بعد شهادة عباس أصبحتم من عائلات الشهداء، وهذه الشهداء تحتاج إلى بناء وتربية خاصة، هل من الممكن إطلاعنا على أساس هذه التربية؟
بسم الله الرحمن الرحيم،
إنّ موضوع التربية، وحتى يصل الإنسان إلى الشهادة، يتطلّب أن يعمل على ثقافته ونمط سلوكه في الحياة، وأهمّ شيء اختيار القدوة، أي اختيار القدوة التي يريدها في حياته [مثلاً له]. من هنا، نقول الحمد لله والشكر لله – سبحانه وتعالى -: «ولكم في رسول الله أسوة حسنة»، فإذا كان الرسول (ص) أسوة حسنة وكذلك فاطمة – سلام الله عليها – التي هي روحه وقلبه بين جنبيه، وكذلك بيت الرسول (ص) بكل عائلته سواء أكان صهره أم أحفاده. فعندما يعيش الإنسان مع هذا النموذج والقدوة حقيقة كأسوة وكقدوة، أي كسلوك عملي يومي في حياته، سيفيض عليه ويتماهى معه. المهم أن يكون الإنسان صادقاً في المعرفة والتعامل مع هذه المعطيات، ويمتلك اليقين تجاهها. أما حتى نصل إلى الشهادة، ففي الحقيقة يكون الأمر طلباً ودعاءً. إن فيه طلباً دؤوباً أن يجعله الله – سبحانه وتعالى – من هذه العائلة النورانية، فإذا كان رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) قد قضوا كلهم شهداء، والأئمة كذلك، على هذا الطريق، فمن الطبيعي أن يكون دعاء الإنسان متماهياً مع قدوته وأسوته. دوماً كان دعاؤنا أن يجعلنا الله – سبحانه وتعالى – ممن «تنتصر بهم لدينك». لكن أن نُوفق للشهادة هذا توفيق واصطفاء وانتقاءٌ وتفضّل إلهي.
لا أتصوّر أنّ في استطاعة أحد أن يجزم ويقول: أنا شهيد. هو يعمل والتوفيق من الله – سبحانه وتعالى – أي ينبغي أن يعمل الإنسان على نفسه. وكما يقول الحاج قاسم سليماني: «يجب أن نحيا حياة الشهداء». نعم، يجب أن يتخلّى ويتحرّر ويزهد حتّى يدرك لماذا خلقه الله. ينبغي أن يضع هدفاً أمامه، وعندما يضع هدفاً، يغدو حاضراً لكل شيء من أجل هذا الهدف، ولا سيّما إذا كان عالياً جدّاً، أي رؤية وجه الله، عز وجل. بناءً عليه وعندما يعمل الإنسان على هذا النحو، سوف يختاره الله.
الشهيد سراج بعمر المقاومة، بعمر حزب الله، كم ساعدته البيئة التي ترعرع فيها؟
طبعاً، ينبغي ألا ننسى هنا أنّه عندما يكون الإنسان عنصراً فعالاً في بيئته ومجتمعه، ينبغي أن يعرف ما الذي كان قبل هذه اللحظة التي يعيشها؟ كيف وصلنا إلى هنا؟ كيف ينبغي لنا أن نستفيد من هذه اللحظة للهدف الذي خلقنا الله من أجله؟ الشهيد عباس قد أكمل الأربعين، فهو مواليد 1983، والاجتياح الإسرائيلي الفعلي لمدينة بيروت كان في 1982. كانت لحظة عصيبة حين استطاع العدو الإسرائيلي احتلال أوّل عاصمة عربيّة. بالطبع، كان الحدث عظيماً جدّاً، ونحن كنّا في بدايات بناء أسرتنا. نشكر الله ونحمده أيضاً أنّنا لم نكن نعيش على هامش الأحداث، بل في قلب الحدث. تحمّلنا التهجير والضغوطات والضائقة التي كانت تُمارس علينا. في ذلك الوقت، كانت هناك مناطق ومستشفيات ممنوع علينا الذهاب إليها، والأبناء يعيشون معنا هذه الأجواء. لكن كانوا يعيشون تلك المرحلة ضمن سياقها الطبيعي دون توتّر ولا اضطراب، وضمن سياق حياتنا الطبيعية. دائماً ما يكون الإنسان في حالة اختيار بين الحقّ والباطل، فتارة يكون هناك صراع وعدو خارجي، وتارة يكون الصراع مع عدو داخلي، أي جهاد النفس، وهذه طبيعة مسار الحياة.
لقد استطعنا – بفضل الله – أن يعيش الأولاد معنا تلك المرحلة ونتنقّل بين منزل وآخر ومنطقة وأخرى. من الواجب أن يفهم الولد لماذا يتنّقل ويتهجّر. هذه الأجواء تؤثر حتماً في روحية الولد، وأن يثبت على الحقّ حتى لو تألّم، وحتى لو انتقل إلى مكان آخر، وحتى لو علا ودنا، فيبقى ثابتاً على الحقّ. الثبات على الحق له ثمن.
كان سراج ثمرة الأربعينية، أي أربعينية حزب الله التي احتفل بها منذ مدّة؟
كانت ثمرة جميلة جدّاً. في لحظة استشهاد عباس، استطعنا أن نرى وجهه. عندما ترين الدم على اللحية المخضّبة، الشيبة المخضّبة بالدماء. كان مظهراً يتضمّن تجلّياً لا أستطيع أن أصفه. كان تجلّياً قد أحدث حالة اطمئنان وثقة بالخاتمة الحسنة، وفي الوقت نفسه العنفوان الصادق. أن يتخضّب الإنسان بدمه في هذا العمر دليل على أنّه ثبت، إن شاء الله. الحمد لله.
حدّثينا عن دوركم في بيئة المقاومة ومجتمعها بعد شهادة سراج؟
نعم، عندما لا يكون الإنسان قد خاض التجربة، ربما يواجه صعوبة في إقناع الآخرين، أو ترك أثر إذا صحّ التعبير، وبعبارة أدقّ أن نترك أثراً في غيرنا لنقدر أن نعينه على أن يكون صلباً ويتحمّل ويصمد حتى النهاية، ويتقبّل أن يكون مشروع شهيد.
أتصوّر أنه في هذه النقطة يجب أن نعمل على الأُسُس، فأي إنسان يريد أن يكون منتمياً إلى هذه الأسرة الإلهية النورانية، التي هي أسرة محمد وآل بيت محمد – صلى الله عليهم أجمعين – وهم كلهم شهداء، ينبغي العمل على عقيدته، فالمبدأ من العقيدة. يجب أن يعمل على العقيدة والثقة بالله ومعرفته ومعرفة أن هذه الدنيا دار ممر، وأنّا لله وأنّا إليه راجعون، كحال حديث أمير المؤمنين (ع): رحم الله امرؤاً عرف من أين وفي أين وإلى أين. هذا يختصر كلّ الرواية والحكاية. من هنا، ومن باب كوننا عائلات الشهداء، قد يكون حديثنا بثقة أكثر: نعم، وصلنا إلى الثمرة الحقيقية، وغاية المنى، فالشهيد ليس فوقه برّ. هذا البرّ هو «مقام العنديّة» عند الله – سبحانه وتعالى – وصحبة الأبرار والصديقين والشهداء والصالحين والأنبياء، لكن مبدأ كلّ هذا يعود إلى عقيدة الإنسان وأن يثبت عليها، فينبغي لكل العائلات – إذا أردنا أن نتوجّه إليها كلها – وكل من يقول أشهد أن لا إله إلّا الله، عليه أن يسرع في معرفة أبعاد هذه الألوهية والربوبية لله، سبحانه وتعالى.
نسأل الله أن نستطيع أن نكون مؤثرين، إن شاء الله. هذا توفيق إلهي. أكرر: إنه لتوفيق أن يكون الإنسان من المؤثرين في بيئته ومجتمعه. أسأل الله أن نكون قادرين على حماية الروح، لأنها الحب والعطف. حقّاً من لم يتذوق لذّة الإيمان فلن يعرف قيمته، فنحن الذين تذوّقنا مسؤوليتنا أمام الله أن نجعل الآخرين يتذوّقون الذي تذوقناه من الإيمان والعمل في سبيل الله، للجهاد وللتحمل وللصبر وللثبات وللشهادة، إن شاء الله.
الشهداء أحياء عند ربّهم لكن لا تشعرون… عائلات الشهداء يشعرون بهم، فماذا تقولين بعد شهادة سراج؟
حقيقةً، ما قبل الاستشهاد وما بعده هناك لحظة تلقي نبأ الشهادة. لا أحد من الممكن أن يتصور ماذا سيحدث في هذه اللحظة، فمهما كانت الأم، ومهما كانت الأخت، ومهما علا مستوى الإيمان عند الإنسان، فمن غير الممكن أن يتصوّر هذه اللحظة. قد يكون السبب الأساسي – أقول: قد يكون، لأنني أخوض التجربة لأوّل مرّة، فمشروع الشهادة مفتوح لبقيّة العائلة، لكل العائلة – أن خبر الاستشهاد هو انتقال من عالم المادة إلى الغيب، ونحن لا نزال في عالم المادة، والشهيد ذهب إلى عالم الغيب، ومن المستحيل أن نحيط بعالم الغيب، فهو رحب جدّاً وغير محدود. من غير الممكن أن يصف الإنسان هذه اللحظة، فالشهيد انتقل بلمح البصر، ورفعه الله إلى عالم الغيب، ولهذا هم «أحياء ولكن لا تشعرون».
أنت تكونين بين حالة عالم المادّة والغيب، وينتابكِ الشكّ في أن تصدّقي أو لا تصدّقي، فهذا مردّه أنّك تعيشين مع عالم الغيب. أنا أتكلّم على اللحظة التي أخبروني فيها بأنّ عباس استشهد. تفكّرت لحظة وقلت: لا أحد ينتهي، وهذه ثقافتنا، فهو من المؤكد قد انتقل إلى عالم الغيب، فأفضل شيء أن أنتقل معه إلى عالم الغيب. بالفعل، عندما تنتقلين معه إلى عالم الغيب، تعرفين أين يعيش وماهية الانتقال. دعونا نقول: انتقال برزخي، أي ليس بالكامل إلى عالم الغيب، أي محدود. حينذاك، وبحدود عقيدتنا وعلمنا ومفاهيمنا، نقدر أن نعيش هذه اللحظة باستبشار، وأننا قطعنا المرحلة الكبيرة وبدأنا الصغرى. وكما يقولون المرحلة الصعبة انتهت، وبدأت السهلة. حقّاً منذ لحظة الاستشهاد، أرى أن الأسهل بدأ.
هل تشعرين أنّه موجود؟
أشعر حتماً أنّه موجود. لا أشعر أنّه رحل أصلاً، وحتى يصعب عليك أن تقولي إنّه ذهب. هذا ليس من باب العاطفة، بل أتحدث يقيناً بحالة القلب. تشعرين أنكِ تعيشين معه كلّ لحظة، وهو إلى جانبك كل لحظة.
ربما تشعرين به الآن أكثر من أيام حياته؟
الآن أتحدّث معه أكثر وأصارحه وأعاتبه أكثر. قبل ذلك، لا. ربما كانت الحواجز المادية تلعب دوراً في السابق، والآن ارتفعت هذه الحواجز الماديّة. الحمد لله، كنّا في مرحلة، وقد منحنا الله مرحلة أعلى وأسمى. الحمد لله.
هل تشعرين اليوم بحضور الشهيد سراج أكثر من السابق؟
إن المفاهيم عندما تصير قيمة عند الإنسان، فإن الله – سبحانه وتعالى – يفتح له أبوابها ويبدأ معه التكامل فيها. هو قد أعطانا إياها مفاهيم وقال اعملوا عليها، وعندما عملنا عليها سلوكياً غدت قيمة، وعندما صارت قيمة، فإن الله – تعالى – هو من يرفعك بها. فهذا الصبر ومراتبه يرفعك الله بها، وهو يتولى ذلك.
ماذا عن رضى الوالدين؟
أخشى أن يرى الناس أننا نغالي في الشهداء، ولكن حقاً لا يصل إلى هذه المرتبة إلا من وصل رضا أهله حقّاً. نحن في النهاية لسنا معصومين، ولا نريد أن نغالي، ولا ندّعي أن تربيتنا مثالية. نحن لسنا مثاليين في التربية مع أولادنا، فهم ليسوا مثاليين لدرجة أنّهم لا يخطئون. نحن لسنا معصومين، ولكن نعمل على أن نحسّن. نعم، نعمل على أن نحسّن. من أهم المسائل عند عباس، وكان مميزاً في هذا.
كان لعباس «ورشنته» و«مقالبه» و«هضامته» ولطافته. لكن بكل صدق كان لا يرفع في المنزل صوته علينا، ولا يحدّق نظره فينا، ولم يردّ لنا طلباً. هو كان كذلك، وهذه ميزة عباس. كان مرضياً حقّاً. نعم، كان مرضياً، ولكن هذا لا يعني أنّه كان معصوماً. فلتعرف الناس أننا نميّز بين العصمة وبين رضى الوالدين؛ يُخطئ فيعتذر، ثم يصحّح، ثم يرتّب الأمور والأولويات، لكنه كان مرضياً، والله يرضى عليه.
