إن العفو عند المَقدِرة قدرة مضاعفة، وقوة لا يمتلكها إلا من أُوتِيَ حظاً عظيماً من القدرة على الإمساك بالغضب، والتَّرَفُّعِ عن مقابلة الإساءة بمثلها، والصَّبر على الأذى.
رُوِيَ عن الإمام علِيّ (ع) أنه قال: “عِنْدَ كَمالِ الْقُدْرَةِ تَظْهَرُ فَضيلَةُ الْعَفْوِ“.
والعفو فضيلة على كل حال، وفعل أخلاقي رفيع، ولكن أن تعفو وأنت ضعيف عاجز شيء وأن تعفو وأنت قوي قادر شيء آخر، فالأول قد لا يُظهِر فضيلة العفو لديك لأنك ضعيف على كل حال، ولست قادراً على معاقبة مَنْ أساء إليك ولعلَّك إن قَدِرتَ عاقبت، نعم قد تصفح عنه بينك وبين الله وذلك لا يعلمه إلا الله.
أما الثاني فلا شَكَّ في إظهاره تلك الفضيلة النبيلة لأنك قادر على الأخذ منه ومعاقبته بل ورد الصّاع صاعَين، ولكنك فضَّلت العفو على الانتقام، والصَّفح والمرحمة على العقوبة. وهذه فضيلة تُحسَبُ لك.
العفو عند المَقدِرة قدرة مضاعفة، وقوة لا يمتلكها إلا من أُوتِيَ حظاً عظيماً من القدرة على الإمساك بالغضب، والتَّرَفُّعِ عن مقابلة الإساءة بمثلها، والصَّبر على الأذى، وكم يكون جميلاً أن يعفو القادر ويصفح، ويتجاوز ويغفر، وينسى ما كان ومضى، ويتنازل عمّا له من حق عند الآخر، يفعل ذلك لا عن عجز وضَعف، ولا عن خوفٍ وجُبنٍ، بل يفعله لأنه فضيلة كبرى يُحِبُّها الله العَفُوُّ، ويحُثُّ عليها، فيتقرَّب بعفوه إليه تعالى، مُؤْثِراً رضاه على رِضا نفسه، حريصاً على ما يبقى ويدوم، ويُصلِح الآخر ويقرِّبه، ويُريح نفسَه من هَمِّ العداوة وثقلها على ما يزول وتبقى تبعاته النفسية تستَعِر في نفسه، وتزيد فيها من الرغبة في الانتقام.
العَفوُ عِزَّة وقُدرة، وسُمُوٌّ في الذّات، ورِفعة في الدنيا والآخرة، وفيه انتصار على النفس التي تجمَح للانتقام، وانتصار على هواجسها المَرَضيَّة ووساوس شياطين الإنس والجِنِّ، وهو أقرب للتقوى كما قال تعالى: “وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” ﴿البقرة/ 237﴾ إي ورَبِّ، العفو أقرب للتقوى، ومن يعرض عن حقه الثابت له شرعاً فهو عن الإعراض عمّا ليس له بحَقٍ أقدر وأجدر، والله تعالى يحُثُّنا على العَفو لننتصر على أنفسنا، ونمسك بها عن الانتقام ونمنع العداوة من أن تستَعِرَ من جديد، لأن الانتقام يولِّد انتقاماً آخر، ولا يمكن للعلاقات الإنسانية أن تستوي مع الانتقام، إنما هي التقوى التي تجعلها مستقِرَّة سَوِيَّة، والتقوى هي التي تهب الطمأنينة لصاحبها ولسواه من الناس ممن هو مضطر للتعامل معهم، ولئن أمكنه أن يقطعها اليوم فقد يضطر إليها غداً، فالأيّام دُولٌ بين الناس، والضَّعيف اليوم قد يصير قادراً غداً، والقادر اليوم قد يذهبَ ريْحُهُ وتضعُفَ قُوَّته.
ولا ينبغي للمَرءِ حال قدرته أن ينسى الفضل بينه وبين من أساء إليه أو أخطأ معه، وقد يكون خطؤه عن غير عمد، وإساءته عن تسَرُّعٍ، فلا يجوز أن يقطع الصِّلَة به لِزَلَّة كانت منه، فضلاً عن معاقبته، بل عليه وهو القادر أن يستعيد إليه صفاءه، وينَقّي بالعَفوِ عنه سريرته، ويُصلِحَ أمره، وهذا من أهَمِّ مصاديق الدَّفع بالتي هي أحسن والذي من أهَمِّ بركاته على الطرفين أن يصير العدو صديقاً حميماً.