إنّ الإرث المحمديّ أمر مهمّ جداً للاستلهام والتعلم والعمل الصالح في حياة المسلمين، وتتضمن هذه الأهمية تعزيز القيم الإنسانية السامية، وتعزيز التعايش السلمي، والعدالة في المجتمع؛ بناءً على تعاليم الإسلام وسيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
ونحن إذ تصادفنا ذكرى شهادة إمامنا علي الهادي (عليه السلام).. نجد من خلال موروثه التاريخي أنّ صفاته قد حيرّت عقول البشر، وخاصّة مَن كانوا وتعايشوا في دائرة حياته الشريفة، والذين كانوا في عصره، ولقد كان جلّهم يكنّ له الاحترام والانقياد بسبب الصفات الأخلاقية العالية: كالتواضع والوقار والخطاب البليغ.. وهو رصيد كماليّ لا يناله إلا الأنبياء (عليهم السلام).
يقول علي بن أبي حمزة عن أبيه: رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يعمل في أرض قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك، أين الرجال؟ فقال (عليه السلام): «يَا عَلِيُّ، قَدْ عَمِلَ بِالْيَدِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي فِي أَرْضِه ومِنْ أَبِي».
فقلت له: ومَن هو؟
فقال: «رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) وأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وآبَائِي (عليهم السلام)، كُلُّهُمْ كَانُوا قَدْ عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ، وهُوَ مِنْ عَمَلِ النَّبِيِّينَ والمُرْسَلِينَ والأَوْصِيَاءِ والصَّالِحِينَ» (الكافي: 5/76-75).
لقد بيّن الإمام الهادي (عليه السلام) أن التواضع والعمل والجد هو الجهاد الأكبر، وهذه العقيدة تعني أن التحديات والمصاعب التي نواجهها في حياتنا اليومية تعتبر فرصة لنا للتطور والنمو الروحي، فعندما نواجه الصعاب ونتغلب عليها بالإرادة والتصرف المصيب، فإننا نحقق الجهاد الأكبر.
وروي عنه (عليه السلام) أنه قال: «مَن تواضع في الدنيا لإخوانه فهو عند الله من الصدّيقين ومن شيعة علي بن أبي طالب (عليه السلام) حقاً» (الاحتجاج: 1/460). وقال (عليه السلام): «التواضع أن تعطي الناسَ ما تحب أن تُعطاه» (المحجة البيضاء: 5/225).
فخدمة الآخرين والتواضع لهم غاية كل الرسل والأنبياء والصالحين (عليهم السلام) وهي تخلق توازناً اجتماعياً مهماً.