يقول إخوانه إنّه كان متعلّقاً بالسيّدة الزهراء (س)، فهل هذه السمة كانت بارزة؟
كان من ميزات عباس أنّه لا يعبّر بالكلام بل بالأفعال فوراً. بالمناسبة، أنا كنت قد نذرته للسيدة الزهراء – سلام الله عليها -، وهي لم تخيّبني. نذرته لأنّه عبّاس، عباس العنفوان، عباس «القبضاي»، عباس الذي يرمي نفسه على «المشكل»، عباس الذي كان ينظر إلى من يريد الإعانة من رفاقه فيعينه. كنت لا أستطيع اللحاق به: هو يركض وأنا أركض خلفه، ولا أستطيع أن ألحق به. لقد عجزت.
الزهراء – سلام الله عليها -، ولأنّ عالم الغيب عظيم جدّاً، هي تعرف أن يذهب وأين يأتي، وكيف تواكبه، وحقاً كان أمراً أكبر من أن يتصوّره العقل، وأسرع مما يتصوّره. حرام علينا أن يكون عندنا هذا المقام والنعمة الإلهية الكبرى، وأن يكون عندنا محمد وآل بيت محمد – صلوات الله عليهم أجمعين -، وألا نلتجئ إليهم. هذا هو الالتجاء إليهم. لقد نذرته للسيدة الزهراء، سلام الله عليها. وكما أريد أن أكمل توجيهاتي ونصائحي وثباتي على المبادئ، ولكن في التفاصيل لستُ أنا، لماذا؟ لأن كل واحد لديه خصوصيات مميزة. أنا لا أعرفها. السيدة الزهراء (س) هي من تعرفها.
هو يعرف ذلك؟
نعم، هو يعرف أنّني نذرته للسيّدة الزهراء، وقد سلك وصار يذهب وحده إلى الزيارة، وصار متحمّساً للحج، وقد ذهب إلى الحج، وأيضاً اختار زوجه على هذا النهج. هدفه صار كذلك، وقد أثمر، بحمد الله.
أثمر في النهاية. هو صار يصرّح بذلك ولكن في خلواته وجلساته الخاصة. من برّه بنا لم يكن يصرّح بمكنونه الثقافي والروحاني أمامي وأمام والده، بل يقف متأدّباً بجدّ.
يروون قصّة عن حادثة معه في مجلس للسيّدة الزهراء (س)، ما هي؟
إذا أردت أن أخبركم بذلك، فمن المفترض أن يخبرك بها من كانوا معه، فأنا سمعتها مثلما سمعها الآخرون. هو لم يعد إلى البيت ليخبرني عن ذلك، ولكن كنت أعرف أنّه يواظب على إحياء المجالس خاصّة أنّه كان حريصاً على إحياء المجالس في نقطته العسكرية، وعندما يعود يحرص على أن يحضر المجالس أين ما وُجدت، فكان هناك مجلس في حسينيّة السيّدة طوعة (رض)، وكانوا يكتبون على كفن، وأول واحد يستشهد يلبس هذا الكفن، فكتب اسمه بالكامل على هذا الكفن. يبدو أنّه كان مستعجلاً ومحلّقاً، وبالفعل لم تمرّ أكثر من 48 ساعة إلا وكان قد التحق. السيّدة الزهراء – سلام الله عليها – حنّت عليه وأراحته. طبعاً كان حريصاً جدّاً على المجالس التي تُقام في الأيام الفاطمية، وموعد شهادته على الرواية الثانية لشهادة السيدة الزهراء – سلام الله عليها – فالرواية في 10 جمادى الأولى، وشهادته في 6 جمادى الأولى.
هي تقبّلت النذر، فعندما نبيع للسيّدة الزهراء – سلام الله عليها – ولله – عزّ وجل – أتصوّر أن الإنسان الجاهل الأحمق هو الذي يندم على البيع. الإنسان الذي يمتلك ثقة بالله – عزّ وجل – يبيع للغني المطلق، فكيف له أن يندم على البيع الذي باعه؟ هذا البيع أمانة أساساً؛ هو أعطى وهو أخذ. نسأل الله أن نكون قد أحسنّا. نكرّر ونقول إنّ تلطّفهم وتدخّلهم في تربية أولادنا هو ما أنقذنا. لطفهم هو الذي أنقذنا. الذي كسرناه بتربيتنا هم من جبروه. اجبر كسري. دائماً ما أقول لله: اجبر كسري.
