Search
Close this search box.

الإسلام يحثّ على قبول العذر

قَبول العُذر، وغُفران الذنب، من القيم الأخلاقية السامية ولا يكون ذلك إلا من ذي النفس الشريفة النبيلة، والعَفُوَّة الرَّؤوفة، وقد حَثَّ الإسلام على ذلك في الكثير من النصوص الشريفة.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ النّاسِ مَنْ لا يَقْبَلُ الْعُذْرَ وَلا يَغْفِرُ الذَّنْبَ”.
حقاً، إنه من أشَرِّ الناس ذاك الذي لا يقبل العُذر، ولا يغفر الذنب، ففضلاً عن أن ذلك يكشف عن تأَصُّل الحِقد والغِل في قلبه، واستبداد الأنا فيه، فإنه بهذا السلوك يحمل مَنْ أخطأ معه على مزيد من الخطأ، ويُغلق عليه باب الإصلاح والرجوع إلى جادة الصواب، والتغيير نحو الأفضل.
قَبول العُذر، وغُفران الذنب، من القيم الأخلاقية السامية ولا يكون ذلك إلا من ذي النفس الشريفة النبيلة، والعَفُوَّة الرَّؤوفة، وقد حَثَّ الإسلام على ذلك في الكثير من النصوص الشريفة، لِما فيه من قيمة أخلاقية رفيعة، ولِما يترتب عليه من إعادة وصل ما انقطع بين الطرفين، وتوطيد العلاقة بينهما، وما فيه من إشاعة الوِئام والمحبة بين الأفراد، والتزام بخلق كريم دعا الله المؤمنين إليه بقوله: “…وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”﴿237/ البقرة﴾. وقال تعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ” ﴿النور/22﴾. وقال تعالى: “فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ”﴿الشورى/ 40﴾.
وجاء في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: “مَنْ أَتَاهُ أَخُوهُ مُتَنصِّلاً فَلْيَقبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ، مُحِقّاً كانَ أَوْ مُبْطِلاً، فَإنْ لَمْ يَفعَلْ لَمْ يَرِدْ عَلَيَّ الحَوضَ”. وهذا مصير بائسٌ يأباه المؤمن الصادق، والحُرُّ الكريم.

وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: “احْمِلْ نَفسَكَ مِنْ أَخيكَ عِندَ صَرمِهِ عَلَى الصِّلَةِ، وعِندَ صُدودِهِ عَلَى اللُّطفِ والمُقارَبَةِ … وعِندَ جُرمِهِ عَلَى العُذرِ، حتّى‏ كَأنَّكَ لَهُ عَبدٌ، وكأنَّهُ ذو نِعمَةٍ عَلَيكَ”. وهذه والله من أجَلِّ الوصايا، فالذي يقبل عُذرَ المُعتذر مأجور، ومثاب، وفعله ممدوح، والإمام هنا يوجه ابنه إلى أدب قبول العذر، فلا يقبله وهو ساخط على المُعتَذر، ولا يقبله باستعلاء واستكبار، بل يقبله بلطف وحُنُوٍّ، بل يشكره على اعتذاره، حتى كأنه ذو نِعمةٍ عليه، فإن ذلك يُرَبّي المعتذر على الاعتذار، بل يضعه على طريق الصلاح والحق، وفي قبول العذر استمتاع بالأخوَّة والمحبة فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “اِقبَلْ أعذارَ النّاسِ تَستَمِتعْ بإخائهِم”.
بل يحثُّ الإسلام على قبول العذر حتى من الكاذب، فقد يوقظ ذلك ضميره، فيلوم نفسه على ما صدر منه من إساءة وكَذب، فقد جاء عن الإمام زين العابدين (ع): “لا يَعتَذِرُ إلَيكَ أحَدٌ إلّا قَبِلتَ عُذرَهُ، وإن عَلِمتَ أنَّهُ كاذِبٌ”.
فضلا عن ضرورة قَبول العُذر، فإن الإسلام يذهب أبعد من ذلك، إنه يدعو المسلم إلى أن يلتمس لأخيه العذر وإن لم يعتذر إليه، أي يُحسِنُ الظَّنَّ به فلعله معذور فيما صدر منه، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): “اِقبَلْ عُذرَ أَخِيكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذرٌ فَالتَمِسْ لَهُ عُذراً” فالمسلم يقبل توبةَ المسيء المتعمد ، وطلبه للصفح والعفو ، ولو غلب على ظنه عدم صدقه في اعتذاره ، فعلى المخطئ المبادرة إلى التوبة وطلب الصفح بصدق وإخلاص ، وعلى المُساء إليه أن يصفح ويعفو.
وقبولُ العذرِ يفرضُ على المعتَذَرِ إليه أنْ يتجاوزَ فلا يُرتِّبْ على الخطأ أثراً من عداوةٍ أو قطيعةٍ، وهو ما وردَ في الرواياتِ التعبيرُ عنه بإقالةِ الخطأ والذنبِ، أي: ترفعُ عن المعتذر تبعاتِ ذلك حتى على المستوى النفسي والقلبي، وأمّا مَنْ لا يقبلُ العذرَ ولا يتجاوزُ عن الخطأ فإنّ وصفَه وردَ في بعضِ الرواياتِ بأنّه شرُّ الناسِ، كما جاء في جوهرة الإمام أمير المؤمنين (ع): “شرُّ الناسِ مَن لا يقبلُ العذرَ ولا يُقيلُ الذنبَ”
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل