إن الصديق الوَفِيَّ مرآةٌ لصديقه، يُنَبِّهُه إلى ما غاب عنه من عيوب وأخطاء، ويُرشِده إلى ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ويُعينه على تزكية نفسه وتنمية فضائله ومهاراته.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ إِخْوانِكَ مَنْ داهَنَكَ في نَفْسِكَ وَساترَكَ عَيْبَكَ”.
المُداهَنَةُ: إظْهارُ الإنسانِ خِلافَ ما يُضْمِرُ، يُقال: داهَن الرَّجُلُ وأَدْهَنَ، أيْ: أَظْهَرَ خِلافَ ما أَضْمَرَ. ومِن مَعانِيها: المُصانَعَةُ، والمُقارَبَةُ في الكَلامِ، والتَّلْيِينُ في القَوْلِ. وذلك بأن يرى المَرءُ أمراً منكراً، ويَقْدِر على إنكاره، لكنه لا يفعل رعاية، وتزلفاً لفاعله.
ويشهد له قوله تَعَالَى: “وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴿القلم/9﴾ ومعناها: تَمَنوا لَوْ تُصَانِعُهُمْ، وتَلين لهم في أمور الدِّينِ، فَيُصَانِعُوكَ. والكلمة مأخوذة في الأصل من (الدُّهن)، وتستعمل غالباً فيما لو أراد طرف أن يستميل الطرف الآخر إليه ويدعوه إلى التنازل عَمّا أو بعض ما يعتقد أو يلتزم به من قِيَمٍ أخلاقية، ومواقف عملية، وبكلمة أخرى: هي نوع من جلب الطرف الآخر بكلام منمَّق مَعسول، أو بالتنازل له عمّا ليس مُهماً لثنيه عن مواقفه. وبهذا فهي نوع من النفاق.
ولَمّا كانت الصداقة من الصدق، صدق النية، وصدق العاطفة، وصدق العلاقة، وصدق الوفاء، وصدق النصيحة، فإنها لا تلتقي مع المداهنة التي تعني مُصانعة الصديق وعدم تنبيهه إلى أخطائه وزلّاته، أو تحذيره من هَفَواته ونَزَواته، أو ردعه عَمّا يضره ويسيء إليه، وتركه وانحرافاته.
إن الصديق الوَفِيَّ مرآةٌ لصديقه، يُنَبِّهُه إلى ما غاب عنه من عيوب وأخطاء، ويُرشِده إلى ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ويُعينه على تزكية نفسه وتنمية فضائله ومهاراته، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال: “الْمُسْلِمُ مِرْآةٌ أَخِيهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ أَخِيكُمْ هَفْوَةً فَلَا تَكُونُوا عَلَيْهِ وكُونُوا لَهُ كَنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، فَأَرْشِدُوهُ وَانْصَحُوهُ وَتَرْفُقُوا بِهِ”
إنَّ في النفس عيوباً كثيرة قد يغفل المَرءُ عنها، إما بسبب اعتداده بنفسه، وثقته الزائدة بها، أو لعدم مراقبته لها، أو بسبب غُرور، أو عُجبه، أو لجهله برذالة ما هو فيه، أو لأي سبب آخر، فيحتاج إلى من يَصدُقُه النصيحة. ولا يكون ذلك إلا من أخ مؤمن مُحِبٍ صادقٍ، يريه عيوبه التي غفل أو تغافل عنها، فينصحه بالتصريح تارة وبالتلميح أخرى. فيكون له كما المرآة، يظهر حسناته ويُثني عليها، ويرى سيئاته فينبهه إليها وينهاه عنها نَهياً جميلاً.
وإذا كان من ميزات المرآة الصدق إذ تُظهر الصورة الحقيقية فالأخ المؤمن يصدق في النصيحة ويُظهر صفات أخيه كما هي، وإذا كانت المرآة لا تزيد شيئا على ما تعكس ولا تُنقص شيئا فكذلك الأخ المؤمن لا يزيد على ما في أخيه من سلبيات ولا يُنقِص مما فيه من إيجابيات، لا يمدحه بما ليس فيه ولا يكتمه عيوبه.
وعليه: فالصديق الذي يراك على باطل ولا يدعوك إلى الحق، ويراك على ضلال ولا يرشدك، ويرى فيك رذائل أخلاقية ولا ينبهك إليها فليس جديراً بالصحبة والأُخوَّة، إنه شيطان في صورة إنسان، وعدوٌّ في لباس أخ، يقول الإمام عَلِيٌّ (ع): “صَدِيقُكَ مَنْ نَهاكَ، وعَدُوُّكَ مَنْ أَغْراكَ” ويقول (ع): “مَنْ لَم يَصْحَبْكَ مُعِيناً على نَفْسِكَ فَصُحْبَتُهُ وَبالٌ عَلَيكَ ِإنْ عَلِمتَ”. لأنه يكون غاشاً لك، ماكِراً بك، ومعيناً الشيطان عليك.
فاختر يا أخي الصَّديق الذي ينصحك، وآخِ الشخص الذي يُحب الخير لك، ويمحضك المودة، ويصدق معك في النصيحة، ويهتم بأخلاقك وإيمانك وتقدمك العلمي والمعرفي، وتطوير مهاراتك.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي