Search
Close this search box.

القرآن يؤكد أن النعم تتضاعف بالشكر

قد أكَّدَّ القرآن الكريم أن النعم تتضاعف بالشكر، قال تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿إبراهيم/ 7﴾.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شُكْرُكَ لِلرّاضي عَنْكَ يَزيدُهُ رِضىً ووَفاءً. شُكْرُكَ لِلسّاخِطِ عَلَيْكَ يُوجِبُ لَكَ مِنْهُ صَلاحا وتَعْطُّفاً”.
شُكراً، كلمة خفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان، لا شيء يؤثر في نفوس الآخرين كما يؤثر الشُكر، إنه ليزيد من أنعم عليك أو أسدى إليك خدمة، أو أعانك في أمر، يزيده رِضىً عنك ووفاءً لك، ويُصلِح السَّاخِط عليك ويزيد تعطُّفه عليك، يزيد المحبة والوفاء، ويقضي على العداوة والبغضاء.
والشُكر واجِبٌ عقلي، سواء كان شُكراً قولياً أم كان شُكراً حالياً فعلياً، وجاء الدين ليؤكد هذا الوجوب، ولئن كان العقل يوجب الشكر بغضِّ النظر عن مردوده الإيجابي على الشاكر والمَشكور، فإن الدين يكشف عن هذا المردود.

الشكر يثمر رضا في نفس الانسان

المَردود الأول: نفسي على الشَّاكر، فإن الشُكر يثمر رِضا في نفسه وطمأنينة إلى أنه أدّى ما عليه من واجب تجاه من أنعم عليه، أو أسدى إليه خدمة، لأنه إذا لم يشكر أَنَّبَه ضميره، لأن العقل يعتبر الشكر أقل ما يُرَدُّ به جميلُ الطرف الآخر، وهو من مصاديق: “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴿الرحمن/ 60﴾.

وعدم الشكر يكشف عن لؤم مستحكم في نفس المَرء، وهذا لا يرتضيه إلا الجَحُود اللّئيم. وقد أثبت المتخصصون النفسيون أن الشكر يمنح المرء السلام النفسي، وهو من أهم مكونات الصحة النفسية.

وأمّا مَردوده النفسي على المَشكور من الناس فإنه يمنحهم الرضا النفسي عمَّا أعطوا، ويزيدهم حماسة في فعل الخير والإفضال على الغير، إذ يرون أن إنعامهم لم يذهب سُدى، بل وقع في اليد التي تستحقه، وناله الشخص الجدير به.

المَردود الثاني: مادّي، يرجع على المشكور، فقد أكَّدَّ القرآن الكريم أن النعم تتضاعف بالشكر، قال تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿إبراهيم/ 7﴾. إن الشكر هنا والله العالم مطلق يشمل شكر أي مُنعِم، ولا ريب في أن أكثر وخير المُنعمين هو الله تعالى، وهو سبب كل نِعمة، وشكره سبب لزيادة النعم، وكذا شكر أي مُنعم غيره، والكفر الوارد في الآية مطلق كذلك، فكل جحود لكل نعمة أو التصرف بها خلاف ما يريده المنعم كُفر، ومِنْ كُفرِ النِّعَم عدم الشكر للمنعم بها سواء كان الله تعالى وهو المُنعِم بالأصل، أو كان سواه من الناس وهم المُنعِمون بالتَّبَع، والكفر هذا سبب للعذاب الشديد، سواء كان عذاباً أخروياً ربانياً أم كان عذاباً بمعنى الأثر السلبي الذي يُخلِّفه ترك الشكر على العلاقات الإنسانية والاجتماعية والأسرية.

ضرورة تعميم ثقافة الشكر في حياة الانسان

ما تقدَّم يوجِب علينا أن نُعَمِّمَ ثقافة الشكر في حياتنا، ويكفي فيها أن نقول (شكراً) لمن أنعم علينا أو أسدى إلينا خدمة، فهذا امتنان وعِرفان للجميل، وتقدير وثناء، وذلك يزيد في عطاء الشخص ويُرضيه، ويرى أن جهده وقع في محله ولم يذهب سُدى. فالشكر يبعث برسالة إيجابية إلى الطرف الآخر، وهي رسالة تؤثر فيه كثيرا، فتزيد الراضي وتُصلح الساخط.

وليصدقني قارئي الكريم: إنَّ كثيراً من مشاكلنا الأسرية والزوجية بل والاجتماعية تُحَلُّ بكلمة (شكراً) فالولد حين يشكر والديه يرضيهما، ويعزز من محبتهما له، والزوج حين يشكر زوجه يزيد المحبة بينهما، ويزيده هِمّةً وحَيَوية ويُنسيه التعب الذي يلاقيه في الحياة، وهكذا حين نشكر الآخرين.

وما أسهلها من كلمة! قُل: شكراً لكل الناس فليس فيها كُلفة، قُلها وعَبِّر عن امتنانك، وسُمُوِّ أخلاقك، وكُنْ شخصاً يُقدِّر للآخرين ما فعلوه من خير وإحسان معه، قُلها لوالديك، وأولادك، وزوجك، وأخيك، وكل الناس، قُلها وازرعها في قلوبهم فإنها تثمر مزيداً من الرِّضا في قلب الراضي المُحِب، وتُصلح بها الساخط وتعطف قلبه عليك، فإن عجزتَ عن قولها فاعلم أن في نفسك مشكلة وسارع إلى علاجها.
بقلم الکاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية “السيد بلال الوهبي”

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل