إن الخَشية هي الخوف من الله تعالى المقترن بالتعظيم له سبحانه والعلم بكمال سلطانه وجلاله وهي عبادة من العبادات القلبية التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهي حالة من الخوف الخاص تحصل عند العلم بعظمة الخالق والشعور بهيبته.
ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “شَرُّ النّاسِ مَنْ يَخْشَى النّاسَ في ربِّه وَلا يَخْشى رَبَّهُ فِي النّاسِ”.
الْخَشْيَة: خوف مقرون بمعرفة، وتعظيم للمَخوف منه. وهي أخَصُّ من الخوف الذي هو بمعنى هَرَب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.
وإن لم يكن المَخوف منه مُعَظَّماً. فهي خوف مبني على العلم بعظمة من يخشاه، وكمال سلطانه. قال الله تعالى: “… إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ” ﴿فاطر/28﴾ فالعلماء الذين يتفكرون في الكون وما فيه من مخلوقات، يقفون على عظمة صُنع الله الذي أتقن كل شيء، وأحسَنَ خَلْقَ كل شيء، ومن ثم يعرفون الله معرفة حقيقية، لأن الكون وما حوى ليس سوى أثر من أثار صنعه تعالى، فيستشعرون حقيقة عظمته برؤية حقيقة إبداعه، ومن ثم يخشونه حقاً، ويعبدونه حقاً.
فالخَشية هي الخوف من الله تعالى المقترن بالتعظيم له سبحانه والعلم بكمال سلطانه وجلاله. وهي عبادة من العبادات القلبية التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهي حالة من الخوف الخاص تحصل عند العلم بعظمة الخالق والشعور بهيبته، ولذلك خَصَّ الله بها من عباده العلماء، والعلم والخشية متلازمان، فإذا انتفى أحدهما انتفى الآخر، وكل من كان بالله أعرف كان له أخوف، وله أخشى.
إن المؤمن بين خشيتين لا ثالثة لهما، واحدة لا تكون منه، والثانية هي التي تتحكم في حياته، وعلى أساسها يقيم كل سلوكياته وأفعاله ومواقفه:
فإما أن يخشى الناسَ في ربِّهِ، فيقدم أمرهم على أمره، وطاعتهم على طاعته، وهذه لا تكون منه، لأنهم مثله، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نُشوراً، فما يعجزون عنه لأنفسهم فهم عن فعله له أعجز. وهذه الخشية لا تفيده، بل تجلب إليه كل ما يخشى منه، فلا هو يرضيهم مهما فعل لهم، ولا ينجو من مكرهم وسخطهم وضررهم، فكلما أرضاهم طلبوا المزيد حتى يأتوا على كرامته ودينه، فلا يهنأ في دنياه ولا يُسعَدُ في آخرته.
وإمّا أن يخشى اللهَ في الناسِ، وهذا ما يكون، فالله هو الأحق بالخَشية والتعظيم، وأمره هو الذي يُطاع، ورضاه هو الذي يُطلب، فإنه مالك الملك، يُؤتيه من يشاء، وينزعه مِمّن يشاء، ويُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، وبيده النفع والضُّرُّ، وبيده الحياة والموت، وإليه المَصير، وبيده الحساب، والثواب والعقاب، وعنده الجنة والنار.
إنَّ في خَشية الله في الناس نفعٌ للناس، وحماية لهم من الظلم والفساد، فمن خشي الله فيهم لا يظلمهم، ولا يتجاوز عليهم، ولا يسلِبهم حقاً من حقوقهم، فيأمَنون جانبه، ولا يأملون منه إلا الخير. وفي خشية الله نفعٌ للمَرْءِ ذاته لأن الخشية ذاتها عبادة، ومرقاة تعرج به إلى مقام القرب من الله تعالى، وهي فضلا عن ذلك تمنحه قوة هائلة، وتأثيراً اجتماعياً قوياً، فيخشاه الناس ويعظِّمون مقامه، ويهابون جانبه.
وأكثر من يجب أن يخشوا الله الذين يبلغون رسالات الله، قال سبحانه:
“الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا” ﴿الأحزاب/ 39﴾.
فلا يحسبون للخلق حِسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة، ولا يخشَون أحداً إلا الله الذي أخذ عليهم تبليغ شريعته والعمل بها ودعوة الناس إليها. لأن المداهنة في دين الله، والتنازل للناس عما أمر الله به ومجاراتهم فيما يقبلون وفيما يرفضون، واتباع أهوائهم واتباعهم فساد لهم، وإخلال بحياتهم، فخشية الله هي التي تصون حقوقهم وتأخذ بأيديهم إلى ما يُصلحهم في دنياهم وفي آخرتهم.
وبهذا نفهم قول الإمام (ع): “شَرُّ النّاسِ مَنْ يَخْشَى النّاسَ في ربِّه وَلا يَخْشى رَبَّهُ فِي النّاسِ” وإنما هو شَرُّ الناس الذي يخشاهم أكثر مما يخشى الله تعالى لأنه يقدم رغباتهم على أمر الله، ويطيعهم ولا يطيع الله، وهو على استعداد كامل ليبدِّل دين الله استرضاءً لهم، ومن هؤلاء علماء السُّوء، وعلماء السلطان الذين ينتظرون إشارة منه ليبرروا له ظلمه وجوره، ويخرجون من جيوبهم ما يشاء من فتاوى تخالف شرع الله في عباده وبلاده.
بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية السيد بلال وهبي