أي خطوة ومدى تأثيرها يكمنان دائماً في توقيت استخدامها وإخراجها إلى حيّز التنفيذ. هذا الأمر مضمون ومجرَّب. جرى ذلك عندما سبق أن هدّد السيد حسن نصر الله “إسرائيل”، واضطرّها إلى الرضوخ لشروط المفاوض اللبناني، خلال عملية التفاوض على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.
في كل الأحوال، وعلى رغم الأساطيل الغربية، فإن زمام المبادرة في غزة والمنطقة ليس في يد حلف أورشليم، ويبقى القرار المضمَر في عقل قيادة المقاومة في لبنان لغزاً لم تقوَ على فكِّه كلُّ رسائل الردع والتهويل الإسرائيلية والأميركية.
نهاية مرحلة الصمت
في خضم مرحلة الصمت، الذي التزمه السيد نصر الله منذ بداية “طوفان الأقصى”، علّق الصحافي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، بالقول إن “إسرائيل” والولايات المتحدة تواجهان صعوبة في فك رموز نيّات نصر الله. سبق ذلك ما أوردته “القناة الـ12” الإسرائيلية، ومفاده أن حزب الله بطل العالم من ناحية التضليل الاستراتيجي لـ”إسرائيل”، وهو بطل العالم أيضاً في قراءة الوضع الداخلي فيها.
يزداد حجم التخبّط والارتباك الإسرائيليَّين بعد قرار التوغّل البري في غزة. الطرف الإسرائيلي عالق اليوم في شرك من الألغام، لا يستطيع التقدّم بسبب فداحة الخسائر الواقعة والمرتقبة نتيجة الالتحام بفصائل المقاومة، ولا يستطيع المراوحة، لأن عامل الوقت لا يصبّ في مصلحته، وهو لا يستطيع الانكفاء عن المعركة البرية بسبب ما تنطوي عليه من خسارة في الردع، وفي الجوانب المعنوية والعسكرية والاستراتيجية.
ما يزيد في عمق مأزق “إسرائيل” هو تقديرها المسبّق بشأن احتمال أن تعمد سائر جبهات المقاومة إلى تصعيد ضغوطها، توازياً مع مدى توغلها البري في غزة. منتصف الشهر الماضي، نقلت “القناة الـ13” العبرية، عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قوله إنه يمكن أن يحدث تضليل في الشمال كما حدث في الجنوب. كما نقلت عن رئيس “الموساد” السابق، داني ياتوم، تقديره أنه حينما “نغرق في الدخول البري في غزة، حينها سيبدأ حزب الله إطلاق النار على إسرائيل”.
تقديرات “إسرائيل” في هذا السياق تدور في حدود التخمينات، التي لا تصل إلى حدّ اليقين، الأمر الذي يزيدها ارتباكاً، وخصوصاً بعد الضربة الاستخبارية التي تعرضت لها في عملية “طوفان الأقصى”.
يعزّز هذا الأمر فعّالية الغموض في سائر الجبهات، التي تأخذ في الحسبان كل الظروف الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الاتجاهات السياسية والعسكرية المحتملة داخل الكيان وفي الولايات المتحدة. لم يعد هذا الكيان، منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”، قادراً على إدارة الحرب بنفسه، وبدا قاصراً ومعتمداً على الولايات المتحدة، إلى أقصى الحدود.
يقول نير كيبنيس، في موقع “والّاه” الإسرائيلي، إنه يجب الاعتراف بالحقائق: “دولة إسرائيل لم تعد دولة سيادية ومستقلة”. رئيس “مجلس الأمن القومي الإسرائيلي” السابق، غيورا آيلند، يشرح بدوره لـ”القناة الـ13″: “إذا لم نعمل وفق الإملاءات الأميركية، وبصورة صحيحة، فقد تتوقف العملية العسكرية في لحظة لا نريدها”.
ويوضح، بمزيد من التفصيل: “من اللحظة التي تدخل فيها قوات البر.. واضح أن العمليات البرية ستتوسع. وفي هذه اللحظة، فإن عقارب الساعة ستدور بسرعة أكبر، سواء فيما يتعلق بإمكان حدوث حرب في الشمال، أو فيما يتعلق بالشرعية الدولية. وأنا أقترح الإصغاء جيداً إلى الأميركيين، لأنهم هم من يُوْقِف لنا الساعة”.
حتى الساعة، ما زالت المقاومة في غزة، وفي مختلف جبهات المقاومة في المنطقة، تمتلك زمام المبادرة، على رغم المآسي وسيل الدماء وقوافل الشهداء. ما يعني المقاومة، بصورة أساسية، في هذه المرحلة، هو أن تتوقف الحرب.
التنسيق المشترك وتحديد الخطوات وحجمها تهدف إلى تحقيق هذه النتيجة. الخطوات، التي تقوم بها المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، تتكامل ضمن إيقاع مدروس ومتقن، ينقل كرة النار المتدحرجة إلى الحضن الأميركي. الهدف هو الضغط على واشنطن، وتحميلها عواقب أي تأخير في وقف إطلاق النار.
ساعتان تضغطان الآن على آلة الحرب. ساعة “إسرائيل” الرملية، التي تستنزف مزيداً من قواتها وسمعتها، وساعة المقاومة، التي تفرض إيقاعها على الأميركي والإسرائيلي معاً. عاجلاً أو آجلاً، سوف ينتهي الوقت، وسيكون هناك مشهد جديد في المنطقة.