إنّ لعائلات الشهداء منزلة خاصّة، فهل تشعرون بهذه المنزلة بعد شهادة سراج؟
أن يشعر الإنسان بأنّه ذو مرتبة عالية… لا أعلم. لكن هذا ما أخبرنا به الله – عزّ وجل – وأهل البيت – عليهم السلام – فهم أخبر بهذه المراتب العالية، ولكن نحن ما دمنا على قيد الحياة، يجب أن نحذر من أن نسقط. الشهداء فازوا، وإذا أردنا أن نُنقذ، فإنّنا نُنقذ ببركة شفاعتهم، ولكن أن نشعر أن لدينا مرتبة عالية، فكلا. نعم، لدينا مسؤولية عالية، وأهل البيت (ع) هم من يقيّمون المرتبة. أشعر بعِظم المسؤولية تجاه هذا الدم الذي يُبذل من أجل حماية الدين. لا يُبذل هذا الدم من أجل أن يأخذ الإنسان مقام شهيد، بل هذا الدم يبذل من أجل أن يحمي الإنسان هذا الدين. حماية هذا الدين توجب ألا يغرّ الإنسان أيّ مقام أو مرتبة. إذاً، أرى أن هذا المقام يمنحه الله – تعالى – بناءً على تحمّل المسؤولية، فإذا ما تحمّلها، يصعد إلى هذا المقام. لذا ينبغي الآن أن نتحمّل مسؤولية دم الشهيد كي نستطيع أن نصعد إلى مقام الشهداء.
ماذا عن مستقبل فلسطين؟
آهٍ من جرح فلسطين! ينبغي أن نشحذ الهمّة من أجل فلسطين ومسألتين أساسيتين. المسألة الأولى أنّ فلسطين قضيّة الحقّ في هذا الزمن، أي أبرز مصداق لنصرة الحقّ في هذا الزمن. المسألة الثانية أنّه ما قبل بناء دولة العدل العالمية، وإذا وعى المسلمون في العالم أهميّة قضيّة فلسطين، نستحقّ أن تقام دولة العدل العالمية. لكن إذا لم يستيقظ المسلمون من سباتهم وغفلتهم، فمعنى هذا أنّ هذا الحقّ سوف يسري على كلّ بلدان العالم، أي ليس فلسطين فقط، بل كل بلدان العالم سوف تخسر ما يوجد عندها من فُتات الحياة.
لا توجد حياة هانئة، فالظلم موجود في كلّ البلدان حقّاً، لكن فلسطين هي نقطة مفصلية: إمّا أن نتقدم نحو الدول العالمية العادلة بظهور الإمام المُبارك – عجّل الله تعالى فَرَجَه الشريف – وقيادته وتحت رايته، وإمّا أن نرجع إلى الوراء وننتظر ما لا يعلمه إلا الله، سبحانه وتعالى. كم سنتحمل هذا الظلم. نسأل الله – سبحانه وتعالى – ألا يستبدل بنا غيرنا، وأن نكون من هذه الدماء.
ماذا تقولين للشهيد سراج؟
الشهيد عباس، شكراً لك على كلّ شيء، شُكر العاجز. أشكره لنقطة مهمّة جدّاً جدّاً أنّه لم يُعرّفني إلى ما كان يعمل، وعلى المجهود كلّه الذي أداه، لأنّ من الجميل أن تبقى هذه صدقة سرّ يستحقّ عليها هذا المقام. هكذا حفظ آخرته، وحفظ لي ديني، ألا أحمل أسراراً لا يجوز لي التفوّه بها، أو أن أؤذيهم إذا تحدثت عنها، فحقيقةً شكراً شكراً شكراً. هذا درس لي ولكلّ الموجودين: إن أيّ إنسان في ساحة عمل جهادي عنوانه ينبغي أن يكون الصمت ثمّ الصمت، ثمّ الصمت، حتّى يوفّق. استعينوا على قضاء حوائجكم بالسرّ والكتمان، وهذا سرّ المقاومة. وإذا أردنا أن ننتصر، فعلينا بالسرّ والكتمان.
هناك منام يخصّ الشهيد سراج، هلّا أخبرتنا به؟
هذه المنامات أيضاً لطف من أهل البيت (ع) كي يأخذونا على قدر فهمنا، ويؤنسونا في عالم المادّة. ولكن روايات أهل البيت (ع) كافية جدّاً كي يعيش الإنسان حالة اليقين بأنّ أهل البيت (ع) معنا في اللحظات المصيرية والصعبة، سواء في حياتنا أو عند نزع الروح، وبعد مماتنا. في هذا السياق شكراً لهم لأنّهم يتلطّفون بنا، لأن المنامات التي يراها الناس تُعطي النَفْس مواساة مباشرة من أهل البيت (ع) كي تمسح على قلوبنا وتطمئننا أكثر.