Search
Close this search box.

البَغي لا يجتمع مع الإيمان

إن البَغي لا يجتمع مع الإيمان، بل هو منه على النقيض تماماً، فالإيمان سِلمٌ ووِدٌ ونصيحة للمؤمن، وحب الخير لهم، والإيمان أمانة وأمان، والإيمان صدق ووفاء، والإيمان إخلاص وإيثار، ولو يعلم الباغي ما يناله جرّاء بغيه لكان ذلك رادعاً له عن هذا الفعل الشنيع.

رُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ الْنّاسِ مَنْ يَبْتَغِيْ الْغَوَائِلَ لِلْنَّاسِ”.

شَرُّ الناس: تحت هذا العنوان وردت أوصاف كثيرة في الروايات الشريفة تصف هذا الصنف من الناس، منها ما جاء في هذه الجوهرة الكريمة وهو الشخص الذي يكيد بالناس ويمكر بهم ويأخذهم غِيلة، ينخرط معهم ليؤذيهم، يبدي لهم ظاهراً حسناً وهو يخطط للإيقاع بهم، يستمع إليهم كأنه ولي وفي نفسه أن يمسك عليهم ما يضرُّهم به ويُسيء إليهم، يصادقهم ليحصي عليهم عَثَراتهم وزلّاتهم، ويتقرَّب إليهم لينال منهم مآربه الخسيسة، أو ليوقعهم فيما يكرهون، إن رآهم على شَرٍّ لم يُنبههم ولم يدفعه عنهم، وإن رآهم على خير كرهه لهم وبذل جهده ليزيلهم عنه.

لسانه طيب وقلبه خبيث، يمتدحهم في حضورهم ويغتابهم في مغيبهم. يشاركهم في أعمالهم حتى إذا أمكنته الفرصة ركلهم بقدمه كأن لا صِلَة له بهم، يتسلَّق إلى أهدافه على أكتافهم، ويمتطي إلى غاياته ظهورهم، فإذا وصل إلى مبتغاه تَنَكَّر لهم، وأساء إلى سمعتهم، وحرَّض الآخرين عليهم، وجهد في إزاحتهم من طريقه المشؤوم، يتوسل إلى ذلك بطرق مشروعة ظاهراً أو غير مشروعة، المهم عنده أن يحقق مآربه الخبيثة. وكم تخبرنا وقائع الأيام عن مثل هذا الطبع العقربي الخبيث الذي يتحين الفرصة ليلدغ فريسته.

ما يُؤَسف له أن هذا الصنف من الناس كثير خصوصاً في أيامنا هذه، حيث صار المَكر بالناس ذكاءً، والكيد بهم فِطنة، والتحايل عليهم مَهارة، وصار الباغي مَمدوحاً، والمَظلوم مَذموماً.

إن البَغي لا يجتمع مع الإيمان، بل هو منه على النقيض تماماً، فالإيمان سِلمٌ ووِدٌ ونصيحة للمؤمن، وحب الخير لهم، والإيمان أمانة وأمان، والإيمان صدق ووفاء، والإيمان إخلاص وإيثار، ولو يعلم الباغي ما يناله جرّاء بغيه لكان ذلك رادعاً له عن هذا الفعل الشنيع إن كان له قلبٌ أو ألقى السَّمع وهو شَهيد.

لقد جاء في الحديث عن رسول الله (ص) قوله: “إنَّ أعجَلَ الشَّرِّ عُقوبَةً البَغيُ”*. وجاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع): *”إيّاكَ والبَغيَ فإنّهُ يُعَجِّلُ الصَّرْعةَ، ويُحِلُّ بالعاملِ بهِ العِبَرَ” والبغي يُقَصِّرُ العُمر، ويسلِب النِّعمة، ويَجلِب النِّقَم، ويُوجِب الدمارَ، ويقود صاحبه إلى النار، وكشف (ع) عن حتمية مهمة في هذا الشأن فقال: “مَن سَلَّ سَيفَ البَغْيِ قُتِلَ بهِ” فالباغي تدور عليه الدائرة، فلا يخرج من الدنيا حتى يعاقب بمثل ما بغى، والعقوبة دائماً ما تكون من سِنْخ العمل. وكشف عن أن البغي من ألأم الصفات وأخبث السجايا، خصوصاً إذا كان الباغي متصفاً بالقدرة، أو أمكنته الفرصة، فقال: “ألْأَمُ البَغيِ عندَ القُدرَةِ”.

ولا ريب في أن البَغي من أفحش الصفات وأرذلها، وله درجات، وأفحش درجاته أن يبغي المَرء على من يثق به ويطمئن إليه، فقد جاء عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قوله: “أفحَشُ البَغيِ البَغيُ علَى الأُلّافِ”.

وهذا الصِّنف يجب أن يكون المَرء منه على حذَر، وأَلّا يمحضه الثقة إلا بعد التجربة والاختبار، فالتجربة تكشف خوافيَ الناس، وتظهر مكنون صدورهم من البغي والحقد والمكر، وعلى المَرءِ أن يعرف لمن يطمئن وبمَن يَثِق، ولمن يُسَلِّم أوراقه، ويفضي بأسراره.

بقلم الباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي

للمشاركة:

الأكثر قراءة

اشترك ليصلك كل جديد

اكتب ايميلك في الأسفل